الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الثورة في إيران مستمرة والتغيير على الأبواب

تواصل ثورة الشعوب في جغرافية إيران السياسية صعودها بزخم واضح المعالم، ولأكثر من أربعين يوماً خلت، تتحرك هذه الاحتجاجات وتستمر في حالة من اتساع رقعتها واتكائها على الحامل الأساس في كل الثورات وهي فئة الشباب، خاصة الذين جاؤوا للحياة بعد (ثورة الخميني) عام ١٩٧٩، تضاف إليهم وبشكل أساسي كذلك شريحة النساء اللواتي انتفضن على حكم دولة الملالي وضد ولاية الفقيه، حيث نشهد باستمرار مشاركة المرأة  باعتبارها من أهم أدوات التغيير المتعددة من خلال انخراطها اليومي في المظاهرات المستمرة، وكذلك إضرابات العمال في مراكز النفط، وطلاب الجامعات، ومعظم شرائح المجتمع.

لقد أكدت ثورة الشعوب في إيران أن القبول بحكم دولة الطغيان الطاغوتي لدولة الملالي لم يعد بالإمكان القبول بها، وهي التي أنتجت ما انتجت من فساد وإفساد منقطع النظير، أودى بالوضع المعيشي والاقتصادي في محافظات إيران إلى مهاوي لم يكن قد وصل إليها قبل ذلك أي وضع اقتصادي ما في جغرافية إيران، لا أيام حكم الشاه، ولا فترة حكم مصدق، ولا في كل العقود التي مضت، منذ أكثر من أربعين عامًا عندما سرقت وخطفت دولة الفقيه والملالي كل خيرات وموارد إيران، بذريعة تصدير ثورتها الإسلامية المفترضة، وصولاً إلى الاشتغال الدائم لنهب ثروات إيران وإنفاقها على مشاريع إيرانية فارسية طامعة بالوصول إلى إنجاز الحلم الفارسي بإعادة بناء دولة (كسرى أنوشروان) الفارسية الكبرى التي تتغول على المنطقة العربية برمتها. وسط تشظي وتذرر عربي داخل بنيان النظام الرسمي العربي، الذي انشغل هو الآخر بمصالحه الأنوية البراغماتية، دون النظر إلى خطورة التمدد الفارسي الطائفي باتجاه المنطقة العربية. حتى وقعت الفأس بالرأس، كما يقال، ووصلت إيران إلى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

هذه السياسات الإيرانية الطامحة والطامعة بجغرافيا العرب وخيراتهم، والمستندة إلى البعد الطائفي الذي تنتمي إليه وتبني عليه، لشد العصب عند حثالات من الطائفيين في باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان وبعض السوريين واليمنيين، هو ما جعل إيران في حالة انهيار اقتصادي ومعيشي لا شك أنه أحد العوامل المهمة في استمرار هذه الاحتجاجات التي طال انتظارها وسيطول أمد وجودها المتصاعد.

يقول نشطاء شعبنا العربي الأحوازي، هذا الشعب العربي المحتلة أرضه من قبل دولة الملالي الفارسية، وهو المشارك بشكل فعال في كل الانتفاضات التي جرت ضد الاحتلال الإيراني الفارسي، أنه “ورغم القمع الشديد، وقتل المواطنين العزل، والاعتقالات الواسعة، من قبل القوات القمعية للنظام، نجحت الشبكات اللامركزية المنظمة للاحتجاجات، جنباً إلى جنب مع الطلاب والنقابات والداعمين لها داخل وخارج البلاد، وقد واصل المحتجون عملياً حدة انتفاضتهم وعمقها وهي مستمرة بازدياد”، هذه القضية تشير إلى أن انطلاقة الثورة العفوية بدأت اليوم تنظم أمورها، وهي تستمر بشكل فاعل وفعال من خلال قدرتها على التنظيم والتنسيق فيما بينها، منعاً لمحاولات (الحرس الثوري الإيراني) إجهاضها كما جرى سابقاً مع كل الانتفاضات التي سبقتها منذ عقدين من الزمن وحتى الآن.

لكن إعادة انتاج ثورة شعبية عارمة وقادرة على زعزعة أركان دولة الملالي تحتاج إلى الكثير من آليات التخطي والتجاوز والتمكن من إنجاز تغيير نوعي في الأساليب، والتمسك ومنع التذرر من الوصول إلى بنيان الانتفاضة/ الثورة حتى تتمكن من الفعل التغييري الجدي القادر على إحداث عملية تغيير جذري وفاعل، لرسم ملامح مستقبل الحريات الديمقراطية بلا هيمنة من ولاية الفقيه. ويبدو أن ملامح هذه العملية التغييرية بدأت بالتمظهر، وهي أضحت قاب قوسين أو أدنى من التحقق، إذا ما استطاعت تحقيق الآتي:

رص الصفوف وتحقيق تنسيق فاعل وحقيقي بين كل القوى المعارضة والناهضة  لدى كل الشعوب في جغرافية إيران السياسية، العربية والبلوشية والفارسية والكردية واللورية والآذرية والتركمانية، وهي المكونات الأساسية في مجمل جغرافية إيران السياسية. وهي مسألة غاية في الأهمية وضرورية إذا ما أرادت هذه الثورة أن تستمر وتحقق تلك الخلخلة العميقة في جذور الاحتلال الإيراني لهذه الشعوب.

التنسيق مع الخارج وكسب الدعم المعنوي واستثماره، وكذلك المادي بما يخدم وحدة الثورة وقدرتها على الاستمرار، وهذه مسألة حساسة لابد من بذل الجهود من أجلها وعدم الارتماء في أحضان الخارج الذي له أجنداته هو الآخر.

القدرة على جعل الغرب والأميركان خاصة وإن لم يقفوا إلى جانب الثورة فعلى الأقل عدم دعم الحكم في إيران، بعد أن تبدت بعض الملامح غير المبشرة من خلال الإفراج على أموال إيرانية محتجزة (ما يزيد عن 7 مليارات دولار)، مقابل عملية تبادل معتقلين.

التشبيك مع كل مفاصل المجتمع في جغرافية إيران السياسية، ومنع محاولات النظام الإيراني من تحقيق مراده في تشتيت وتفتيت الحراك الجماهيري الكبير، الذي بات يشكل خطرًا فعليًا على النظام الإيراني المتهالك، وهو اليوم أكثر توجسًا من ازدياد أوار ولهيب هذه الثورة التي امتدت في بعض حالاتها إلى الجيش الإيراني.

كل ذلك وسواه من متطلبات الحركة الجدية التي تبتغي الوصول بشعوب إيران إلى تقرير مصيرها، وكنس دولة الملالي إلى مزابل التاريخ، وهي التي تشكل خطرًا فعلياً ليس على شعوب إيران في الداخل فحسب، بل على كل دول المنطقة بما فيها تركيا.

ونعتقد أن هناك حركة دؤوبة ومستمرة بين ظهراني أطراف القوى والأحزاب والهيئات والجبهات في كل شعوب إيران المحتلة أرضهم من دولة الملالي، لإنجاز حالة النصر الحقيقي على الاستبداد الإرهابي لدولة الملالي، وقد لاحت في الأفق ملامح ذلك من خلال الهبَّات الجماهيرية في الجامعات وسواها، وهي بشائر تغيير أنه بات قريباً.

يبقى التأكيد على أن الواقع الراهن والمسؤولية الإقليمية وحفظ الأمن القومي العربي وتحرير الدول العربية من النفوذ الإيراني وحمايتها من تهديداته يشكل أكبر دافع ترتكز إليه القمة العربية في إصدار بيان وموقف قوي جريء لدعم الانتفاضة الإيرانية وحرية الأحواز والشعب العربي الأحوازي.

التعليقات مغلقة.