الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ماذا بعد؟

معقل زهور عدي

تحتاج أوكرانيا لمعجزة لتتمكن من الصمود طويلاً في وجه آلة عسكرية جبارة كالآلة العسكرية الروسية, لكن ما أظهره الشعب الأوكراني من مقاومة حتى الآن يكفي لتقدير المصاعب الكبيرة التي تنتظر روسيا في تحويل الحملة العسكرية إلى وقائع سياسية مستقرة.

هكذا ستتحول الخسائر الكبيرة التي ألحقها الأوكرانيون بالجيش الروسي, والخسائر الكبيرة أيضاً التي ألحقها الجيش الروسي بالبنية التحتية لأوكرانيا وبالضحايا من المدنيين والعسكريين وتحويل مئات الآلاف من الأوكرانيين إلى لاجئين مشردين بعيداً عن ديارهم, كل ذلك سيتحول إلى وقود لحرب طويلة الأمد لن تخمد نارها قبل خروج آخر جندي روسي من أوكرانيا والانتهاء من كل آثار ونتائج الاحتلال.

كيف سينظر الأوكرانيون بعد اليوم إلى حكومة يقوم بتنصيبها الكرملين فوق آلاف الجثث والدمار وتحت المدافع الروسية سوى أنها حكومة احتلال كما كانت حكومة فيشي في فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية والتي نظر إليها الفرنسيون كدمية بيد ألمانيا النازية؟ وكيف ستستطيع روسيا المعزولة عالمياً والتي سيتعرض اقتصادها إلى عقوبات قاسية من تحمل أعباء الاحتلال والوقوف بوجه شعب بتعداد يقارب 44 مليون نسمة تقترب مساحة بلاده من مساحة فرنسا ويقع في قلب أوربا ويتصل مع بولندا ورومانيا الأعضاء في حلف الناتو؟

لقد أيقظت الحملة العسكرية الروسية الغرب خاصة الشعوب الأوربية من حلمهم أن الحرب العالمية الثانية هي آخر الحروب, واستفزت في ذاكرتهم كل المخاوف والآلام التي عاشتها أوربا والعالم بسبب تلك الحرب. شعر الناس هناك وكأن ساعة الزمن عادت بهم فجأة ثمانين عاماً إلى الوراء, وأن أوربا مهددة اليوم بحرب عالمية قد لا تُخلف وراءها سوى المقابر والرماد. من الطبيعي أن تتحول تلك الصدمة والمخاوف التي أطلقتها الحملة العسكرية الروسية إلى مشاعر قوية تدفع نحو محاصرة مصدر النيران قبل أن تتسع إلى حريق. وليس ثمة عاقل يمكن أن يناقش فيما إذا كان لروسيا الحق في اجتياح أوكرانيا وتدمير جميع مقدراتها العسكرية ” تجريدها من السلاح حسب الإعلان الصريح لبوتين ” لمجرد كونها جارة لروسيا الامبراطورية !

ليس هناك شك في أن بوتين كان يراهن على حملة عسكرية خاطفة تدفع الجيش الأوكراني للاستسلام سريعاً بطريقة مشابهة لحرب الولايات المتحدة على العراق عام 2003, فإذا كان يحق للولايات المتحدة غزو بلد يبعد عنها آلاف الكيلومترات لأسباب اتضح أنها كاذبة تماماً وتدمير الجيش العراقي وتنصيب حكومة تتفق مع مصالح الولايات المتحدة فلماذا لا يحق لروسيا غزو جارتها التي تمردت على تاريخ طويل من الهيمنة الروسية وتوجهت للغرب مهددة بإحضار الناتو إلى حديقة القلعة الروسية؟

مشكلة تفكير كهذا أنه تجاهل حقيقتين, الحقيقة الأولى أن مشروع احتلال العراق أثبت فشله بعد الخسائر التي منيت بها الولايات المتحدة في العراق والتي لم تكن تتوقعها, وأيضاً بعد سحب إيران من أمريكا مفاصل السلطة في العراق . والثانية أن القوة الروسية لا تماثل قوة الولايات المتحدة العسكرية والاقتصادية والمالية المتحالفة مع أوربا .

والأهم مما سبق أنه أخطأ في تقدير رد فعل الشعب الأوكراني واستعداده للخضوع للقوة الروسية .

وأخيراً أنه لم يدرك كم تغير العالم بعد الحرب العالمية الثانية, وأن محاولة إعادته إلى أجواء تلك الحرب انطلاقاً من أوربا ستقاوم برد فعل قوي وشامل . لقد أخطأ بوتين الحساب هذه المرة, ولا شك أن الثمن سيكون فادحاً على روسيا وأوكرانيا والعالم .

التعليقات مغلقة.