أحمد طه
لعل مفهوم الحرية هو من أكثر المفاهيم جدلاً عبر التاريخ، فمنذ سقراط (470- 399 ق.م) الذي فضل الموت على التنازل عن حريته وأفكاره في محاكمته الشهيرة التي قال فيها: ” ليس على الارض إنسان له الحق في أن يُملي على الآخر ما يجب أن يؤمن به أو يحرمه من حق التفكير “، إلى صاحب طبائع الاستبداد الثائر عبد الرحمن الكواكبي (1855- 1902م) الذي رأى في الاستبداد الداء الرئيسي لتخلف الأمة، فقضى حياته مكافحاً ضده منادياً بالحرية للتخلص منه.
ربطها بعض الفلاسفة بالأخلاق فهي شرط وجود الاخلاق عند (عمانوئيل كانط 1724- 1804) بقوله: ” إذ لا يمكن تأدية فعل أخلاقي من دون حرية الاختيار، سواءٌ كان ذلك الفعل الاختياري أخلاقياً أو غير أخلاقي خيراً أم شراً “.
في الذكرى السنوية الثانية لانطلاق موقع «الحرية أولاً»، الذي تأسس ليكون لبنة من لبنات المشروع النهضوي، وذلك بتوثيق جانب من جوانب نضالات شعب سورية في معركته لنيل حريته أولاً، إضافة لأهم المقالات التي تهتم بالشأن السوري وما يرتبط بالثورة السورية من تحديات ومعوقات سواء في الصحافة العربية أو العالمية.
مازالت ثورة الحرية والكرامة في دول الربيع العربي بشكل عام وفي سورية بشكل خاص، تحاول أن تجد لها مكاناً تحت الشمس، وكأنها امتداد للإرادة البشرية في التحرر من الاستبداد والاستعباد منذ فجر التاريخ، رغم أن قوى الثورة المضادة احتلت المشهد السياسي في كل من تونس ومصر والسودان وحاولت وتحاول إعادة العجلة إلى الوراء، فرغم طبقة “السياسيين” المنتفعين وأمراء الحرب الذين جمعوا أموالاً بأرقامٍ فلكية بعد أن كان معظمهم على حافة الفقر أو بجوارها، أقول رغم كل ذلك مازالت هناك فئة قابضة على الجمر، لم ولن تنس دماء الشهداء التي سالت على مذبح الحرية ولا آلام المعتقلين والمهجرين الذين تركوا أرضهم و ذكرياتهم مكّرهين.
ومازالت الثورة بحاجة إلى لم شمل أبناءها لينسّقوا مواقفهم بشكل أكثر تأثيراً وفعالية، ليس المطلوب أن نكون نسخة واحدة مكررة، ولكن من المهم أن يكون للثورة كياناً يمثلها، يؤسسُ من الداخل وليس بإملاءات وتعليمات من الخارج، يؤسَّس ليمثل مصالح ثورة الحرية وليس لتمثيل مصالح قوى ودول إقليمية.
إن قوى الثورة المضادة والمنتفعين يتحالفون لخدمة مصالحهم ولا تهمهم ثورة الحرية بل على العكس تماماً، تناسبهم حالة الفوضى واللاحل، لذلك لا بديل لأبناء الثورة عن التنسيق مع بعضهم ليس تنسيقاً عاطفياً وإنما تنسيق ينبع من مصلحة أن الخلاص من الاستبداد على ضفتي الوطن هو الوحيد الكفيل بإعادة الحقوق إلى أصحابها وبدون ذلك ستبقى قوى الثورة المضادة في هذا الطرف وقوى النظام في الطرف الآخر هي المستفيد الوحيد.
التعليقات مغلقة.