الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

في اليوم العالمي لحقوق الانسان: ماذا عن حقوق السوري؟

عبير الحسين *

العاشر من كانون الأول/ ديسمبر هو اليوم العالمي لحقوق الانسان، يحتفي العالم بهذا الإعلان الذي وضع كافة حقوق الإنسان ضمن ميثاق واحد، وقعت عليه أغلب دول العالم وتعهدت باحترامه ووضع القوانين لحمايته وعدم اختراقه.

حقوق الإنسان رافقته منذ بدء الخليقة، وليست مرتبطة بجهة أو دولة أو حضارة معينة وإنما جاءت عبر حقب زمنية متسلسلة، وقد أسهمت عدة عوامل ومصادر في تطويرها، حيث جميع الديانات دعت إلى احترام كرامة الإنسان وعملت على حماية حقوقه، كذلك الحضارات في تطورها والمفكرين والفلاسفة في نظرياتهم التي كان لها أبلغ الأثر في تحديد هذه الحقوق وبلورتها في شرائع وقوانين تعمل على حمايتها، وكذلك ما قدمته البشرية من ثورات ضد طغيان واستبداد الأنظمة الحاكمة، كل ذلك عمل على تبلور حقوق الإنسان، لكن الحرب العالمية الثانية وما خلفته من كوراث إنسانية لم تخل من قتل وتشريد وتدمير واغتصاب، دفعت بالدول للعمل على وضعها في اتفاقية وإعلانها عام 1948.

نشأت فيما بعد عدة كيانات من جمعيات ومنظمات حاولت الحفاظ على هذه الحقوق وتوثيق الانتهاكات لكي يتم التعامل معها، لعل أبرزها هو مجلس حقوق الإنسان وهيئة مراقبة حقوق الإنسان، تملكان الصلاحية لتوثيق الانتهاكات ورفعها إلى الأمم المتحدة ليصار إلى محاسبة الأطراف المنتهكة أو التحقيق معها على الأقل.

وبهذا اليوم الذي يحتفي به العالم بهذا الحدث يخطر ببالي أن أسأل نفسي ماذا عن حقوق الإنسان السوري؟

وماذا قدمت له هذه الوثيقة وتوقيع الدولة السورية عليه؟ ماذا فعلت الهيئات التي توثق الانتهاكات ضد الإنسان السوري؟

إن إمعان النظام في انتهاك حقوقنا دون رقيب أو حسيب دفعنا للخروج بثورة نسعى من خلالها الحصول على حقوقنا التي أهدرها النظام على مر عقود، فالانتهاكات ضد حقوق الإنسان السوري لها تاريخ كبير لم يبدأ مع تولي الأسد الأب السلطة ولم تنته مع تولي الأسد الابن السلطة.

لعل أول هذه الانتهاكات هو قانون الطوارئ الذي تم فرضه في البلد منذ عام 1963 حتى عام 2011 الذي توقف إثر اندلاع الثورة في كافة البلاد، هذا القانون يخول الحكومة القيام بأعمال وسياسات استثنائية أهمها حظر التجمع لأكثر من 5 أشخاص، ويتم فرضه فقط في حالات الكوارث والنزاع المسلح، طبعًا طبقته السلطة بحجة الصراع مع إسرائيل، لكن من خلاله يمكن انتهاك الحريات والحقوق التي يضمنها الدستور للمواطن.

ما يهمنا هو أن تراكم هذه الانتهاكات وعدم التعامل معها لا من الحكومة ولا من الهيئات المسؤولة عن ذلك، دفعت بالشعب السوري إلى القيام بثورة سعيًا لنيل مطالبه في الحرية والكرامة، ولكن ماذا تلقى في المقابل؟

مزيدًا من الانتهاكات التي فاقت كل توقع، ابتداء بإطلاق الرصاص على المتظاهرين مع بداية الاحتجاجات التي عمت سائر البلاد، واقتحام الجيش الأماكن والأحياء السكنية وعاث فيها الفساد من اقتحام للمنازل واعتقال وتصفية ميدانية للكثيرين، وعندما اضطر الشعب الثائر للحرية أن يحمل السلاح ليحمي نفسه من طغيان الأسد، بدأت أكبر أشكال الانتهاكات، قصف بكل أنواع الأسلحة على المدنيين، قصف مدفعي وحربي وبراميل متفجرة لا تبقي ولا تذر.

لقد مارس النظام كل أشكال الانتهاكات التي اعتبرتها تصنيفات عالمية جرائم ضد الإنسانية من استخدام الكيماوي في الغوطة عام 2013 راح ضحيتها 1429 بينهم نساء وأطفال، ومن ثم مجزرة خان شيخون في ريف حماة، مرورًا بالمجازر الكثيرة التي ارتكبها النظام ضد المدنيين لعل أبرزها مجزرة البيضا في بانياس حيث تمت تصفية 248 شخص بينهم 23 سيدة و14 طفل، ومجزرة الحولة التي دخلت إليها الميليشيات ليلاً لتقتل الكثيرين ذبحًا بالسكاكين، كذلك الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري الذي تمارسه سلطات النظام من أول يوم لانطلاق الثورة وما زال الاعتقال مستمرًا دون أي رقابة أو محاولة دولية لإيقافه، التعذيب في السجون واحد من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان التي شددت عليها الهيئات الدولية واعتبرتها جريمة ضد الإنسانية، لقد مارس النظام أبشع أنواع التعذيب ضد المعتقلين في سجونه ولعل الصور التي سربها الضابط المنشق عن نظام الأسد التي بلغت 55 ألف صورة ل11ألف ضحية أكبر دليل على ما يمارسه النظام في سجونه، ولا ينتهي الانتهاك هنا، الحصار الذي نفذه بالعديد من المناطق السورية بقصد تجويع وارضاخ السوريين الثائرين الذي يعتبر أيضًا جريمة ضد الإنسانية.

هذا أكثر ما يؤلمنا كسوريين في هذا اليوم. خرجنا بثورة لننال حقوقنا، فأصابنا من الانتهاكات ما هو أكبر، تعددت الجهات التي استباحت دمنا ومارست علينا كل أنواع القتل، كان الأسد هو فقط من ينتهك حقوقنا، وشاركه فيما بعد كل من حزب الله وميليشيات إيران وروسيا بكل آلات القتل التي تمتلكها، وللأسف اكتفت الهيئات العاملة على مراقبة حقوق الإنسان بالتوثيق لتلك الانتهاكات دون أي محاولة أخرى.

لم أذكر مجازر الكيماوي والبيضا والحولة عبثًا، هذه المجازر تم توثيقها والتحقيق فيها وكل التقارير الصادرة أثبتت مسؤولية نظام الأسد عنها، ثم ماذا؟ ..لاشيء.

بعد كل هذه السنوات وكل المعاناة التي عشناها والانتهاكات التي تعرضنا لها دون أي محاسبة للجاني، لا أملك إجابة سؤالي ماذا عن حقوق السوريين، لكني على يقين أنه لم يعد الأسد فقط هو من ينتهك حقوقنا.

* كاتبة أكاديمية وباحثة سورية ومدربة في القطاع الإنساني

المصدر: إشراق

التعليقات مغلقة.