الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ملف اللاجئين السوريين في لبنان بعهدة “نصّابي السياسة”

فارس خشان *

تحوّل اللاجئون السوريون إلى مشكلة حقيقية للدول التي هربوا إليها، منذ حوّل النظام السوري قمعه للثورة التي استهدفته إلى حرب إبادة.

وقد يكون وضع هؤلاء الذين لجأوا إلى لبنان هو الأكثر قساوة، إذ إنّهم يقاسمون اللبنانيين آخر ما تبقى لهم من “خبز وماء”، بفعل الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعاني منه “بلاد الأرز”.

وتفيد الدراسات الدولية أنّ 91% من اللاجئين السوريين في لبنان أصبحوا تحت خطّ الفقر، فيما ارتفعت نسبة اللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم تحت خطّ هذا الفقر إلى 82%.

في خضم هذا الواقع، قد لا يكون مستغربًا الارتفاع الكبير في نسبة حوادث الصدامات الأهلية بين شرائح من اللبنانيين، من جهة وشرائح من اللاجئين السوريين، من جهة أخرى.

إلّا أنّ ما يلفت الانتباه أنّه، على الرغم من هذه المشاكل الإنسانية المرعبة والخطرة، لا توجد حلول واقعية في الأفق، بل محاولات دعائية فقط، لأنّ النظام السوري، على الرغم من كلّ ما يزعمه الناطقون باسمه أو المؤيّدون له، يرفض إعادة هؤلاء اللاجئين، لأسباب سياسية وطائفية واقتصادية، ويواصل العمل على استغلال مآسيهم المتراكمة لمصلحته.

وقد أفشل النظام السوري، في الأسابيع القليلة الماضية، محاولة قادها حلفاؤه اللبنانيون، على الرغم من رضوخ الحكومة اللبنانية لواحدة من شروطه، إذ كلّفت وفدًا رسميًا بقيادة وزير المهجرين عصام شرف الدين، البحث مع السلطات السورية المختصة في “برمجة” إعادة اللاجئين السوريين الى بلادهم.

وكان يُفترض أن تشهد الأيّام التي تلت عيد الأضحى المبارك لقاءات لبنانية-سورية بهدف وضع آلية تنفيذية، لكنّ هذه اللقاءات لم تحصل، من دون أن يُقدّم أيٌّ من الطرفين تبريرات-ولو غير مقنعة-لذلك.

وسبق أن تولّت روسيا هذا الملف وتعهّدت أن تتولّى هي من موقعها المؤثّر في سوريا تنظيم إعادة اللاجئين الى بلادهم، ولكنّها، بعد التهليل والترحيب والوعود، أوقفت مبادرتها، ونسيت الموضوع نهائيًا.

وقد بدا واضحًا للعاملين في موضوع إعادة اللاجئين السوريين الى بلادهم أنّ النظام السوري يعطّل كلّ المبادرات، وهو إن جرى حشره يلجأ، فورًا إلى سلاح الترهيب، من خلال إقدامه على اضطهاد بعض العائدين، حتى يكونوا عبرة لكل من يُفكّر بالاقتداء بهم.

والنظام السوري، في سلوكه هذا، ليس وحيدًا على الإطلاق، إذ يجد في الدول التي تزعم العمل على إعادة اللاجئين الى بلادهم ما يكفي من مساعدين للإطاحة بالهدف.

وفي لبنان، يسجّل المؤيّدون للنظام السوري وجود مليون ونصف مليون لاجئ سوري، في حين أنّ مفوّضة شؤون اللاجئين لم تسجّل سوى 880 ألف لاجئ لا غير.

وتؤكّد التقارير الموثوق بها أنّ نصف هؤلاء ال880 ألف سقطت عنهم صفة اللاجئ، لأنّهم يزورون سوريا، كلّما رغبوا بذلك.

وهذا يعني أنّ الحكومة اللبنانية، بطرفها الموالي للنظام السوري، لو كانت صادقة في مساعيها الرامية الى إيجاد حلول لمعضلة اللاجئين السياسيين، لحصرت عددهم بهؤلاء الذين يعجزون، فعلًا، عن زيارة سوريا.

وفي هذه الحال، يصبح عدد اللاجئين السوريين الفعليين في لبنان أقل من نصف مليون شخص، وتاليًا تُصبح المساعدات الدولية المقدّمة إليهم وإلى الدولة المضيفة، قادرة، بالميزانية المتوافرة، على احتواء الكثير من مشاكلهم ومشاكل أهالي البلدات التي تؤويهم.

إلّا أنّ خطّة النظام السوري الذي تشاركه في تنفيذها أطراف لبنانية رسمية، تقوم على نسف الحلول المرحلية، بإغراق اللاجئين بمن لا تنطبق عليهم هذه الصفة، من أجل خلق مشاكل للدولة وللمجتمع المضيفين.

وللنظام السوري أهداف واضحة من ذلك، فهو، في وقت لا يريد فيه أن يعود هؤلاء الذين لا يوالونه ولاء مطلقًا الى بلادهم، بعدما أعاد رسم الخريطة الطائفية لمصلحته، يعمل على تحويل ملف اللاجئين الى قضية متفجّرة من أجل تعويم نفسه إقليميًا ودوليًا، من دون أن يقدّم أيّ تنازلات جوهرية، كما هو مطلوب منه، بموجب القرارات الدولية ذات الصلة.

ومن يُدقّق بأدبيات الموالين للنظام السوري في لبنان، يدرك ذلك، فهؤلاء، بمن فيهم الوزير المكلّف التواصل مع المسؤولين السوريين لبرمجة إعادة اللاجئين عصام شرف الدين، يعتبرون أنّ حلّ هذه المشكلة يبدأ بأن يقدّم المجتمع الدولي المساعدات المالية والعينية، إلى اللاجئين الذين يعودون الى سوريا، أي الى النظام السوري نفسه.

وهذا يعني أنّ على المجتمع الدولي عمومًا والدول المانحة خصوصًا التعامل ماليًا واقتصاديًا مع النظام السوري، من دون أن يضطر هذا النظام الى تطبيق الموجبات الملقاة على عاتقه، بموجب القرارات الدولية التي تحتّم إجراء تغييرات دستورية وأمنية وعسكرية في سوريا.

وهذا الهدف السوري المدعوم روسيًا وإيرانيًا، مرفوض دوليًا، حتى إشعار آخر.

ووحدهم هؤلاء الذين تنطبق عليهم صفة “نصّابي السياسة” يزعمون غير ذلك!

لقد كادت روسيا، قبل أسبوعين، أن تعطّل في مجلس الأمن الدولي عبور المساعدات الى السوريين المقيمين في المناطق غير الخاضعة للنظام، عندما حاولت أن تفرض عبورها، من خلال نقاط حدودية يسيطر عليها النظام السوري.

المحاولة الروسية في مجلس الأمن سقطت جزئيًا، بحيث وافقت موسكو، بعد تسوية صعبة، على تمديد قرار إدخال المساعدات الأممية الى أكثر من أربعة ملايين سوري معرّضين للموت جوعًا، لمدة ستة أشهر فقط بدلًا من سنة كاملة، عبر معبر باب الهوى الذي يمكن من خلاله نقل هذه المساعدات من دون المرور بالمناطق التي يسيطر عليها النظام السوري.

لقد أظهرت المبادرات المتكرّرة التي تزعم العمل على إيجاد حلول لموضوع اللاجئين السوريين أنّ النظام السوري والمؤيّدين له يستغلون هذه المسألة الإنسانية المأساوية، من أجل تحقيق أهداف سياسية.

الأسرار التي كشفتها المبادرة الروسية بيّنت ذلك، إذ إنّ موسكو تنقّلت، في حينه، من عاصمة الى أخرى، من أجل الترويج للنظام السوري ووجوب تعويمه، سياسيًا وماليًا، حتى لو لم يُقدم على إجراء الإصلاحات الدستورية، لكنّها فشلت في ذلك، إذ إنّ عواصم القرار، كانت تدعوها، لو كانت جادة في إيجاد حل لمعضلة اللاجئين السوريين، إلى ممارسة النفوذ الكبير الذي تملكه في سوريا، من أجل دفع النظام الى احترام الموجبات الملقاة على عاتقه، بموجب القرارات الدولية.

والأسرار التي يكشفها التواصل اللبناني مع الجهات الدولية المانحة، لا تقل أهمية عن تلك التي كشفتها المبادرة الروسية، إذ إنّ المجتمع الدولي يدعو لبنان الى العمل على حلّ المشاكل التي يضخّمها مسؤولوه، بعدم أخذهم زمام الأمور بالجدّية اللازمة، بدل تحويل أنفسهم إلى أداة ترويج لنظام غارق في الجرائم ضد الإنسانية، حتى أذنيه!

إنّ اللبنانيين كما اللاجئين السوريين، بغض النظر عن نظرة بعضهم الى البعض الآخر، وعن أحقية هذا على ذاك في ما تبقى في لبنان من “خبز وماء وعمل”، هم ضحايا لآلة مجرمة واحدة حوّلتهم الى وقود لمحرّكاتها القاتلة.

* كاتب وصحفي لبناني

المصدر: النهار العربي

التعليقات مغلقة.