الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الاختيار الثوري في المغرب (4/7)

المهدي بن بركة *

( الحرية أولاً ) ينشر على حلقات كتاب «الاختيار الثوري في المغرب» للشهيد ’’المهدي بن بركة‘‘.. وهذه الحلقة الرابعــة

 (4/7) – نقد ذاتي – ثلاثة أخطاء قاتلة:

في هذه الظروف الداخلية والخارجية، توجهنا مهام عديدة ومستعصية لا مناص من القيام بها، ولابد لنا من معالجتها بأساليب جديدة وبسلوك ملائم لخطورتها، مستمدين قوة جديدة من دروس أخطائنا السالفة.

ويظهر لي أننا في الماضي قد انزلقنا نحو ثلاثة أخطاء رئيسية سوف تكون قاتلة لا محالة، ان لم نتداركها في الظروف الراهنة.

الخطأ الأول: يرجع إلى سوء تقديرنا لأنصاف الحلول التي كنا مضطرين للأخذ بها.

الخطأ الثاني: يتعلق بالإطار المغلق الذي مرت فيه بعض معاركنا، بمعزل من مشاركة الجماهير الشعبية.

الخطأ الثالث: نشأ عن عدم الوضوح في مواقفنا الإيديولوجية وعن عدم تحديدنا لهوية حركتنا.

    1- أنصاف الحلول وموقفنا منها:

ماذا كان موقفنا من أول «نصف حل» عشناه في نضالنا الوطني وهو حل «اكس ليبان» (Aix – les – bains)؟

حدث ذلك بعد نضال طويل ظل يتعمق خلاله وعي المناضلين الثوري، وبرزت طوال مرحلة مطامح شعبنا، وهي تزداد وضوحا مرحلة بعد مرحلة.

واسمحوا لي هنا أن استعرض المراحل الثلاث التي مر بها هذا النضال في فتراته المعاصرة.

أ- فقد تميزت المرحلة الأولى من معركة التحرير الوطني، بعد فشل الثورات القروية المسلحة ضد الاحتلال، بانتشار الدعوة الوطنية عند جماهير البرجوازية الصغيرة في المدن التقليدية، وانتقلت الحركة الوطنية كما وكيفا إلى تطور جديد، اثر الحرب العالمية الثانية، بعد أن انخرطت فيها أفواج الكادحين المكدسين في الضواحي الفقيرة المسماة بمدن القصدير. فقد كان للنمو السريع في قطاع الصناعة الاستعماري نتيجة إيجابية، هي نشوء طبقة عاملة ما فتئت أن تسربت إليها تنظيمات الحركة الوطنية.

والظاهرة التي يجب أن نلفت النظر إليها هنا، هي أن البعض كان في أغلب الأحيان ينظر إلى هذه الانخراطات الجديدة في صفوف الحركة الوطنية مجرد نظرة عددية، ولم يكن يعتبر تلك الجماهير سوى وسيلة جبارة للضغط على المستعمرين، بينما كانت هذه الجماهير تشكل بحكم تركيبها التحالف بين العمال والفلاحين المطرودين من الأرض، والنازحين إلى مدن القصدير. وبقي قسم مهم في قيادة الحركة الوطنية غير واع للمعنى العميق لهذا التحول الكيفي، ولما كان ينبغي أن ينتج عنه من تحول في الأهداف وأساليب النضال. ومن هنا ندرك الأسباب العميقة لكثير من التطورات في الحركة الوطنية.

وبكلمة موجزة يمكننا القول بأن الحركة الوطنية كانت تحتوي على حركتين متوازيتين، وبقدر إدراك الجماهير الكادحة لأيديولوجيتها الخاصة بها كطبقة ثورية، استطاعت الحركة الوطنية أن تكسب من هذا الدم الجديد طفرة قوية جديدة.

ب- ولم تكن المرحلة الثانية للنضال التحرري، تتميز بظهور المقاومة المسلحة في المدن؛ مثلما هي تتميز بقيام جيش التحرير الذي لا يتأتى إلا بالتأييد الفعال من طرف الجماهير القروية، كما أثبتت ذلك التجارب التاريخية المختلفة. ومعنى هذه المرحلة أن دعوة حركة التحرير الوطنية قد بلغت سكان البادية والأرياف.

إن هذا الحدث إذا فهم وفسر على حقيقته يكون له مغزى ثوري عميق، لأنه يطرح مشكلتين هامتين: مشكلة تحالف القوى الثورية، ومشكلة أساليب النضال السلمية والعنيفة.

فالمشكلة الأولى تتعلق بربط نضال جماهير المدن من عمال وصغار التجار والحرفيين بنضال الفلاحين في الأرياف. فكلنا نعلم أن الاستغلال الاستعماري قام عندنا على اغتصاب المعمرين للأراضي الزراعية الذي نتج عنه استفحال البطالة في القرى، وهجرة الفلاحين للمدن. وهؤلاء الفلاحون المطرودون من أرضهم الذين يكونون جمهرة الصعاليك في المدن، وهم الذين دخلوا أفواجا في الحركة الوطنية، بينما منبع سخطهم ومصدر قوتهم الثورية خارج هذه المدن، وفي وسط الأرياف. ولذلك فبمجرد ما تصل حركة التحرر الوطني إلى هذه الأرياف نكون قد أقفلنا الحلقة، وتصبح الطاقة الثورية المتجمعة في كلا القطبين الحضري والبدوي قوة لا مرد لها.

وبينما الثورة تكتسب قوة جديدة، فهي لذلك تجد الطريق لتعليق مفاهيمها الإيديولوجية، فهي إذا أمعنت النظر في مشاكل قوتها الرئيسيتين، فإنها تستطيع الوصول إلى وضوح الرؤيا فيما يتعلق بنظام الاستغلال الاستعماري، وفيما يتعلق كذلك بمشاكل العمال والفلاحين وارتباط بعضها ببعض. وان إدراك هذه العلاقة لهي الدلالة على ثورية المنظمة وثورية برنامجها.

وأمّا المشكلة الثانية التي برزت من خلال هذه المرحلة من نضالنا الوطني، فهي قضية العنف كأسلوب سياسي. ذلك أن النضال الثوري ضد أي نظام اقتصادي واجتماعي لابد أن يكون مزيجا من الوسائل السياسية والعسكرية، وتأرجحا مستمرا بين الأساليب القانونية والأساليب غير القانونية. وكان لزاما علينا، وقد وصلت بلادنا إلى هذه المرحلة، أن ندرك هذه المشكلة على حقيقتها وفي منتهى مدلولاتها، وأن نستخلص منها النتائج الحتمية لتعميق الوعي الثوري للمناضلين.

ج- وقد دخلت معركتنا في مرحلتها الثانية باندماجها في الأفق الثوري لمجموع بلاد المغرب العربي. وتم ذلك بنفس السرعة التي كان يسير بها تعميق الأبعاد السياسية والإيديولوجية للحركة، وهي تسير بخطى حثيثة نحو أهدافها. وكانت هذه المرحلة تشكل تحولا جذريا، لأنها فتحت مجالا تستطيع معه الأقطار الثلاثة لبلاد المغرب العربي أن تنتقل من أهدافها المرحلية، كعودة الملك أو تأسيس دولة أو استرجاع الشخصية الذاتية، إلى أهداف ثورية استراتيجية. ومن خلال التباين الشكلي للمعارك المختلفة بالأقطار الثلاثة بدأت تظهر وحدة الاستغلال الاستعماري ووحدة النضال المصيري المشترك، وان المغزى الثوري لهذه الوحدة، هو أنها تتجاوز الخصائص الإقليمية المتباينة، الناتجة عن تاريخ الاستعمار واختلاف النظم السياسية والمناورات الذكية للمستعمرين لخلق التقسيمات المصطنعة، لكي تصل إلى وحدة نضالية، يتبدد معها الكثير من الأساطير والأوهام.

وقد تمت «اكس ليبان» (Aix – Les – Bains) عند هذه المرحلة بالذات، أي عند نهاية تطور طرحت فيها موضوعات قضايا جوهرية بالنسبة لمعركتنا، وهي دور وأهداف الجماهير الكادحة الحضرية، مع ضرورة ارتباطها بالجماهير القروية، ومسألة اللجوء إلى العنف لا في إطار محلي ضيق وإنما في مستوى أفقي متسع في النضال ضد الاستعمار.

ففي هذه الفترة من نضالنا الوطني، والتي رغم قصرها أخذت تظهر فيها عوامل التوضيح الجذرية التي كنا سندخل بها – كغيرنا من الثورات – في مرحلة حاسمة، في هذا الوقت بالذات وقع محمد الخامس في طريق عودته من المنفى إلى المغرب اتفاقية «لاسيل سان كلود» (La Selle Saint – Cloud) مع الحكومة الفرنسية، كنتيجة لمباحثات «اكس ليبان» والتي أدت إلى الاستقلال السياسي الشكلي.

فهل معنى ذلك أن الخصم كان أكثر خبرة منا، فأدرك قبلنا المغزى العميق لاتجاه سير الأحداث؟

ولماذا لم تدرك حركة التحرر الوطني، التي كنا من مسيريها الأغراض الأساسية للاستعمار؟ ولماذا لم نتول توضيح هذه الأغراض، وما يترتب عنها من مسائل للمناضلين مع ما ينج عن ذلك من تحديد لمتطلبات معركة تحريرية جذرية؟

علينا اليوم أن نجيب على هذه الأسئلة وعلى أمثالها في هذا الباب.

لقد منحتنا الظروف التاريخية الوسائل الكفيلة لكي نقوم بدور التوضيح الذي كانت تفرضه علينا مهمتنا الثورية. فهل قمنا بتقديم هذه التسوية التي تمت مع المستعمر كأنها حل وسط، أي أنها حل وسط ربحنا بمقتضاه، ولكننا في نفس الوقت سجلنا خسرانا مؤقتا؟

ليس المهم اليوم أن نطرح بشأن هذه الاتفاقية أسئلة مزيفة مثل «هل كان يمكننا رفض الاتفاقية» أو «ما الذي دفع فرنسا إلى قبولها؟» السؤال الوحيد الذي يهمنا توضيحه هو أثر هذه الاتفاقية على الانطلاقة الثورية لحركتنا الوطنية.

    فلا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذي لعبه في التحول المفاجئ للسياسة الفرنسية اقتران الحركتين التحريريتين، الجزائرية والمغربية. وما كان سيترتب عليه من نتائج. وأيضا ليس من قبيل الصدفة أنه في الوقت الذي بدأ فيه المناضلون – وان كانوا قد بدأوا فقط يدركون من وراء الرمز المعني العميق للنضال الوطني – في هذا الوقت بالذات فهم المستعمرون المعنى العاطفي لإرجاع الملك من منفاه. ونحن اليوم إذا حللنا هذه المطابقات بعد مرور الزمن عليها، ندرك أن السياسة الاستعمارية بلغت منتهى من الذكاء كنا أبعد ما نكون عن تصوره.

نعم، لقد بدأت تنضج المعالم الميكافيلية لهذه السياسة عندما شرع الاستعمار في تطبيقها على مدى أوسع في مجموع القارة الأفريقية، غير أنه منذ نهاية سنة 1956 أخذت مرارة الخيبة تظهر في نفوس عدد من المناضلين، وخاصة عند قادة حركة المقاومة وجيش التحرير، وكان ذلك بمثابة الشعور الحدسي بأن سير الثورة قد توقف.

فهل نحن أخذنا في حسابنا هذا الشعور بالخيبة، واستنتاجنا منه نتائج إيجابية كما كان يجب علينا؟ وهل شرحنا مغزى حل اكس ليبان بعد أن ظهرت سياسة الخصم جلية واضحة للعيان عندما أعلن الجلاوي تراجعه المسرحي وتوبته الموعز بها له؟

كلا لم يقع شيء من ذلك، بل أخذنا على حسابنا تلك الاتفاقية بما لها وما عليها، وتقدمنا بها كعربون على اندحار الاستعمار الفرنسي. ثم إننا صورنا انحلال «مجلس العرش» الذي نصبه الاستعمار كهزيمة أخرى للسلطة الاستعمارية، بينما لم يكن في الواقع إلا فخا مدروسا للتظاهر بالتنازل. ودخلنا في اللعبة الاستعمارية باستبدالنا الهدف الأساسي لمعركتنا، وقد بدأ يتضح للمناضلين، بهدف آخر قد يظهر لأول وهلة قريب المنال، بينما هو في المدى البعيد بمثابة السراب.

إننا في الحقيقة لم ندرك معنى المنعرج الذي وصلت إليه حركتنا، ولم نتخذ له العدة في وقته، لأسباب يمكن مناقشة صلاحيتها، ولكن نتيجتها الملموسة هي أننا عللنا أنفسنا بأن تلك التسوية السياسية إنما كانت توقفا مرحليا في مسيرتنا الثورية. وكان مفروضا ضمنيا أن يستغل هذا التوقف كفترة استجمام للحركة الوطنية، تستغلها لإعادة تنظيم نفسها، ولمعالجة التضخم الذي أصابها، واستيعاب القطاعات الثورية الجديدة في صفوفها، غير أن هذه المحاولات وان كانت قد انخرطت بنية حسنة، إلاّ أنها لم تكن موضوعة في إطار استراتيجية شاملة، جعلها تفضي إلى نتائج عكسية بل إلى تعفن أجهزة الحركة التحررية.

إن هذا التحليل النقدي لتسوية اكس ليبان الذي لم نقم به سنة 1956 علينا أن نقوم به اليوم، حتى نستخلص منه في سياستنا الداخلية موقفا واضحا ومحددا بالنسبة للتسويات أو الحلول الوسطى التي قد نضطر إلى قبولها في المستقبل. ان مثل هذه الحلول يجب أن تقوم بصفة موضوعية وبتقييم حقيقي، لا أن ندافع عنها كانتصارات حاسمة، وبذلك نمنعها من خلق ضباب حول وضوح الوعي الثوري للمناضلين.

ليس من المحرم على حركة ثورية أن تمر في حلول مرحلية، لأن ذلك متوقف على توازن القوى، وعلى تحديد الأهداف القريبة منها والبعيدة. والمهم هو أن يتم كل شيء في وضح النهار، وبتحليل شامل يوضح الأوضاع للمناضلين.

علينا ألاّ نقع مرة أخرى في خطأ «اكس ليبان»، وألاّ نتولى تبرير التسويات كأنها حلول كاملة، والاحتفاء بها كأنها انتصارات تخدم في الواقع أغراضا انتهازية.

2 – صراع في نطاق مغلق:

هل من حاجة إلى التذكير بالمعارك المتعددة التي اضطرنا لخوضها من سنة 1956 إلى 1960 دون أن يعرف الشعب شيئا عنها. وكلها كانت تدور بين جدران منازل أساطين حزب الاستقلال، أو داخل القصور الملكية دون أن ينفذ صداها إلى الخارج

وتعلم بعض إطارات الحزب بالتفاصيل كيف قمنا منذ البداية، ونحن ما زلنا في حزب الاستقلال بالدفاع عن مبدأ أساسي، يضمن لكل حكومة تستحق هذا الاسم أن تباشر السلطة التنفيذية المخولة لها، ذلك المبدأ الذي بدون احترامه تكون الحكومة اسما بلا مسمى، وهو أن تكون بيد الحكومة سائر السلطة، وبالأخص الإشراف على موظفي وزارة الداخلية والمحافظين وكذلك مصالح الجيش والشرطة والدرك التي كان القصر يعمل على احتكارها. وكنا كلما وضعنا مشكلة هذه المناطق المحرومة أو أدرجناها في أعمال أحد المجالس الوزارية، وجدنا نفسنا موضع هجوم مركز من طرف الصحافة الاستعمارية الفرنسية تحت عناوين بارزة ومانشيتات: «العرش المغربي في خطر» وفي ذلك منتهى المفارقة لصدوره من أولئك الذين اعتدوا على العرش من قبل ثلاث سنوات.

ولم نقم بواجب التوضيح أمام الرأي العام لهذه المعارك المتجددة على تعاقب الحكومات، من الوزارتين الائتلافيتين الأولى والثانية إلى حكومتي بلا فريج وعبد الله ابراهيم. ولم نقل قط للشعب أننا كنا فاقدين لوسائل تنفيذ برامجنا. فلا غرابة إذن من أن يتهمنا البعض اليوم بأننا كنا نتوفر على سائر السلطات طيلة سنوات 1956 إلى 1960، بينما كنا فاقدين لجوهر السلطة. هذه هي الحقيقة.

ولننتقل إلى المعارك التي خضناها في الميدان الاقتصادي، فإن أولئك الذين ينسبون لأنفسهم مشاريعنا، ويتبجحون بها في خطبهم كانوا من ألد أعدائها عندما كنا نعرضها ونحن نشارك في الحكم. فكم تحمل أخونا عبد الرحيم بوعبيد من متاعب ليوجد للمغرب بنك إصدار عملته، ولكي لا تبقى هذه العملة تابعة للعملة الأجنبية. وكم تكبد من مشاق لإيقاف نزيف الرأسمال الوطني ولم تتحقق بعض تلك المشاريع إلاّ بفضل صبر طويل ومثابرة بيداغوجية لا تعرف الملل طيلة أربع سنوات من تشرين الأول/ أكتوبر 1956 إلى نيسان/ أبريل 1960.

وسنوضح فيما بعد أن هذه الإصلاحات لم تكن لتغير من جوهر السيطرة الاستعمارية في الميدان الاقتصادي. إلاّ أنه من الواجب أن نؤكد هنا أن هذه الإصلاحات على ضآلتها، بالنسبة لما يزال منتظرا منا إنجازه لتحقيق التحرر الاقتصادي، لم تر النور إلاّ بعد معارك مريرة لم يسمع الشعب عنها شيئا.

ومثل ذلك حصل عندما عرضنا مسألة اختيار أسلوب الاقتراع في انتخابات المجالس المحلية البلدية والقروية، فقد اصطدمنا مع القصر لكي يكون الاقتراع باللائحة، فهو الأسلوب الوحيد الذي يضمن عن طريقه قيام مجالس بلدية تكون أداة للبناء الاقتصادي والاجتماعي. ولكن القصر التجأ إلى استشارة «علماء» من الخارج، ليفتوا له بصلاحيات الاقتراع الفردي أو ما شابهه حسب رغبته. وطالبنا بالرجوع إلى استشارة المنظمات السياسية، فطلب القصر رأيها ولو أنه أدخل في زمرتها من لا يحمل من الكيان السياسي سوى الاسم. وكانت النتيجة أن خمس منظمات اتفقت على رأينا ضد ثلاث منظمات اثنين منها كانتا ضد مبدأ الانتخابات من أساسه. وكل ذلك لا يمنع القصر من فرض الاقتراع الفردي الذي نتج عنه بعث العناصر الإقطاعية والرجعية.

وهذه المعارك أيضاً لم يعرف الشعب من أشواطها شيئاً.

وهكذا في المعارك التي دارت داخل اللجنة التنفيذية أو اللجنة السياسية لحزب الاستقلال حتى 25 كانون الثاني/ يناير 1959. فإن انزلاق بعض القادة في طريق المساومة الانتهازية، بل ومساهمتهم في المؤامرات الخسيسة ضد جيش التحرير والمقاومة أو النقابات العمالية، كان منشأ اصطدامات عنيفة، لو أعلن عنها في ابانها لوفرت علينا كثيرا من الوقت وخيبة الأمل والمزيد من التضحيات.

إن مثل هذه الأخطاء يجب ألاّ نقع فيها من جديد، كما أن الأخطاء السابقة ينبغي مراجعتها وتحليلها للمناضلين، حتى تضع حدا لبعض الأساطير، ونحرم الاستعمار الجديد من استغلال بعض الخرافات المزيفة الكاذبة.

3- من نحن؟

مضى علينا زمن طويل ونحن لا نريد الإفصاح عن الهدف الذي نرمي إليه. فبسبب التسويات وأنصاف الحلول غير المشروحة، وبسبب المعارك الدائرة في طي الخفاء، لم نتمكن من تحديد آفاقنا البعيدة. ولطالما تلقينا هذا الاستفسار ما هو برنامجكم؟

لاشك أن هذا الاستفسار خاطئ في الشكل الموضوع عليه، لأن أي أحد يستطيع أن يسطر برنامجا كما تشهد بذلك البرامج العديدة التي تصدر عن النظام القائم وعملائه السياسيين.

ومع ذلك فإن هذا لا ينقص من قيمة النقد الذي نوجهه لأنفسنا، وهو عدم تبيان واضح لمعالم المجتمع الجديد الذي نسعى لبنائه في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

ولابد لنا من وضع حد لهذا الغموض، مادامت الصورة السياسية للقوى المتصارعة في البلاد قد انكشفت فإن مزيدا من التوضيح لابد منه حتى تحدد اتجاهنا كاختيار ثوري أمام الاختيار الرجعي الديماغوجي المتحكم في البلاد. وأن أفضل سبيل لذلك لهو اغتنام فرصة انعقاد المؤتمر الثاني لحزبنا، من أجل تبيان المهام التي تنتظرنا في العاجل والآجل.

………………….

يتبع.. الحلقة (5/7)؛ المهـــام التي تــنتظرنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مناضل وسياسي مغربي، وقومي عربي، كان قبل اختطافه واغتياله عام 1965 قائداً للمعارضة المغربية ومدافعاً عن قضايا الحرية والسلام في العالم.

التعليقات مغلقة.