الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الصين: احتدام الصراع بين “عشيرة شانغهاي” و”تيار بكين”!

بسام خالد الطيّارة *     

لا تجري الرياح كما يشتهي الرئيس الصيني شي جين بينغ قبيل المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني (CCP) في الخريف المقبل الذي يجب أن يمنحه عهداً جديداً.

بين الإجراءات الفوضوية لمسؤولي شانغهاي لتطبيق تعليمات الحجر في مواجهة كورونا العائدة وبين عودة حلقة جيانغ زيمين “المنافسة” التاريخية التي تندد بهذا الحجر لما يتسبب به من ركوع لأكبر مركز اقتصادي في الصين، وبدأ يتخذ بعدا سياسياً، يتفاقم الصراع داخل المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني في سياقه التاريخي بين بكين وشانغهاي.

أمنية شي جين بينغ و”تيار بكين”، أن تنتهي الحرب في أوكرانيا قبل انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي المقرر عقده في النصف الثاني من 2022، مما سيترك يديه حرتين في إتخاذ أي إجراءات خارجية مثل دعم روسيا، والأهم أن يحصل تشدد أكبر في مقاربة الصين للمسألة التايوانية.

في المقابل، يُعتبر “فريق شانغهاي” (تيار زيمين) أكثر واقعية وبراغماتية في ما يتعلق بهاتين القضيتين الأساسيتين للحفاظ على “العلاقات الجيدة مع الغرب”: لا بد من الابتعاد عن المستنقع الأوكراني الذي أغرق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه فيه، وانتظار الفرصة السانحة لاستعادة تايوان.

لذلك، أدى الحجر على شانغهاي من جهة وسياسة بكين الصارمة للغاية في مسألة محاربة الكورونا من ضمن استراتيجية “صفر كوفيد” من جهة ثانية، إلى وضع تياري بكين وزيمين في مواجهة بعضهما البعض.

يضاف إلى ذلك تراجع النمو الاقتصادي الصيني مع احتمالية خطر العقوبات الغربية في حال انكشاف دعم الصين السري لروسيا على النحو المنصوص عنه في اتفاقهما الأخير (4 شباط/ فبراير) قبل أيام قليلة من بدء غزو أوكرانيا (24 شباط/ فبراير).

هذه العوامل الظرفية ساهمت بإيقاظ “عشيرة شنغهاي”، أقوى التيارات التي بنيت في الماضي حول الزعيم التاريخي السابق جيانغ زيمين، والتي يقودها حالياً زينغ كينغ هونغ (Zeng Qinghong)، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي في الحزب الشيوعي الصيني.

وقد تسببت هذه النزاعات الصامتة في تراخي الرقابة (أو عدم حسن الرقابة بأحسن تقدير) في التعامل مع الأخبار غير المؤاتية للسلطات الصينية. هناك عدة أمثلة تؤكد هذه الظاهرة: تظهر المقالات المنتقدة في المواقع الإخبارية قبل حذفها بسرعة. لكننا نعلم الآن أن مستخدمي الإنترنت ينسخون هذه الانتقادات “بسرعة” من خلال لقطات الشاشة (سكرين شوت) ويوزعونها في دوائر مغلقة ونظرًا لكونها لقطات ثابتة يصعب على الذكاء الاصطناعي استيعابها وبالتالي حذفها أوتوماتيكياً.

لكن هذا التراخي يعود إلى النزاعات الصامتة داخل جهاز الدولة وخاصة على مستوى القيادات العليا للحزب الشيوعي الصيني. أفضل مثال على ذلك هو تسرب الوثائق الرسمية حول معسكرات اعتقال الأويغور، وهي علامة على وجود تصدعات في آليات الحزب الشيوعي الصيني الداخلية.

وهذه التصدعات يجري التعبير عنها من خلال مصطلحي «جماعة شانغهاي» و”تيار بكين” (شي جين بينغ)، وتدل على التضارب بين رؤيتين لمستقبل الصين يحملهما تياران وازنان إلى حد ما داخل الحزب الشيوعي الصيني.

في أعقاب فرض الحجر القاسي للغاية في شانغهاي التي تمثل الرئة الاقتصادية والصناعية الحقيقية للصين، والتي تعد أيضاً مدينة منفتحة تاريخياً على العالم، بدأت الاحتجاجات تتصاعد ضد قسوة هذا الحجر والسياسة الصحية التي تحظر التنقل خارج المنازل. وبثت الشبكات الاجتماعية الاحتجاجات على شرفات المباني وفيديوهات تظهر نقل المصابين إلى مراكز صحية بعيدة عن أقاربهم في انتقادات مباشرة لقرارات العاصمة بكين.

وتهافتت الانتقادات عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهي تتحدث عن الخسائر الاقتصادية التي تصيب شانغهاي للحد من قوة تأثيرها على الاقتصاد الصيني بشكل عام، ليس بشكل عفوي وإنما ضمن توجه مقصود من قبل العاصمة.

ويكتب المراسل السياسي في Epoch Times أن أولئك الذين لديهم القدرة على التسبب بنوع من التمرد في شانغهاي هم بطبيعة الحال تيار جيانغ زيمين، وهذا الفريق تُمثل شانغهاي قاعدته الأساسية. كما أن ولديه جيانغ ميانهينغ وجيانغ ميانكانغ (Jiang Mianheng et Jiang Miankang)، إلى جانب العديد من المسؤولين في شنغهاي يشكلون مجموعة مصالح قادرة على التسبب بمشاكل جمة للسلطة المركزية.

من الواضح أن شي جين بينغ يرغب في إضعاف “عشيرة شانغهاي” من خلال سياسة “صفر كوفيد”، وبالمقابل، فإن المسؤولين الذين عملوا مع تيار جيانغ زيمين استغلوا هذه التململ من هذه السياسة القاسية لإثارة المشاكل وتشويه سمعة قيادة بكين، وصولاً إلى إثارة الغضب العام والتأثير على المؤتمر القادم للحزب الشيوعي الصيني حتى يصل شي جين بينغ إليه ضعيفاً، فتكون النتيجة البحث عن حل وسط بعنوان “تجنب العقوبات الغربية” وبالتالي عدم دعم فلاديمير بوتين «أكثر من اللازم»، أي السماح بإضعافه، ولكن ليس بهزيمته. وبهذه البراغماتية بنى جيانغ زيمين شهرته وقوته.

يوماً بعد يوم يقترب موعد المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي الصيني وتكبر الهوة بين التيارين، على إيقاع مناخ دولي متوتر، فضلاً عن مناخ يشي بالتحشيد الإقليمي ضد الصين بدليل الجولة الأسيوية التي يقوم بها الرئيس الأميركي جو بايدن وتشمل كوريا الجنوبية ودول التحالف الرباعي- الكواد (الهند واليابان واستراليا).

* كاتب لبناني وأستاذ جامعي مقيم في باريس

المصدر: 180 بوست

التعليقات مغلقة.