الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

دروز سورية

 

 

(إياد العبدالله& عبد الله أمين الحلاق) *

 

لا تسعى هذه الدراسة لقول كل شيء عن الدروز، وهي لا تدّعي ذلك. إن ما نطمح إليه هو المساهمة في ذلك السجال العام الذي أخذت تتسع مساحته بين سوريين كُثُر، ولدى مهتمين ومتابعين لشؤونهم وأحوال بلادهم إثرَ اندلاع الثورة فيها في آذار 2011. وهو سجالٌ أخذَ، في جانبٍ بارزٍ منه، يحتفي بالجماعات ويتساءل عنها وحولها، ويحاول أن يفهمها ويفهم اصطفافاتها، لا سيما بعد أن تصدّر الإسلاميون ساحات القتال ضد النظام.

تناولُ «الجماعات» في مجتمعٍ كالمجتمع السوري يشبه السير في حقل الألغام، إذ لا بد أن يصطدم الباحث بالأسوار والأسرار التي سُيّجَت بها مجتمعاتنا طوال عقود، من خلال سياسات الإنكار والتعمية التي لحقت بها، لا سيما في الحقبة الأسدية.

الكتابة في الشأن السوري والجماعات كتابة مفخخة، تماماً مثل المجتمع السوري، وفي حالات النزاع السياسي والاجتماعي، تزداد الأعباء والحساسية تجاه هذه الكتابات عموماً.

أولاً – في البدايات: الدروز… في جبل حوران

يتوزع الدروز ما بين سورية ولبنان وفلسطين والأردن. وينتشرون في سورية في العديد من المناطق، إلا أن جبل حوران يُعتبر التجمع الأهم لهم، إذ يشكلون أغلبية سكانه وفيه أهمّ مدنهم وقراهم، كالسويداء وشهبا وصلخد وغير ذلك. وللدروز تواجدٌ أيضاً في محافظة القنيطرة، وجزءٌ منهم في الجولان المحتلّ، وكذلك في ريف دمشق لا سيما مدينتي جرمانا وصحنايا، وكذلك في ريف إدلب حيث يتوزعون على قرابة 18 قرية في ما يسمى بـ «جبل السمّاق».

تتعدد الروايات التي تتكلم عن أصل الدروز وعن بدايات تواجدهم في المنطقة عموماً، أو في سورية؛ ولكن من المرجّح أن التواجد الدرزي في جبل حوران هو تواجد حديث، يعود بحسب أقصى التقديرات إلى نهايات القرن السابع عشر، عام 1685 م، حيث هاجر إليه من لبنان ما يقارب 200 شخص من الدروز مع عائلاتهم. ثم تبعت ذلك موجةٌ أخرى أكبر حجماً في 1711 م، وذلك على خلفية الصراع بين اليمانيين «وهم الدروز على ما يبدو»، والقيسيين «الأمراء الشهابيون» الذين كانت لهم الغلبة1. وكانت المواجهات بين الموارنة والدروز 1840-1860م سبباً أيضاً في هجرة كبيرة للدروز نحو جبل العرب2.

غالباً ما كان الانتماء العائلي والعشائري هو الحاسم في قيام تجمعات سكنية «قرى وبلدات» توزَّع عليها الوافدون. وكانت العشيرة الأقوى هي التي تتولى الزعامة من دون أن يعني ذلك عدم وجود عشائر أخرى منافسة لها، أو أنها كانت تفرض سيطرتها على جميع العشائر3. وكان من أهم المحددات التي تتيح تصدّر إحدى العوائل لمرتبة الزعامة في الجبل عاملان: «حجم ملكية الاستثمار، وحجم الدور العسكري الذي يمكن أن تقوم به العشيرة في حماية الطائفة والدفاع عنها وقيادتها»4. وربما كان لهذا العامل الأخير الدور الحاسم في الزعامة، ذلك أن المتتبع لتاريخ الدروز في جبل حوران، سيلفت نظره العدد الكبير من الحروب والمعارك التي خاضوها، والتي تعود أسبابها عموماً إلى عاملين:

الأول: لم تكن جميع أراضي الجبل التي نزل فيها الدروز الوافدون بلا أصحاب، بل كان هناك بعض المسيحيين5، وعشائر بدوية6، كما كان بعضها مملوكاً أو مسكوناً من قبل الحوارنة7.

الثاني: هو النزوع الاستقلالي الذي تميز به دروز جبل حوران، وعدم رضوخهم بسهولة لأي سلطة خارجية، ما أدخلهم بحروب وانتفاضات ضد العثمانيين وابراهيم بن محمد علي باشا، ثم الفرنسيين8. وربما ساعد الاكتفاء الاقتصادي التي تميز به الجبل آنذاك في تعزيز هذا النزوع9.

إن كثرة هذه الحروب، واستبسال الدروز فيها وخروجهم منتصرين من معظمها، أصاب خصومهم بالذهول وأجبرهم على الاعتراف بهم كمحاربين وشجعان. وفي وصفهم يقول الجنرال الفرنسي أندريا: «والدرزي فارسٌ ثابت، ومحارب بالفطرة (…) شجاعة الدرزي خارقة، مذهلة. وإيمانه بالتقمص والعودة إلى الحياة مرة ثانية بعد الموت بوضع أفضل إذا مات دفاعاً عن الوطن، يجعلانه يحتقر الموت»10. لكن يبقى من المهم الإشارة إلى أن فكرة الحرب ذاتها ارتفعت لتغدو أصلاً من أصول اجتماع الدروز في ذلك الوقت، فليس هناك ما يهدد وجودنا سوى أعداء محيطون بنا (البدو، الحوارنة، العثمانيون، الفرنسيون)، ينتظرون الفرصة السانحة لإخضاعنا أو القضاء علينا؛ هذا لسان حالهم آنذاك. لذلك، فالحرب ينبغي أن تبقى حاضرة حتى في المجالس الخاصة والمضافات وفي الأعراس، إنها ملحمة الوجود الحقيقية11.

في جوابٍ طريفٍ على سؤال طرحه الرحالة حنا أبو راشد حول الدروز، يقول متعب الأطرش: «نحن نعتبر ثلاثة مثلثات، ثلث نحافظ عليه، وثلث نجبر على فعله، وثلث نختار القيام به. فالثلث الذي نحافظ عليه: أولاً: حفظ العرض، وثانياً: حفظ القومية12، وثالثاً: حفظ العادات. والثلث الذي نجبر على فعله: أولاً: الدفاع عن هتك العرض، وثانياً: الحرب على من يخرق حدود استقلالنا، وثالثاً: ذبح من يمسّ كرامتنا، ومعتقداتنا. والثلث الذي نختاره: أولاً: صيانة الضيف وخدمته، وثانياً: الطاعة العمياء لأولياء أمورنا، وثالثاً: إقامة الأفراح والولائم في أفراحنا وأتراحنا، وحروبنا، ومواساة من يلتجئ إلينا…»13.

لا يعني ما تقدم أننا حيال مجتمع منسجم، بل إننا نستطيع أن نقف على العديد من الانقسامات التي تنبع من اعتبارات عديدة، منها ما يعود إلى المنافسة بين العشائر الكبرى، لا سيما على السيادة والمكانة، كتلك التي حصلت بين آل حمدان «والتي تعتبر العائلة المؤسسة لوجود الدروز في الجب» من جهة، وآل الأطرش «الذين استطاعوا أن يحلوا مكان آل حمدان بعد معارك بين الطرفين» من جهة ثانية. ثم لاحقاً المنافسة بين آل الأطرش وآل عامر وغيرهم. بل كان ثمة انقسام ضمن العشيرة الواحدة، حصل هذا مع آل الأطرش وآل عامر والعديد غيرهم، وكانت هذه الانقسامات غالباً ما تدفع البعض نحو الالتصاق بجهة خارجية تشدّ أزرها وتدعمها.

وثمة انقسام من نوع آخر أيضاً، انقسام عمودي طبقي قوامه وجود طبقة من مُلّاك الأراضي وطبقة من الفلاحين العاملين لديهم. لكنه يتميز بأن كلاً من المالكين والفلاحين هم من الدروز، ولم يخضع الفلاحون في جبل حوران لإقطاعيين من خارج «الطائفة» كما كان الحال عند العلويين14. لم يُبعِد هذا عن الفلاحين الدروز مظالم الملّاك15، وهو ما دفعهم للاعتراض والانتفاض على واقع حالهم، كما حدث في «الثورة العامية 1890»، حيث انكسر آل الأطرش أمام ثورة الفلاحين الذين دُعِموا من قبل خصوم آل الأطرش، ما دفع هؤلاء الأخيرين للاستعانة بالعثماني الذي نجح بإخضاع الثوار، لكن مع تنازل آل الأطرش عن بعض امتيازاتهم في ما يخص ملكية الأرض والريع16.

وفي «عالم الرجال»، ثمة تقسيم اجتماعي تقليدي أيضاً، ويذكر الرحالة حنا أبو راشد أن أصوله تعود إلى ظروف دينية واجتماعية تمتد إلى حمزة بن علي، أحد أهم مؤسسي المذهب الدرزي والذي «أقفل باب الدعوة بوجه كل طالب»، لينتُجَ عن ذلك تصورٌ يقسم الوجود إلى قسمين: الأول «روحاني»، أي من «بيده أسرار الملة» وأعضاؤه ثلاثة: «رؤساء، عقلاء، أجاويد». والثاني: «جثماني»، أي «لا يبحث في الروحيات، بل يبحث في الدنيويات»، وأعضاؤه: «أمراء، وجهال». وزعماء هؤلاء الأخيرين هم من «بيدهم قبضة السيف، والزعامة الوطنية»17. النساء الدرزيات يخضعن بدورهن لمراتبية تقليدية توازي تلك السابقة، وهن يقسمن إلى: عاقلات «يشتركن بالرأي، مع المشائخ الروحيين، ومعظمهن من نساء الزعماء». وجويدات: «اللواتي يربين أولادهن على تعليم الدين فقط». والراقيات: «وهن الأديبات والفاضلات». ويذكر أبو راشد أنه يوجد خمسة منهن، على أيامه، في الجبل. والجاهلات: «لهن الفضل الأول خلال الحرب في مساعدة رجالهن، بجلب الماء وتدبير الغذاء وتنظيم الشؤون و…»18.

بالنسبة للزواج، السمةُ العامة هي منع الزواج من غيرهم، رجالاً ونساءً، وهو أمر أحاله كمال جنبلاط إلى «العرف» لا إلى الدين، بل إنه، ولهذا السبب، رأى أنهم «عرق» لم يستطع التاريخ أن ينال منهم19. كما لا يحق الزواج إلا من امرأة واحدة، وفي حال الطلاق لا يمكن للمطلقَين أن يعودا إلى بعضهما تحت أي ظرف20.

ثانياً – الاقتراب من سورية:

المحاولات الأولى لتخطي حدود الجبل:

ربما كان بالإمكان التركيز على ثلاث محطات، يعتبرها البحثُ رئيسيةً، على طريق كسر بعض الحواجز التي كانت تقف بين الجبل ومحيطه، وهي: الثورة العربية ضد الأتراك 1916، والاحتلال الفرنسي ودعمه استقلال الدروز بدولة، وثورة الدروز على الفرنسيين بقيادة سلطان باشا الأطرش.

كان الجبل يعيش في عزلة عن محيطه إلى حدٍّ ما، وربما هذا ما تعكسه كثرة المعارك التي خاضها أبناؤه مع جيرانهم (الحوارنة والبدو)، كما أن نزعة هؤلاء الأبناء نحو الاستقلال وعدم الرضوخ لسلطة خارجية جعلتهم مستهدفين أيضاً من قبل جيوش العثمانيين وابراهيم بن محمد علي باشا. ومن ناحية أخرى لم يحصل دروز جبل حوران على سند دولي يمدهم بأسباب القوة كما حصل مع دروز لبنان إثر تداعيات المسألة الشرقية.

ثمة بعض الروايات عن بعض الاتصالات مع الإنكليز أو ما شابه، لكنها بقيت هامشية واقتصرت على بعض الشخصيات، على الرغم من تصريح سلطان الأطرش ذاته، أثناء جوابه على سليم الأطرش الذي كان ميالاً للعثمانيين أثناء الثورة العربية عليهم، والذي يذهب فيه إلى أن: «… سيدة البحار بريطانيا العظمى، صديقتنا القديمة وحامية ذمار طائفة الدروز»21.

العلاقة مع دمشق لم تكن مستقرة أيضاً، إذ أن تجاراً ومرابين دمشقيين كانوا قد نجحوا في مدّ نفوذهم على سهل حوران وزراعته، لكنهم فشلوا في اختراق الجبل، بل ووقف هذا الأخير حاجزاً «بوجه الامتداد التجاري الزراعي لدمشق». وهذا ما دفع بعض «تجار وسياسيي دمشق»، على ما يروي فؤاد الأطرش، إلى تحريض البدو على الدروز ومدّهم بما يحتاجونه من مال وغير ذلك22. ويروي الرحالة حنا أبو راشد حادثة كان لها وقعها عند الدروز تجاه دمشق، ومفادها أنه حين سيقَ زعماء الدروز إلى دمشق في أواخر 1910، وكان من بينهم ذوقان الأطرش والد سلطان، إثر غدر قائد الجيش العثماني بهم، «وفي أثناء مرورهم في شوارع دمشق، أهانهم بعض الرعاع وصفعوهم وضربوهم»23. ويبدو أن هذا كان له أثر سيدفع بهم فيما بعد إلى طلب الانفصال عن دمشق. وربما ما حدث مع زعماء الدروز هؤلاء كان حال معظم الدروز خارج الجبل. ويذكر محمد كرد علي في «خطط الشام» ذلك في عدة مواضع، يقول: «وكان الشعب في معظم الأرجاء يستخفّ بعامة الدروز إذا اختلفوا إلى الحواضر، وإذا ذكروا يذكرونهم كما ينظرون إلى النصيرية بالسخرية والمهانة (…) وكان لبعض المشايخ المتعصبين في الحواضر يد في إلقاء هذه الكراهة وهذه النفرة بين هاتين الشيعتين وبين الأكثرية التي انشقوا منها من أهل السنة، ولعل الحكومة كانت تتعمد ذلك ولا يسوؤها فتغضي عما كان النصيرية والدروز يُسامونه من الذل»24.

كان الإسلام أحد الجسور التي حاولت بعض النخب الدينية والثقافية الدرزية عبورها نحو المحيط، لا سيما أن الدولة العثمانية لم تكن تعتبرهم من المسلمين25، وهو أمر يترتب عليه الكثير في محيط يشكل الإسلام أحد أهم ركائز هويته. يتكلم حنا أبو راشد عن بعض هذه المحاولات من قبل «مفكري الدروز الذين هم بعرف العقلاء: جُهّال»، وبعض علمائهم «الأعلام» الذين كانوا يفكرون بالإصلاح الديني والمذهبي، كما فعل «لوثر» بالمسيحية. وأكدوا بأنهم «لا يعتبرون أنفسهم إلا فرقة من فرق الإسلام، التي ولدوا فيها، ولم يعرفوا غيرها. والقرآن بنظرهم هو أساس دينهم». وفي استشهادٍ لأبو راشد، يبدو أن ثمة اعتقاد بأن جميع المذاهب الإسلامية هي مذاهب باطنية، وأنه يكفي التخلي عن مسمى «درزي» لصالح مسمى «باطني»، «فتكون بعرف الإسلام، فرقة باطنية، كالسنة والشيعة، وما شابههما». وفي تسلسل لعبد الله النجار صاحب المرجع المهم «بنو معروف في جبل حوران، 1924»، والذي يعرّفه أبو راشد بـ «الأديب» و«مدير معارف جبل الدروز»، يذهب النجار إلى أن الدروز «وليدوا الباطنية، والباطنية وليدة الصوفية، والصوفية وليدة الشيعية، والشيعية وليدة الإسلام»26. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، سعى وجهاء الجبل مع سليم الأطرش، والمعيّن كزعيم للجبل في 1914، إلى عدم الاشتراك بها وإعفاء جميع أبناء الجبل «على اختلاف مذاهبهم» من الخدمة العسكرية. وبسبب ما رافق الحرب من أوضاع صعبة ومجاعات «فتحت حوران عامة، وجبل الدروز خاصة أبواب منازلها، للاجئين من كافة الطوائف»27. لكن في الوقت ذاته، ستصبح هذه الحرب سبباً لانقسامٍ بين الدروز، بين مؤيد للأتراك بزعامة سليم الأطرش، ومناصر للحلفاء بقيادة سلطان باشا الأطرش28 الذي أُعدِمَ والده مع زعماء دروز آخرين على يد الأتراك. وربما وصل أمر هذا الانقسام للأمير فيصل بن الحسين بن علي. لذا، كان سلطان الأطرش حاضراً في الاجتماع الأول الذي عقده الأمير فيصل بشكل سري مع وجهاء عرب بهدف القيام بتحرك يهدف إلى استقلال العرب «إنما ضمن السيادة التركية»، الأمر الذي سيتطور لاحقاً إلى مطلب الاستقلال التام وطرد الأتراك. لكن، يبدو أن مشاركة الدروز في الحملة على دمشق كانت مشروطة بالاعتراف باستقلال جبل الدروز بعد طرد الأتراك، وهو ما حصلوا عليه بعد التباحث مع نسيب البكري مندوب الأمير فيصل، والذي عقد اتفاقية مع الدروز، وأقرها الأمير فيصل. وكان من أهم بنود هذه الاتفاقية: ومنذ ذلك الحين، سيغدو جبل العرب، لا سيما بيت سلطان الأطرش، محطة أساسية للوفود بين الحجاز والشام، وكذلك سيغدو سلطان الأطرش أحد الرجال الذين سيُعتمد عليهم في الثورة ضد الأتراك29، وعندما سيدخل الأمير فيصل إلى دمشق فاتحاً، سيكون سلطان والمقاتلون الدروز إلى جانبه. لم يكن الدروز بمنأى عن الانقسام أيضاً إثر اندلاع الثورة ضد الأتراك، إذ انقسموا إلى فريقين، هما الفريقان ذاتهما اللذان اختلفا في الموقف من الحرب العالمية الأولى: أي الأمير سليم الأطرش الموالي للأتراك، وسلطان الأطرش الموالي للثورة عليهم، والذي سيشارك فيها مع قواته30. لكن بعد أن استتب الأمر لقوات الثورة في دمشق، سوف يسعى الأمير فيصل إلى جمع الطرفين لمصالحتهما، ثم تعيين الأمير سليم الأطرش كحاكم على جبل الدروز31.

1- استقلال جبل الدروز سياسياً، وإدارياً.

2- العلاقات الودية والتحالف الثلاثي بين الحجاز وسورية وجبل الدروز على ثلاث نقاط: أ- العرب يساعدون الدروز والدروز يساعدون العرب عند اللزوم. ب- لا سلطة فعلية أو عسكرية لحكومة من الحكومتين، السورية والحجازية، على جبل الدروز. ج- إن الدروز يعتبرون الأمير فيصل أميراً على سورية، ولكنهم لا يعتبرونه أميراً على الجبل، إلا من الوجهة الأدبية، والعلاقات الودية والتشريفية»32.

وربما لهذا الأمر، لم يسْعَ فيصل لأن تضم اللجان المنتخبة في دمشق عام 1919 أحداً من حلفائه الدروز، إذ أن هذه اللجان سيوكل إليها تمثيل البلاد والتعبير عن مطالب السكان في وجه ما بدأت فرنسا وانكلترا تعده لهذه المنطقة33. هذا، علماً أن أكرم الحوراني يذكر في مذكراته أن فيصل قام بتعيين رشيد طليع، وهو درزي، متصرفاً لحماة34. عموماً، ما يلفت الانتباه في هذا الاتفاق هو ذلك الطموح بالاستقلال وبالنديّة تجاه قادة الثورة الحجازيين والحكومة السورية التي ستقوم لاحقاً، وهو ما يظهر في تأكيد التمايز بين الجبل وسورية، وكذلك بين الدروز والعرب. لكن ربما سيغدو هذا مفهوماً، لأن سورية كانت حتى ذلك الحين غير متبلورة ككيان وهوية، ويصح هذا على العروبة أيضاً، إذ أن الانتماء للعرب كهوية قومية سينتظر عدة سنوات.

فرنسا في الجبل:

كان الحلفاء، الإنكليز والفرنسيين، قد اتفقوا على تقاسم كل من العراق وسورية حين اندلاع الحرب العالمية الأولى. وفي عام 1916 وقع الطرفان ما اصطلح على تسميته بــ «اتفاقية سايكس – بيكو»، حيث قسمت العراق وسورية الطبيعية إلى مناطق تحت الحكم البريطاني المباشر «في العراق: بغداد والبصرة»، ومناطق تحت الحكم الفرنسي المباشر «ولاية أضنة والساحل السوري ولبنان»، ومنطقة عربية مقسمة بدورها إلى قسمين: A وتشمل سورية الداخلية مع الموصل، B وتشمل العراق الداخلي. للفرنسيين الأولوية في المشاريع والتدخل بالنسبة للمنطقة A، ومثل ذلك للبريطانيين بالنسبة للمنطقة B، مع الاعتراف بحق العرب بإقامة دولة لهم على هاتين المنطقتين. وبقيت فلسطين تحت إدارة دولية. وما إن تسربت بنود هذه الاتفاقية حتى عمت الاضطرابات رافضةً لها.

شعر الدروز، الذين جاء جبلهم في المنطقة العربية، بخطورة هذه التحولات، وكان عليهم أن يختاروا بين الفرنسيين والإنكليز والعرب، إلا أن الحزب الأقوى الذي ظهر بينهم، هو ذلك الذي يؤكد على استقلالهم. فيما بعد سيتغير المزاج الاستعماري، وسيسعى لإلحاق البلاد بسيطرته المباشرة وعدم السماح بقيام دولة عربية.

في مراسلاته مع الجنرال غورو، ذهب الرئيس الفرنسي ميلران إلى أن «النظام الذي يستجيب بصورة أفضل لمصالح سورية ومصالحنا أيضاً هو سلسلة دولٍ مستقلة جمهورية الشكل تتناسب مع تنوع الأعراف والديانات والحضارات، وتتحد في فدرالية تحت السلطة العليا للمفوض السامي للدولة المنتدبة»35. لذلك سيقترح ميلران استقلالاً تاماً للبنان و«كونفدرالية سورية» تتكون من ثماني مجموعات مستقلة (Groupes autonomies)، هي «من الشمال إلى الجنوب: سنجق الإسكندرون، مستلحَقة (Municipe) حلب، مجموعة النصيرية (Ansarieh)، مستلحَقة حمص، مستلحَقة طرابلس، مستلحَقة دمشق، وأخيراً حوران. وتتضمن هذه الأخيرة مجموعتين: الدروز والمسلمون»36. في رده على ميلران، يتفق غورو معه على التقسيم، ولكنه يختلف معه في موضوع استقلال لبنان التام ويقترح فيدرالية سورية-لبنانية، لأن الانفصال التام سيؤدي تحت الضرورات الاقتصادية إلى أن يبحث كل منهما عن الآخر ليتحدا في نهاية المطاف. كذلك الأمر بالنسبة للتقسيم الواسع الذي اقترحه ميلران في سورية، إذ يرى غورو أن مثل هذا الإجراء قد «يخدم فكرة الوحدة بدلاً من أن يقضي عليها، ذلك أن إنشاء مجموعات صغيرة لا تستطيع تأمين وجودها بنفسها، يجعلها تتكاتف وتتقارب بدافع الإحساس المشترك بوحدة المصالح». ولذلك، فهو يقترح التقسيم إلى ثلاث أو أربع دول37.

في تقرير له عن الوضع في جبل الدروز، يذكر غورو الصعوبات التي واجهت الفرنسيين هناك، ومنها دعاية الإنكليز والأمير عبد الله ضدهم و«عقلية الدروز» أنفسهم، إذ يشير إلى أنهم «إحدى عشائر سورية الأكثر مناهضة لأي استيعاب أجنبي»، وأن «جبل الدروز هو قبيلة حقيقية منغلقة على دخول الأفكار الأوروبية كلها، مهما كان نوعها». يشير غورو أيضاً إلى أهمية جبل الدروز، فهو «الذي يحرس حدود سورية وفلسطين والصحراء التي يشرف عليها بكتلته الثلجية. وهو، بحق، مفتاح دولة دمشق». ويشير إلى ميل الدروز نحو الإنكليز أثناء الحرب العالمية الأولى، لكن هذا سيتغير بعد الاتفاقية الخاصة بدولة الجبل، وسيلقى الوجود الفرنسي الترحيب38.

كان الاستقلال هو الهاجس المركزي لدى معظم أبناء الجبل، وإذا ما احترم الفرنسيون ذلك، فلن يكون هناك مشكلة معهم. وما إن دخل الفرنسيون إلى دمشق حتى بدأ أهالي الجبل، نخبه وعوامه، بالتحرك لمعرفة ما الذي ينتظرهم وما الذي يمكنهم فعله، وكان أن أدى هذا أيضاً إلى انقسامات بينهم. فكان هناك الحزب الاستقلالي الذي يتزعمه سليم الأطرش ومصطفى الأطرش، والحزب الذي يدعو إلى الاستعمار الفرنسي المباشر لجبل العرب بزعامة طلال باشا عامر «وهؤلاء قلّة»، بينما بقي سلطان الأطرش ومن معه على الحياد. وعلى هذا عقد الاستقلاليون مؤتمراً في السويداء 20 كانون الأول 1920، ليرفع مقترحاته وقراراته للفرنسيين، وكان من أهمها: أن حكومة الجبل هي حكومة سورية مستقلة استقلالاً داخلياً. وهي تقبل الانتداب الفرنسي بشكل لا يمسّ استقلالها، ورئيس هذه الحكومة «حاكم أهلي» منتخب من أهل الجبل39.

في 4 آذار 1921، ستبرم الاتفاقية التي ستعترف باستقلال جبل الدروز واعتباره «دولة مستقلة»، لكن بسقف منخفض قياساً بما قرره المؤتمر الدرزي آنف الذِّكر، إذ تعطي هذه الاتفاقية للفرنسيين سلطات أكثر في مجال الاقتصاد والتمثيل الخارجي والإشراف داخل الدولة40، ليصار بعدها إلى إعلان «دولة جبل الدروز» في 20 نيسان 1921.

إلا أن «حكومة جبل الدروز» لن تلقى الاعتراف العام بها من قبل الدروز، وكان من بين المعترضين عليها سلطان باشا الأطرش ومعه العديد من النخب والقرى. وكان البيان الذي نشره متعب الأطرش يطلب فيه من الناس الاعتراف بالحكومة، ولم يوفّر اللعب على وتر الهوية والتذكير بالخصومات التي كانت بين الدروز وجيرانهم (الحوارنة) ليؤكد أن فرنسا هي الحامية41. وفي مؤتمر عقد في 1922، وكان سلطان الأطرش قد اشترط على سليم الأطرش انعقاده في السويداء، بدا أن أحد أسباب هذا الجفاء هو ما أقدمت عليه الحكومة الدرزية وليدة اتفاقية 1921 المذكورة أعلاه، التي تنازل موقعوها للفرنسيين عن بعض ما قرره المؤتمر الدرزي (كانون الأول 1920) حول قضايا تخصّ استقلال الجبل42.

لم تمضِ سوى بضعة أشهر، حتى أقدم الفرنسيون على انتهاك واحد من أهم رموز استقلال الدروز وكرامتهم، وذلك عندما اعتُقِلَ أدهم خنجر «وهو المتهم بمحاولة اغتيال غورو»، حين كان في زيارة سلطان الأطرش الذي لم يكن موجوداً في بيته آنذاك. أرسل سلطان الأطرش برسالة لابن عمه سليم الأطرش حاكم دولة جبل الدروز، يذكره بها بوعود فرنسا بأنها ستحافظ على تقاليد وعادات أهل الجبل، ويطالب بإطلاق سراح خنجر وبأنه لن يتأخر مقابل هذا عن كل ما يرضي الفرنسيين. وعندما لم يأتِ هذا بنتيجة، أرسل إلى المندوب السامي قائلاً بأن فرنسا لم تراعِ ما وعدت به، ويرجوه أن لا يجعله «مضغةً في أفواه العرب»، إذ إن «موتي وإهانة ضيفي مثل بعضهما البعض»43. وحين لم يأتِ كل ذلك بنتيجة، قرر سلطان الأطرش مقاتلة الفرنسيين ومعه بعض أخوته وأصدقائه وأتباعه، واستطاع أن يكبدهم خسائر في الأرواح والآليات. وعلى إثر ذلك، عمد الفرنسيون إلى أساليب الضغط الأهلي على سلطان الأطرش، فأوعزوا إلى أبناء عمه بأن يراسلوه ويخبروه بأن الدروز ليسوا معه «لأن الحكومة المنتدبة، والوطنية والدروز جميعاً متفقون على عمار البلاد»44. ثم أوعز الفرنسيون لرجال الدين بإصدار بيان ضد سلطان ورجاله، أكدوا فيه أن هؤلاء «مرادهم خراب البلاد وتشتيت العباد» بسبب «أدهم الشقي» الذي اعتدى «على حرمة شخص فخامة الجنرال غورو، صديق الجبل ومحب الدروز المخلص». وبناء عليه، فإن كل من يساعد سلطان وجماعته «يكون تحت الحرم العظيم والسخط الجسيم»45.

لم تدم ثورة سلطان الأطرش الأولى أكثر من عام، لكن ما أن انتهت، حتى بدأت مقدمات الثورة الثانية ودوافعها تتجلى على الأرض عبر وقائع جديدة عنوانها إمعان الفرنسيين بانتهاك استقلال الدروز وعاداتهم، والمواثيق التي على أساسها رُسِمَ شكل حضورهم في الجبل. فما إن مات سليم الأطرش، أول حاكم للدولة الدرزية، حتى خلفه الجنرال الفرنسي كاربييه بعد سلسلة من الدسائس والمناورات انتهت بوضع الأمر في يده. هذا يخالف الاتفاق التأسيسي لدولة الدروز التي تنص على أن الحاكم يجب أن يكون من أبناء الجبل. ولم يتوقف مسلسل الدسائس بين الدروز حتى بعد أن وصل كاربييه لغايته، ومحاولته إذلال النخب هناك وإلحاقهم به وضرب أي عنفوان أو روح استقلالية لديهم.

لم يقبل الجزء الأكبر الدروز بما آلت إليه الأحوال، وعلى رأسهم آل الأطرش، فوجهوا العرائض إلى دمشق لمطالبة فرنسا الوفاء بعهودها، إلا أن هذا لم ينفع، بل ارتد عليهم بعد أن علم كاربييه به، إذ أجبر رجال دين وبعض النخب الدرزية، بالقوة أو بالرشاوى، على إصدار مضابط تؤيد بقاءه في الحكم. وعلى إثر ذلك، انقسم الجبل إلى حزبين: «حزب كاربييه وحزب بني الأطرش». هذا دفع سلطان الأطرش إلى إرسال رسالة قصيرة إلى نسيب الأطرش وهو معتمد الدولة في دمشق، يقول فيها: «لافي الشر قبل وقوعه»46. وفي عام 1925، قبل اندلاع الثورة الثانية بأشهر، جدد وجهاء الجبل مطالبهم مع قدوم المندوب السامي الجديد، الجنرال ساراي، لكن هذا الأخير أنكر أهمية الاتفاقية وبأنها مجرد «حبر على ورق»، وقام بطرد الوفد وبنفي أحد أعضائه إلى تدمر، وهو أحد وجهاء المسيحيين في الجبل47. غادر كاربييه الجبل في 5 نيسان 1925، وحل مكانه وكيله، الكابتن رينو، ريثما يعود أو يرسل الفرنسيون حاكماً جديداً للجبل. إثر ذلك، قامت بعض النخب في الجبل بتوقيع العرائض والقيام بمبادرات بهدف تثبيت الكابتن رينو الذي كان محبوباً في الجبل ويحظى بتقدير الكثير من أهله، حتى أن سلطان الأطرش لم يعد يتخذ أي خطوة بشيء إلا بعد استشارته48.

الجبل في سورية للمرة الأولى:

 حتى ذلك الحين كان اعتراض غالبية الدروز ينطلق من الاعتراض على استبداد كاربييه وفساده، وليس على نظام الانتداب. إلا أنّ من خلّفهم كاربييه وراءه من أنصار وموظفين استمروا على نهجه في تجاوزاتهم والعمل على إثارة المشاكل في الجبل، لا سيما بعد محاولات أهله استبدال كاربييه وهو ما يعني خسارة هؤلاء الموظفين والأنصار امتيازاتهم ومواقعهم. فكان هذا، إضافة إلى عدم استجابة سلطة الانتداب لمطالب أهل الجبل بتثبيت الكابتن رينو مكان كاربييه، والإصرار على عودة هذا الأخير كحاكم على الجبل، وإلقاء القبض على الزعماء الرافضين له؛ سبباً لازدياد الاحتقان في الجبل، ومن ثم قيام ثورته الثانية بقيادة سلطان الأطرش.

كانت معركة الكفر «تموز 1925» أولى المواجهات بين الثورة والفرنسيين. وبعد هزيمة الحملة العسكرية الكبيرة التي أرسلها الفرنسيون بقيادة الجنرال ميشو، ذاع صيت الثورة في أرجاء البلاد السورية، وبدأت تلتحق بها بعض النخب الوطنية في المدن الأخرى، ولا سيما دمشق، كالدكتور عبد الرحمن الشهبندر زعيم «حزب الشعب»، ونسيب البكري، وقاموا سويةً بإعلان الحكومة السورية ومقرها السويداء49.

امتدت الثورة خارج حدود الجبل، إلى دمشق وغوطتها وإلى مدينة حماة50، واعترف الثوار بسلطان الأطرش قائداً لها، وهو ما يعني أن واقعاً جديداً بدأ يفرض نفسه، وتتجاوز معطياته حدود الجبل وعشائره وتقاليده إلى قضايا أخرى تجمعه مع من هم خارج حدوده. في الواقع، كانت تباشير النظر إلى ما وراء الحدود، والنظر إلى الذات على أنها جزء من كلٍّ ترسمُ النخب الوطنية في المدن الكبرى ملامحه، قد بدأت تخترق الجبل حتى قبل الثورة. وساعدت ممارساتُ الفرنسيين أنفسهم على ذلك، إضافة إلى ما أتاحه الانتداب الفرنسي من تواصل للدروز مع دمشق وبعض النخب السياسية والاقتصادية فيها51.

في سؤال طرحه حنا أبو راشد على سلطان الأطرش عندما كان الجبل يتهيأ للثورة، وكان السؤال حول رأيه «بحكومة وطنية سورية متحدة»، أجاب سلطان: «هذا جلّ رغبتي، ولكنني لا أرضاها مَلَكية، بل أرضاها جمهورية ديمقراطية حرة. أريدها مستقلة استقلالاً لا غبار عليه». هذا مع العلم أن سلطان الاطرش لا يعارض، في الحديث ذاته، فكرة الانتداب، لكنه يفضله على شاكلة الانتداب الإنجليزي لا الفرنسي، أي «الذي لا يحكم مباشرة»52. وفي حزيران 1925، عندما قابل وفد من زعماء الدروز الوزير الفرنسي «أوغست برونه»، سلموه برقية باسم الجبل لا ينكرون فيها «أيادي دولة فرنسا البيضاء» على الجبل، و«سعيها المشكور في سبيل انهاض هذه البلاد وترقيتها وعمرانها وسعادتها»، ثم تقرر البرقية أن «جبل الدروز جزء لا يتجزأ من سورية تجمعه معها جامعة اللغة والجنس، وتربطه بها روابط اقتصادية مستحكمة الحلقات. فدمشق تأخذ ذخائرها من الجبل والجبل يستورد جميع حاجياته من دمشق». وعندما يسألهم الوزير عن مغزى هذه الجملة، وإن كانوا يطلبون «الاتحاد السوري»، يجيبه الوفد: «من الوجهة الاقتصادية لا يتجزأ، وإنما نطلب الآن أن يبقى الجبل كما هو»، ثم يكررون مطالبهم باستبدال كاربييه برينو53. بدوره، كان البيان الأول الذي نشره سلطان الأطرش بوصفه قائداً للثورة، موجهاً «للعرب السوريين»، طالباً منهم حمل السلاح لطرد المستعمر ومحدداً مطالب الثورة بـ «أولاً: وحدة البلاد السورية، ساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة، مستقلة استقلالاً تاماً. ثانياً: قيام حكومة شعبية، تجمع المجلس التأسيسي لوضع قانون أساسي على مبدأ سيادة الأمة سيادة مطلقة. ثالثاً: سحب القوى المحتلة من البلاد السورية. رابعاً: تأييد مبدأ الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان في الحرية والمساواة والإخاء»54.

لكن هذه الثورة، ككل الثورات، لم تحظ على إجماع الدروز أو السوريين عموماً، وككل الثورات أيضاً، استفاقت المخاوف الأهلية لبعض الجماعات، أو العداوات عند البعض الآخر، وكذلك المصالح وغير ذلك. بالنسبة للدروز، وعلى الرغم من نجاح الثورة في حشد النسبة الأكبر منهم خلفها، إلا أنه كان للفرنسيين حزبهم أيضاً في داخل الجبل، وكان بعض هؤلاء من آل الأطرش ذاتهم55. كذلك الأمر بالنسبة لــ «الجيران الحوارنة»، إذ كانت مشاركتهم في الثورة محدودة، ووقفَ معظم الحوارنة على الحياد. ويرى أبو راشد أن هذا يعود إلى «العداوة المكونة فيما بين الحورانيين والدروز، وما قام لأجلها من الحروب والمواقع الدامية مدة قرن كامل»، وفي رأي لا يخلو من بعض القسوة، يستخلص أبو راشد ثلاث نقاط تلخص ما يسميه بـ «نفسية الحورانيين» وهي: «أولاً: أن زعماء حوران لم يشهروا السيف بوجه الدروز إلا بعد أن تعهدت الدولة العثمانية بمساعدتهم. ثانياً: لم تحارب حوران فرنسا أيضاً إلا بعد أن تعهدت لها الحكومة الشريفية بأن ترجع لها ما فقدته من الأراضي الواسعة التي احتلها الدروز. وعليه، قامت بالثورة لعلمها بأنها إذا فازت على فرنسا فكأنها فازت على جيرانها الدروز. ثالثاً: لزمت الحياد اليوم في هذه الثورة الوطنية (المقدسة) بعد أن وعدها مستشار درعا الفرنسي (الكبتان هوكنه) وعداً شريفاً أنه وبعد القضاء على قومة الدروز، ستعلن فرنسا استقلال حوران وترجع إليها معظم القرى والأراضي التي استولى عليها الدروز قسراً»56.

حاول الفرنسيون كثيراً أن يؤلبوا الحوارنة على الدروز، وإحدى هذه المحاولات كانت أثناء اجتماع مع زعماء الحوارنة دعا إليه وكيل المندوب السامي وصبحي بركات، وقاموا بإغراء الحوارنة بإعفائهم من الضرائب وتقديم السلاح لهم لمحاربة «العدو المغتصب بلادكم»، أي الدروز؛ وإعلان استقلال حوران. فرد عليهم الشيخ اسماعيل الحريري برفض محاربة الدروز «مهما كان بيننا وبينهم من العداء لما لهم من حق الجوار والوطنية». كما رفض استقلال حوران لأنه «جزء من أجزاء سورية الكلية» وهو لوحده «لا يستحق أن يكون دويلة، ولا إمارة، ولا حتى قضاء». وسيدفع الشيخ اسماعيل لاحقاً ثمن هذا الموقف سجناً ثم هروباً إلى شرقي الأردن57.

حاول الفرنسيون الأمر ذاته مع أهالي دمشق، وحاولوا الإيقاع بينهم وبين الدروز عندما أخذوا يتكلمون عن أن غاية الدروز هو تحقيق «حلمهم القديم» وهو «نهب عاصمة سورية»، وبالتالي يقف الفرنسيون حائلاً بينهم وبين تحقيق حلمهم. كذلك، استيقظت لدى بعض المسيحيين في لبنان وسورية مخاوف من الثورة، لا سيما أن جسدها الرئيسي هم الدروز الذين شارك بعضهم قبل بضعة عقود بمذبحة المسيحيين في دمشق، وكان لهم وقائع دامية مع مسيحيي لبنان. لكل هذا، سيرسل سلطان الأطرش رسالة لبطريرك الروم الأرثوذكس في دمشق، يخبره بأن «لا خطر ولا خوف على المسيحيين من الثورة، التي لا تقصد إيذاءهم ولا ترمي إلى إساءة معاملتهم…». لكن البطريرك ولخوفه من أن يُتهم بالتواصل بالثوار قام بتسليم الرسالة للفرنسيين58. وربما للسبب ذاته، سيؤكد سلطان الأطرش في منشورٍ عامٍ بأنه «لا خصومات ولا أحقاد طائفية بعد اليوم، إنما نحن أمة عربية سورية (…)، وليس هنالك درزي وسني وعلوي وشيعي ومسيحي. ليس هناك إلا أبناء أمة واحدة، ولغة واحدة وتقاليد واحدة، ومصالح واحدة. ليس هناك إلا عرب سوريون…»59.

ثالثاً – في سورية:

الطريق إلى الاستقلال السوري:

انتهت الثورة السورية الكبرى بعد أن صمدت لمدة عامين، ليستأنف بعدها نضال سياسي مزدوج: نضالٌ ضد الفرنسيين ونضالٌ ضد الدروز الآخرين الرافضين للاتحاد السوري والداعين لانفصال الجبل60.

بقي سلطان الأطرش منفياً في الكرك قرابة عشر سنوات، ولم يُسمح له بالعودة إلا بعد عقد اتفاقية 1936 بين وفد «الكتلة الوطنية في سورية» والفرنسيين، والتي نصت في بعض ملاحقها على ضم دولة جبل العرب ودولة العلويين إلى سورية، مع وضع نظام إداري خاص لكل منهما. يرصد فيليب خوري الانقسامات والاضطربات في الجبل عقب توقيع اتفاقية 1936. فبالإضافة إلى الفرنسيين، غدا الجبل بعد انتهاء الثورة مسرحاً ومحط أنظار لكل من دمشق ونُخبها الداعية إلى الوحدة السورية، وأيضاً لعمّان الهاشمية التي لم تُخفِ رغبتها ومحاولاتها في ضم الجبل إليها، وقد زاد من ثقل ذلك أن شرقي الأردن كان أحد الملاذات التي لجأ إليها الثوار أثناء الثورة، ثم في فترة نفيهم. انعكس هذا على الجبل وأهله الذين توزعت ولاءاتهم بين الفرنسيين واستقلال الجبل وعمّان ودمشق. أيضاً، انعكست الخلافات السياسية بين النخب الدمشقية، ولا سيما بين «الكتلة الوطنية» و«حزب الشعب»، على الجبل. كان سلطان الأطرش ومن معه يناصرون الخط الذي انتهجه «حزب الشعب» الذي يتزعمه صديقه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، بينما كان آل عامر «وهم المنافسون لآل الأطرش في الجبل»، والحلبيون «نسبة إلى محمد عز الدين الحلبي الذي استطاع استقطاب شباب متعلمين ومثقفين في الجبل»، وهم على قرابة مع الاستقلاليين، مناصرين للكتلة الوطنية.

ما بين 1936 و1939، تم تعيين أربع حكّام للجبل من قبل الحكومة الوطنية في دمشق، أولهم نسيب البكري، والذي اضطر إلى المغادرة إثر الخلافات التي أثارها تعيينه لكونه من خارج الجبل. وبعده جاء توفيق الأطرش ثم بهيج الخطيب الذي سرعان ما أخلى مكانه للأمير حسن الأطرش الذي عينته الحكومة في دمشق. لم تمضِ أشهرٌ على تعيين حسن الأطرش حتى بدأ الانفصاليون يتحركون مطالبين باستقلال الجبل، وهو ما جابهه وحدويو الجبل والحكومة في دمشق. وزاد من التوتر بين الجبل وحكومة دمشق، إقدام أحد مناصري الحكومة إثر دعوة أعيان دروز إلى انفصال الجبل عن سورية وإقامة علاقات وطيدة مع فرنسا، على نعت عبد الغفار الأطرش بأنه «أداة فرنسية»، وهو أمرٌ ترتب عليه انسحاب النواب الدروز من البرلمان. تلا ذلك زيارة المندوب السامي «غابرييل بو» لجبل الدروز، حيث قوبل بمظاهرات حاشدة لكلا الحزبين، دعاة الوحدة والانفصال. كل هذا دفع حسن الأطرش إلى ترك منصبه لتعود الحاكمية للفرنسيين، حيث حل محله «بوفييه» وهو عقيد فرنسي أعاد جبل الدروز إلى حالته قبل معاهدة 1936، ونظم حملة اعتقال واسعة بحق الوطنيين الدروز، لزم خلالها سلطان الأطرش الصمت61.

ستفرض أجواء الحرب العالمية الثانية نفسها على سورية، لا سيما أن فرنسا ستُهزم أمام ألمانيا التي ستدخل جيوشها إلى باريس وتنصّب فيها حكومة موالية لها هي حكومة فيشي، والتي ألحقت المستعمرات الفرنسية بها. كان الجبل مرة أخرى إحدى الساحات التي طالتها نيران الحرب. يأتي فضل الله أبو منصور، أحد أبناء الجبل وكان «آمر كوكبة الفرسان» في مدينة شهبا، على ذكر تلك المرحلة، فيقول: «مشى الإنكليز والديغوليون من الجنوب لفتح بلاد الشام فكان علينا أن نقاتلهم. تلك مفارقة قلّما أتيح لأحد أن يمر بمثلها. كنا جيشاً فرنسياً يقاتل جيشاً فرنسياً آخر»62. ثم يتكلم عن معركة دارت بين الطرفين في «إزرع» الحورانية، حيث كانت معركة عنيفة سقط فيها كثيرون من أبناء الجبل، وكيف تدخلت المطربة أسمهان وكانت واسطة عقدِ اتفاقٍ بين الحلفاء والأمير حسن الأطرش وعبد الغفار الأطرش وبعض وجهاء الجبل، مما أوقف زحف الحلفاء على الجبل63. لكن الإنكليز سيدخلون الجبل لاحقاً، و«ستحمل أسمهان إلى الأمير حسن الأطرش وعبد الغفار باشا الأطرش عهود الحلفاء وعروضهم السخية المغرية»64. ويذكر فضل الله واقعة فرار أعداد من المتطوعين الدروز والتحاقهم بجيش الحلفاء، وكيف أن الاستخبارات الفيشية كلفته هو شخصياً بمهمة الالتحاق بالقوات البريطانية التي تعسكر في بصرى الشام، وإعادة الفارين، وأنه نجح بذلك نجاحاً كبيراً65.

بعد ذلك استقرت الأمور للفرنسيين، وعادوا إلى سياساتهم السابقة بغية توطيد أقدامهم في الجبل وضرب الوطنيين. فكان أن اجتمع عدد من الوطنيين، مدنيين وعسكريين، وخططوا لانقلاب عسكري يهدف إلى اعتقال وضرب الوجود الفرنسي في الجبل، لا سيما العسكري منه. وتواصلوا لأجل ذلك مع الأمير حسن الأطرش الذي كان محافظ الجبل، وطلبوا منه التواصل مع الحكومة في دمشق. وفي صباح 29 أيار 1945 كانت ساعة الصفر، وتم إنجاز الانقلاب دون صعوبات تذكر، وكان من بين المعتقلين حاكم الجبل الفرنسي، ثم سُلِّمَ الأسرى للجيش التاسع الإنكليزي «الذي دخل البلاد بعد ضرب دمشق من جانب الفرنسيين»، وتم رفع العلم السوري وإعلان استقلال سورية66.

في سورية المستقلة:

كانت مكانة الجبل المعنوية في سورية الجديدة، كبيرة؛ فمنه انطلقت أكبر وأهم الثورات التي نادت باستقلال سورية ووحدة أبنائها على أساس الهوية الوطنية، ودفع الآلاف من أبنائه حياتهم ثمناً لهذا. لكن هذا لن يجعله في منأى عن الاضطرابات والاستقطابات والصراعات التي ميزت التاريخ السوري بعد الاستقلال، والتي سيكون فيها الأهلي حاضراً وذا وزن.

في مذكرات أكرم الحوراني يرد أحد الأمثلة، إذ يبدو أن الخلاف بين الكتلة الوطنية «ولا سيما شكري القوتلي الذي سبق وأن هدد بأنه سوف يسوق عبد الغفار الأطرش إلى السجن لأنه من أعوان الانتداب» من جهة، وبين سلطان الأطرش الذي كان قريباً من الملك عبد الله وعبد الرحمن الشهبندر من جهة ثانية، سوف يستمر إلى ما بعد الاستقلال ويلقي بظلاله على العلاقة بين النخبة الحاكمة والجبل. كما يذكر الحوراني كيف قام حسن الأطرش، محافظ الجبل، باستغلال سلطته لإنجاح قائمة آل الأطرش كاملة في انتخابات عام 1947 النيابية، وهو ما خلق ردة فعل مضادة داخل الجبل من العوائل الأخرى، وأيضاً امتنعت الحكومة عن التصديق على نتائج الانتخابات في الجبل، وبهذا غاب النواب الدروز عن البرلمان67. كما ظهرت شخصيات درزية طامحة للعب دور أكبر مما حاولت أن تحدده النخبة الحاكمة في دمشق، التي كانت تسعى لإضعاف الزعماء التقليديين في جبل الدروز68، كالأمير حسن الأطرش، ذي الميول العراقية، والذي طلب من فضل الله أبو منصور مرتين، أيام سامي الحناوي ثم أديب الشيشكلي، القيام بانقلاب عسكري69. وكذلك، يروي الضابط محمد معروف دوَر الأمير حسن الأطرش في القيام بانقلاب على الحكومة التي تلت سقوط الشيشكلي، وكيف أن شحنة الأسلحة المرسلة للأمير من العراق كُشِفَت، فانكشف مخطط الانقلاب الذي خطط له غسان جديد ومحمد معروف والقوميون السوريون بدعمٍ من العراق70.

وجديرٌ بالذكر أيضاً، ما فعله نظام الشيشكلي بحق الجبل: فعلى خلفية توزيع منصور الأطرش «البعثي» لمنشورات ضد النظام، قام أعوان الشيشكلي بحملة اعتقالات واسعة، فانفجر الوضع في الجبل وتطور إلى اشتباكات مسلحة شارك فيها سلطان الأطرش الذي كان أصلاً تحت الإقامة الجبرية في قريته، وترافق هذا بانتهاكات كبيرة ارتكبتها قوات الشيشكلي بحق القرى وساكنيها. فاضطر سلطان الأطرش إلى طلب وقف القتال والمغادرة إلى الأردن71. وسيدفع الشيشكلي حياته فيما بعد ثمناً لهذا، إذ سيقوم أحد أبناء الجبل باغتياله في البرازيل.

كان الجيش أحد السبل التي عبر من خلالها الدروز إلى داخل سورية. وعلى الرغم من أنهم قومٌ محاربون، إلا أن انتظامهم في سياق الدولة عسكرياً بدأ مع الفرنسيين الذين فتحوا أبواب التجنيد أمامهم في الجيش والدرك. وكان من تداعيات ذلك في بعض المراحل، أنه كان عامل انقسام في المجتمع الدرزي، إذ ستتحول هذه القوات إلى درع إضافي يتحصن به الفرنسيون بالضد من دعوات الاتحاد السوري القادمة من دمشق، أو التي سينادي بها أبناء الجبل لاحقاً. ويذكر أبو راشد كيف أن وجود هذه القوات بيد الفرنسيين كان يعني تهديد الدروز بدروزٍ آخرين، وكيف أن تداخل هذا الأمر مع المعطى العشائري في الجبل دفع سلطان الأطرش والثوار إلى الحذر من قتل العناصر المتطوعين في الجيش من الدروز أثناء المعارك، لأن كل واحد منهم ينحدر من عشيرة، وقتله سيدفع أبناء عشيرته للثأر له ممن قتله72، هذا مع أن فضل الله أبو منصور يذكر أنه والفرسان الدروز كانوا مشاركين في قمع وملاحقة الدروز الثائرين73.

ستعمد «حكومة الاستقلال» في سياق سعيها إلى بناء جيش وطني، إلى تفكيك التجمعات العسكرية الدرزية التي أنشأها الفرنسيون، واستيعاب ضباطها وأفرادها وتوزيعهم على باقي القطعات74. وسيكون من بينهم ضباط سيلعبون دوراً لافتاً في صناعة التاريخ السياسي السوري المعاصر، كفضل الله أبو منصور الذي شارك في العديد من الانقلابات العسكرية، وهو يعترف بأنه هو من اعتقل حسني الزعيم من بيته وأشرف على إعدامه ورئيس الوزراء محسن البرازي75. وكذلك الفريق عبد الكريم زهر الدين الذي سيغدو وزيراً للدفاع في عهد الانفصال. لكن يبقى أن قيادات الجيش بعد الاستقلال كانت من أصول سنية في معظمها، وتعكس جميع الانقلابات في سورية حتى 1963 هذا الأمر. ففي عام 1947، كان عدد الضباط الدروز 17 من أصل 279 ضابط، بينما عدد الضباط السنة 168 ضابطاً منهم 128 من السنة العرب76.

لم يكن الأهلي غائباً عن اصطفافات العسكر وتحالفاتهم77، لكن عصبيات موازية تستأنس بالجندية أو بعقائد قومية واشتراكية وطموحات سلطوية، بدأت تظهر عند جيل شاب من العسكر لن يستغني عن العصبيات الأهلية، إلا أنه قد يصطدم معها في بعض الأحيان.

سيعيد انقلاب عساكر البعث والناصريين 1963، والذي سيخوض القائمون عليه بعد نجاحه، تصفيات داخلية لبعضهم بعضاً، الاعتبار للعصبيات الأهلية. وسيساهم في ذلك أيضاً موقف أهل المدن من الانقلاب، الذين لم يكونوا مرتاحين حيال الأصول الاجتماعية للقائمين عليه، ومعظمهم ريفيون، ولا حيال عقائدهم الاشتراكية والعروبية التي ستهدد مصالح النخب الاقتصادية المدينية، كما أنها قد تفتح باب الوحدة مع مصر مجدداً، وهو ما يعني تهميش المدن السورية وخصوصاً دمشق، لصالح القاهرة.

ثمة اعتراض على هذا الانقلاب لن يتكلم لغة السياسة أثناء التعبير عن نفسه، بل لغة الأهل، إذ سيطلق على النخبة الحاكمة الجديدة لفظ «عدس»، اختصاراً لثلاثة كلمات هي «علويين، دروز، إسماعيليون»، وستسعى بعض النخب لمواجهة هذا الوضع الجديد عبر دعم التيار الإسلامي بوصفه الأكفأ على مواجهتهم، علماً أن معظم الضباط الناصريين الذين اشتركوا في الانقلاب كانوا من أصول سنية، و«اللجنة العسكرية» كانت خليطاً من كل المكونات تقريباً، بينما كان الدروز والإسماعيليون أقلَّ الممثلين فيها. كانت هذه اللجنة حين تأسيسها مكونة من ثلاثة ضباط علويين هم «محمد عمران، صلاح جديد، وحافظ الأسد»، ومن ضابطين إسماعيليين هما «عبد الكريم الجندي وأحمد المير». وحين توسعت اللجنة، كان من بين المنضمين ضابطان درزيان هما «سليم حاطوم وحمد عبيد»، وضابطان علويان وستة ضباط من السنة78.

كان سليم حاطوم هو الضابط الدرزي الأبرز في التشكيلة الجديدة للحكم، وعلى الرغم من صغر سنه، فقد كان الأكثر طموحاً وشغباً وجرأة، وكان له دور كبير ورئيسي في انقلاب 196379، ولاحقاً في الصراع بين الانقلابيين والتصفيات التي حصلت فيما بينهم. وبعد أن تم استبعاد الناصريين واستئثار البعث بالسلطة، انتقل الصراع إلى داخل هذا الأخير، وكانت الطائفية إحدى أدواته.

في 23 شباط 1966، نفذت كتلة صلاح جديد انقلاباً عسكرياً ناجحاً ضد أمين الحافظ، وكان للحاطوم دورٌ رئيسيٌ فيه أيضاً. لكن لن يتأخر الوقت حتى يستأنف الضباط الدروز صراعهم مع الضباط العلويين، وستكون الطائفية بوصفها آلية لاستحضار أهل الثقة، أحد عناوين هذا الصراع. سيتولى اللواء الدرزي فهد الشاعر قيادة المجموعة العسكرية للتنظيم السري الذي أنشأه منيف الرزاز، بعد أن أطاح الشباطيون بالقيادة القومية لحزب البعث. وسيكون من شروط اللواء فهد الشاعر عدم القبول بعضوية أي من الضباط العلويين ضمن التنظيم العسكري80. أما بالنسبة لحمد عبيد، الذي كان وزيراً للدفاع في وزارة يوسف زعيّن التي استقالت إثر حل القيادة القطرية في أواخر 1965، فقد اعتقد أنه سيستعيد منصبه بعد أن أيّد صلاح جديد وشارك في انقلابه. غير أن هذا لم يحصل، وذهبت وزارة الدفاع إلى الأسد، مما أثار حنقه وفتح الباب لأنصار أمين الحافظ للاتصال معه بغية القيام بانقلاب ينطلق من حلب81. أما سليم حاطوم، فقد شعر بدوره بالخديعة لأنه كان ينتظر أن يتم ترفيعه إلى قائد لواء مدرع مع بعض الوظائف الأخرى في الجيش، نتيجة دوره الحاسم في انقلاب 23 شباط وفي اعتقال أمين الحافظ، إلا أن هذا لم يحدث أيضاً، فبدأ بإنشاء تنظيمه العسكري السري الذي يعتمد بشكل أساسي على الضباط الدروز، و«منهم المقدم طلال أبو عسلي، قائد وحدات الجيش السوري على الجبهة مع إسرائيل»، كما استطاع استقطاب بعض الضباط من غير الدروز82.تنقل حاطوم، ومعه ضباط دروز، في اصطفافاتهم ضمن هذا الصراع. فبعد أن كانوا إلى جانب أمين الحافظ، خصْم صلاح جديد وحافظ الأسد، انتقلوا إلى معسكر هؤلاء الأخيرِين، حيث اجتمع الحاطوم مع حافظ الأسد ليخبره بأن أمين الحافظ كان يحرضهم عليه وعلى صلاح جديد83. وربما كان أحد أسباب انقلاب الحاطوم على الحافظ، هو التحريض على الدروز من قبل أنصار أمين الحافظ الذين حاولوا «خلق كتلة سنّية متماسكة داخل الجيش لمعارضة الضباط العلويين والدروز على وجه الخصوص»84.

ولتعزيز تنظيمه بالمدنيين، قام الحاطوم بالاتصال بــ «الشوفيين»، وهم بعثيون منشقون تأثروا بالأفكار الماركسية وعُرِفوا بنقدهم لبعض أعضاء اللجنة العسكرية، مما أدى إلى فصل قياداتهم من الحزب في عامي 1964 و1965 وكان يتزعمهم حمود الشوفي، ومعظم كوادر هذه المجموعة من جبل الدروز85. كما تواصل الحاطوم مع اللواء الشاعر بغية التنسيق بينهما، لكن الانقلاب الذي خطط لتنفيذه هذا الأخير تم اكتشافه قبل أوانه، ونُظّمت حملة اعتقالات كبيرة كان للدروز النصيب الأكبر فيها، لكونهم أصحاب الحضور الأكبر في مخطط الانقلاب الفاشل86. وسوف يستغل الحاطوم وطلال أبو عسلي هذه الاعتقالات للبدء بحملة انتقادات كبيرة مفادها «أن الدافع إليها هو الاعتبارات الطائفية، إذ لا يوجد ولا ضابط علوي من بين المعتقلين!»87. واتسع الخلاف حتى وصلت تداعياته إلى جبل الدروز، حيث تحرك فرع الحزب في الجبل الذي أفزعه أن الاعتقالات طالت ضباطاً شاركوا في حركة 23 شباط الانقلابية، وطالب بعودة الضباط الدروز المنقولين والمعتقلين إلى مراكزهم السابقة، مع التهديد بتجاهل كل التعليمات الصادرة عن القيادة القطرية ومقاطعتهم لأية انتخابات حزبية في المستقبل «إذا ما استمرت عملية تصفية الضباط الذين ينحدرون من جبل الدروز»88.

وبغية احتواء الأحداث في جبل الدروز، سيبادر وفد من القيادة القطرية مكون من الرئيس السوري نور الدين الأتاسي وصلاح جديد وجميل شيّا (وهو العضو الوحيد الدرزي في القيادة القطرية) لزيارة الجبل، وسوف يستغل الحاطوم هذا ويقوم باعتقال كلّ من الأتاسي وجديد وبعض الضباط العلويين في الجبل. أما جميل شيّا فلم يعتقل. وأثناء مفاوضاته مع دمشق، كانت مطالبه في معظمها خاصة به وبحلفائه من الدروز الذين «يجب إعادتهم إلى مواقعهم، وكذلك استيعاب الشوفيين من جديد في الحزب، وإبعاد بعض أهم أنصار صلاح جديد من الجيش، واستقالة القيادة القطرية الحالية وتشكيل أخرى مؤقتة تضم خمسة من الشوفيين»89. سترفض القيادة القطرية هذه المطالب مع إرسال قطعات عسكرية وكتيبة صواريخ إلى السويداء والتهديد بقصفها، مما أدى إلى فشل الانقلاب وخروج الحاطوم وأبو عسلي إلى الأردن90. ومن هناك سيخوض الاثنان حرباً إعلامية ضد الضباط والحزبيين العلويين في السلطة، إذ ذهب الحاطوم إلى أن «الضباط العلويين متمسكون بعشيرتهم وليس بعسكريتهم، وهمّهم حماية صلاح جديد وحافظ الأسد»، وأنهم يسعون لإقامة نظام شعاره «أمة علوية ذات رسالة خالدة»91.

سيكون لفشل الانقلاب تداعياته السلبية على الجبل، إذ أن التصفيات طالت حزبيين وضباطاً دروزاً، مما أفقدهم دورهم الذي كان وازناً إلى حدٍّ ما في الساحة السياسية السورية، وطال التهميش فرع الحزب في الجبل. كل هذا استدعى سلطان الأطرش للتدخل، مهدداً عبر رسالة أرسلها لرئيس الأركان السوري قال فيها: «أولادنا في السجون مضربون، ونحملكم مسؤولية النتائج. لقد اعتاد الجبل وما زال أن يقوم بالثورات لطرد الخائن والمستعمر ولكن شهامته تأبى عليه أن يثور ضد أخيه ويغدر ببني قومه. هذا هو الرادع الوحيد. ونقتصر مبدئياً على المفاوضات»92. أما بالنسبة لسليم الحاطوم، فسينتهي به المطاف إلى الإعدام إثرَ رجوعه إلى سورية بعد اندلاع حرب 1967، للمشاركة في المعارك القائمة.

في «سورية الأسد»:

وصل حافظ الأسد إلى السلطة إثرَ انقلابه على دولة الشباطيين في عام 1970، وبعد أن كان قد أُطيحَ بمعظم الخصوم. بالنسبة للجبل وأهله من الدروز، فقد كانوا واحداً من أكبر التحديات التي ينبغي على الأسد التعاطي معها إذا ما أراد أن «يهنأ بحُكمٍ سعيد». فالجبل صعب المراس، ويشهد على هذا تاريخه الذي شهد الأسد بعضاً منه مؤخراً أثناء صراعه على السلطة. كما أن دروز الجبل معتزّون بتاريخهم وينظرون لأنفسهم كإحدى أهم الجماعات المؤسسة لسورية. فأكبر الثورات التي نادت بوحدة البلاد خرجت من عندهم، وقائدها منهم ولا يزال على قيد الحياة، سلطان الأطرش، وولاء معظم أهل الجبل له. يضاف إلى هذا، أن الدروز يحظون بامتداد خارج الحدود السورية، ومنتشرون في كل بلاد الشام، وهم وازنون في بعضها، كلبنان، الذي بدأ يصعد فيه نجم كمال جنبلاط ليغدو أحد الرموز على الساحة العربية، لاعتناقه قضايا هذه الأخيرة، ووقوفه في خط العروبة وفلسطين واليسار والتقدمية، وتطعيم درزيته بكل هذا، في بلد كان ساحة مفتوحة لأكثر المشاريع تناقضاً وسخونة. ومعلوم أن فترة الخمسينيات والستينيات المنصرمة، وهي التي برز فيها كمال جنبلاط، كانت «ذروة العروبة»، بحسب تعبير ألبرت الحوراني. كل هذا كان يجعل من الجبل وأبنائه إحدى العقبات التي تقف في وجه حافظ الأسد الطامح إلى بناء نظام لا يُحتَمَل أن يكون فيه إلا رأسٌ واحد، يأمر فيطاع.

كانت إحدى السُّبل، بالإضافة إلى تعزيز أدوات البطش والإفساد، هو اللجوء إلى اللعب على أوتار «الأهلي». يذكر سعدو رافع، وهو أحد أبناء الجبل، أن «النظام كان قد عزز ومنذ مجيئه للسلطة عام 1970 مقولة أن الجبل وأهله قد تعرضوا للغبن الكبير إبان حكم «السنة» منذ لحظة الاستقلال وحتى تاريخه وقد زاد العسف والاضطهاد عليهم خلال ترؤس أديب الشيشكلي «الحموي المولد» للحكم بين عامي 1953 – 1954، والذي قصف مدينة السويداء بالطائرات إثر ثورة الجبل على حكمه»93. وستوفر المواجهات مع الإسلاميين في الثمانينات المنصرمة، فرصة للأسد لتحقيق المزيد من الاختراق، إذ إن اللعب مع الدروز هنا سوف يتم على وترين، الإسلاميون والحمويون. يقول سعدو إنه «خلال أحداث حماة عام 82، لم يوفر النظام وأعوانه جهداً في الجبل لتمرير مقولة أنها شكلٌ من ردع محاولة «السنة الحمويين المتشددين» من العودة إلى السلطة، والتي سيكون أهل الجبل أكبر الخاسرين فيها وفق نظرية الثأر ورد الثأر بين «حموية الشيشكلي» والدروز.»94. ستكون أزمة الثمانينات فرصة كبيرة للأسد لكي يقضي على السياسة ويمهد الأرض أمام حكمه المطلق، فبعد القضاء على الإسلاميين، لم يبقَ أمامه سوى اليسار المعارض له ولسياساته، فكان مصير الآلاف من يساريي سورية السجون والملاحقات، وسيكون لشباب وصبايا الجبل نصيبٌ كبيرٌ في هذه الاعتقالات. كما كانت وفاة سلطان الأطرش في عام 1982 فرصة للأسد لتحقيق المزيد من الاختراق في الجبل. فعمل على التحالف مع بعض النخب، ولا سيما النخب الدينية، ودعمها لكي تكون المرجعية المعتمدة في الجبل. ويروى أن الزيارة الوحيدة التي قام فيها الأسد إلى جبل الدروز، كانت حين وفاة سلطان الأطرش، ليلقي عليه نظرة الوداع في مضافته في قرية القريّا95.

هناك ذكرى بقيت عاملاً مؤرقاً للنظام الذي حاول تأميم ذكراه وسيرته عبر دمجهما في سياق الرواية السلطوية للوطنية السورية، ففي عام 1986، وأثناء إحياء أبناء الجبل ذكرى سلطان الأطرش، «تحولت ذكرى التأبين إلى حركة احتجاج طلابية سرعان ما انتشرت بين الناس وتكللت بمظاهرات كبيرة عمت السويداء ومناطقها، وتحولت إلى مظاهرات مطلبية تتعلق بالاحتياجات اليومية التي لم تكن تتوفر في العموم، بسبب الحصار الاقتصادي الذي عانى منه أهل سورية لسنوات»96.

ستضطلع المرجعية الدينية الممسوكة من قبل الأسد، بدور الوساطة والحوار والتفاوض بين المجتمع الدرزي والنظام، وبرز هذا في عدة مناسبات، آخرها الأحداث التي وقعت في بداية عهد بشار الأسد بين الدروز والبدو، وسنأتي عليها بعد قليل. ومن ناحية أخرى، عمل النظام على إيجاد نخبة مدنية موالية له ولا سيما من العائلات الكبرى، باتباع طرق الإفساد التي كان توزيع المناصب أحدها. عمل النظام على حجب المناصب الأمنية والعسكرية في الجبل عن الدروز، لكنه فتح لهم باب المناصب الإدارية في المؤسسات الحكومية والحزبية. كانت هذه وسيلة تضمن مراقبة الجبل، وفي الوقت نفسه تسعى لإرضائه97. لكن، ومن جهة أخرى، «فقد أهملت السلطات أبناء السويداء ولم تختر محاسيب من بينهم، على عكس ما فعلته في كل المناطق الأخرى تقريباً، ولاسيما مع عرب درعا في حوران، الذين كانوا مقربين من السلطة ومن حزب البعث حتى وقت قريب»98. ويصح هذا على موضوع التنمية أيضاً، إذ «تتميز السويداء، معقل الدروز في سورية، بطبيعة جغرافية صعبة تعتمد على الزراعة البعلية التي لم تلعب دوراً في رفاه أبنائها، إنما زادتهم فقراً وهجرة. ومنذ قدوم الأسد الأب إلى السلطة، لم يتم التعامل مع السويداء بمنطق التنمية المتوازنة. فخلافاً لجارتها درعا، مفجِّرة الثورة السورية عام 2011، فإن السويداء نالت القسط الأضعف في عملية التنمية في سورية على مدار العقود الماضية»99.

كان اعتماد أهل الجبل في تأمين أمور معيشتهم، بالإضافة للزراعة التي لا تكفي، على أموال المغتربين من أبناء الجبل، وعلى وظائف الدولة غير المتوفرة للجميع على كل حال100، لكنها كانت أيضاً أحد مداخل السلطة على الجبل، بحكم كونها رب العمل الوحيد في البلاد. بدوره، كان الجبل أول التحديات التي ستعترض حكم بشار الأسد. إذ لم تكن قد مضت خمسة أشهر على خلافته لأبيه في السلطة، حتى بدأت المواجهات في السويداء بين الدروز والبدو، على خلفية مشكلة متجددة لم تسْعَ السلطة سابقاً لوضع حدٍّ لها، ألا وهي رعي البدو لمواشيهم في الأراضي الزراعية التابعة للدروز. لكنها هذه المرة كانت أكثر حدة بسبب إقدام بعض البدو، وهم مسلحون بمعظمهم، على قتل شاب من السويداء، ثم القيام ببعض الاعتداءات على بعضٍ من شباب الجبل. فما كان من هؤلاء الأخيرين إلا أن اندفعوا باتجاهين، الأول حيال البدو للتصدي لهم أو «الثأر منهم»، والثاني نحو السلطة عبر تسيير مظاهرات كانت في البداية تطالب السلطة بالتدخل ومحاسبة القتلة وحماية المحافظة، قبل أن تنتهي بمظاهرات ضد النظام بعد التعامل الأمني العنيف معها، مما «استدعى» تدخل الجيش بكامل عدته وعتاده لاحقاً، وأدى إلى وقوع قتلى بين الدروز، إضافةً إلى كثيرٍ من الجرحى101. جانب من هبة السويداء7/11/2000: https://www.youtube.com/watch?v=Qsp1_elSzhY&feature=emb_logo
وبالإضافة إلى البطش والتعتيم الإعلامي على أحداث الجبل، كوسائل لمحاصرتها وإطفائها، لم يوفر النظام أيضاً ألعابه القديمة التي تعزف على الوتر الأهلي. يقول سعدو رافع إنه «من المفارقات الغريبة التي مارسها النظام واستساغها أهالي الجبل بسهولة، هو أنه وبعد الأحداث الدامية التي شهدتها محافظة السويداء عام 2000، وقتل وجرح واعتقال العشرات، فإن النظام روّج لشائعة تفيد بأن من أمرَ بإطلاق النار على أبناء السويداء المحتجين هو ضابط (حموي)، وأن الحمويين لم ينسوا ثأرهم لأديب الشيشكلي من أهل الجبل»102.

لم تكد تنتهي أحداث الجبل، إلا واندلعت أحداث لبنان، عبر مطالبة نخب سياسية وثقافية لبنانية بإنهاء الوجود السوري فيه. كان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من بين هؤلاء، وربما كان من أبرزهم وصاحب الخطاب الذي اشتهر بهجائه للنظام السوري ورأسه بشار الأسد. سلّط هذا الأمر الأضواء مجدداً على الجبل، إذ كان النظام يمرُّ بأوقات عصيبة، سيّما بعد اغتيال رفيق الحريري، وكان يتخوف من أي اختراق يمكن أن يحدث في داخل البلاد. لذا، وعدا عن تشديد الرقابة الأمنية على الجبل، سهّل النظام لأنصاره من دروز لبنان القيام باتصالات مع المجتمع الدرزي في الجبل، كطلال أرسلان، وبشكل أكبر وئام وهاب.

بقي أن نقول، إنه ومع بداية عهد بشار الأسد، بدأ ما سُميَّ «ربيع دمشق» الذي أطلقه مثقفون وسياسيون سوريون طامحون للتغيير الديموقراطي، وكان هنالك حضور لافت أيضاً لأبناء الجبل فيه، شباناً ونخباً سياسية وثقافية، في الجامعات والمنتديات والمنظمات الحقوقية. وكذلك عبر الكتابة في الصحف والمشاركة بالاعتصامات والتجمعات، سواء في السويداء أو خارجها، دمشق خصوصاً. ونالهم ما نال باقي السوريين الذين صنعوا هذا «الربيع» من اعتقال وملاحقات وتسريح من الوظائف، أو مضايقات في العمل. هذا يبدو «مفهوماً» تماماً في سلوك نظام يسحق كلَّ اعتراض عليه، وكلَّ «ربيعٍ» محتمَل، على ما سنرى الآن بعد اندلاع الثورة السورية.

رابعاً – في سورية الثورة:

في كتاب «الجيل المُدان»، والصادر عن «رياض الريس للكتب والنشر»، تتحدث ابنة المؤلف منصور الأطرش أنها سألت أباها بعد إنهائه تأليف الكتاب: «هل ستنشر هذا، هنا؟»، فكان يجيبها: «دعيها الآن في الأدراج، وحين يحين وقتها نرى ما يمكن أن نفعل بها!»103. نستهلّ القسم الذي يلقي الضوء على «دروز سورية» بعد الثورة السورية، بهذه الواقعة التي تلخص تعامل الكاتب البعثي «الدرزي» وابن الزعيم التاريخي وقائد الثورة السورية الكبرى، سلطان باشا الأطرش، مع ما تضمنه كتابه من إشارات إلى المسألة الطائفية في سورية. هذا يضيء قليلاً على نمط من أنماط تعامل «النُّخب» السورية مع هذه الإشكالية التي لم يكن ليُتاح النقاش العلني فيها لولا الثورة. وأيضاً، على اعتبار تلك النخب بأن التعاطي مع هذه المسألة خطٌ أحمر. وخصوصاً، أن مؤلف الكتاب الذي ذكرناه أعلاه هو بعثي، بما يعنيه ذلك لدى البعثيين من «غلبةٍ» لما هو قومي على ما هو وطني، و«بالطبع: على ما هو طائفي». «الوطني» مؤقت ومرحلي قبل «إنجاز الوحدة العربية»، والطائفي غير موجود، تناوُله ومقاربته والاعتراف به كحالة هو أمرٌ محرّم، يعلو كعب الإيديولوجيا البعثية عليه.

وإذا كان الاعتراض على منطق الحذر في تناول الواقعة الطائفية لا يستقيم إلا بالنقاش العام حولها في فضاء السياسة والثقافة السوريَّين، فإن ذلك يختلف عن دأب بعض «المثقفين» مناهضةَ التقية والصمت بالكلام الاستسهالي الذي يعطي حكماً على جماعة بشرية بالمجمل وفق مانوية الخير والشر، الثورة والنظام، السنّة والعلويين، الأكثرية والأقليات. ذلك أن الكتابات النمطية، وسورية اليوم أرضٌ خصبة للتنميط والاستسهال، هي في مكان ما منها استراحةٌ من عناء البحث في ظواهر وبُنى تحتاج إلى ما تحتاجه في فهم مقدمات اصطفافاتها اليوم تجاه الصراع في البلاد، الذي يُنذِرُ بتحوله إلى حرب طائفية صَرفة، إذا لم يوضع حدٌّ له. عموماً، كانت التقية والحذر في مقاربة المسألة الطائفية راسخة في أرض الثقافة والسياسة السوريتَين، قبل أن يتخذ الصراع في البلاد منحىً صارت المجازر والتطهير على أساس الانتماء إلى طائفة كثيرةً جداً فيه، بحيث يكون تكريس «الطابع السياسي» المفترَض للصراع اليوم حكراً على نخب منفصلة عن الواقع، تختزل الكارثة السورية وآفاق حلها بصناديق الاقتراع مثلاً، في ظل بقاء النظام لدى البعض، وفي ظل التخفيف من غول الإسلام الحربي واعتباره «طارئاً» لدى البعض الآخر، بالرغم من أنه يُطبِق على مناطق واسعة من البلاد اليوم.

هكذا، كان من النادر أن يقع المهتم على أبحاث ودراسات سورية تعنى بتناول سورية من حيث اجتماعياتها أو مكوناتها الثقافية والسياسية والاجتماعية، لأسباب كثيرة منها ما يعود إلى أن ذلك كان أحد المحرمات السلطوية، ومنها ما يعود إلى حساسيات إيديولوجية وسياسية اشتهرت بها نخب ثقافية وسياسية (حتى المعارِضة منها)، كانت مشدودة إلى مفردات التقدم والتنوير ونموذج الدولة المركزية القوية والصاهرة لمكوناتها. ولذلك، تعفّفت تلك النخب عن مقاربة هذه المكونات اعتقاداً منها أن تلك المقاربة تساهم في تكريس وشرعنة الموضوع المطروح!

خرج إسلاميون عن هذا الترتيب، وتناولوا المجتمعات ومكوناتها، لكنهم فعلوا ذلك عبر قنوات أيديولوجية تهدف إلى تكريس هذا التنوع بوصفه حقيقةً خالدة ووحيدة لهذا المجتمع، وبحيث يساعد في النهاية على استنتاج أنه يتكون من أكثرية وأقليات، وأن أي ترتيب سلطوي لا يفضي إلى سيادة هذه الأكثرية هو «اغتصاب لحقوقها». كان هذا هو جوهر الخطاب السياسي لهؤلاء الإسلاميين الذين يسعون إلى السلطة، بوصفهم المعبرين عن هذه الأكثرية والمدافعين عن هويتها وحقوقها!

واستطراداً، فإن المجتمع السوري لا يزال منقسماً اليوم بعد حوالي 6 أعوام على انطلاق الثورة ضد النظام، بما يلوح حرباً تبدو الطائفية واحدة من محمولاتها، والمرجح أنها ستستمر لفترة طويلة. إن الصراع في بعده الأهلي اليوم، لا يختزل في خانة الطوائف والطائفية كما تحاول بعض الجهات المنخرطة في الصراع أو المتابعة له القول، بل إن ثمة مستويات أخرى من الانقسام طالت حتى أبناء المجتمعات المحلية ذات المرجعيات الأهلية الواحدة أو المتقاربة، وقد ساهم في هذا، ذلك الحضور الاقليمي والدولي على الساحة السورية، الذي اختار أبواباً أهلية لاختراق هذه الساحة، عبر التمويل والتسليح والإعلام، فغدا لكل دولة جماعات وتنظيمات، والنظام الأسدي أبرز هذه الجماعات والتنظيمات الملحقة بجهات دولية وإقليمية. لا يعني هذا أن الأهلي والدولي يلخصان المشهد السوري وانقساماته الآن، فهذا الأخير يبقى أشد تعقيداً، إضافة إلى أن انقساماً ذا طبيعة سياسية وحقوقية لا يزال قائماً حتى الآن، وهو ذلك الذي تبلور منذ بدايات الثورة ضد طغيان النظام.

الثورة و«مفاضلات القمع»، أكثرية وأقليات:

بالعموم، كان للتوزع الديموغرافي للطوائف في سورية على امتداد الرقعة الجغرافية للبلد، ونسبة كل طائفة في منطقتها وعلاقتها مع الطوائف الأخرى في المناطق غير المتجانسة طائفياً، كان لذلك أثره في درجة علاقة تلك المكونات مع الحدث السوري ودرجة ونوعية انخراطها فيه، في الطور السِّلمي للثورة ثم الطور العسكري وما تلاه من تمرّحلات تبدو مفتوحة. لم يكن «السنّة» هم الحامل الاجتماعي الوحيد للثورة السورية ومطالبها بالطبع، ولكنهم شكّلوا الأغلبية العددية فيها بحكم الوزن الديموغرافي لهم من ضمن مكونات الشعب السوري. وكانت أكثرية المناطق الثائرة والمعروفة مجازاً بــ «النقاط الساخنة» في البلاد هي، موضوعياً، مناطق سنّية. وإذا كان قرار القمع واستخدام الحل الأمني – العسكري لقمع الانتفاضة قد اتخذ منذ اليوم الأول لاشتعالها في درعا «آذار 2011»، فإن القمع الذي ألحقه نظام الأسد بعموم السوريين الثائرين لم يكن يُوزَّع بالتساوي عليهم. وبدا، أن التوزع والهوية الطائفية للمناطق المحتجّة على النظام يلعبان دوراً في هذا التمييز. إلحاق الموت «النوعي» بالسوريين المنتفضين وبذات الدرجة منه، يفترض اعترافاً من النظام بوجود قاسم مشترك بين هؤلاء السوريين جميعاً على كافة انتماءاتهم الإثنية والطائفية، وبوجود «قضية وطنية عامّة» هي التي فرضت الاعتراض على النظام. وعليه، لم تشهد مناطق الأقليات التي انخرطت في الثورة بدرجات متفاوتة مثل السويداء والسلَمية (ذات الأغلبية الإسماعيلية، والتي خرجت فيها مظاهرات بجموع كبيرة في الأشهر الأولى للثورة، واحتضنت عملاً إغاثياً وإنسانياً ومدنياً مناهضاً للنظام)، لم تشهد انتقاماً منها بالدرجة ذاتها التي قصفت فيها مدنٌ غيرها بالمدافع والأسلحة الثقيلة، وسقط في تظاهرات تلك المدن المئات من الشهداء برصاص القناصات. ذلك أن دحض «الهوية السورية» التي تبنتها الثورة بشعاراتها في البدايات لن يتم، من قبل النظام، إلا بافتراض «الحرب على الإرهاب» و«مواجهة التكفيريين والعصابات الإرهابية المسلحة» و«السلفيين والتطرف الديني المدعوم من قوى خارجية». وغنيٌ عن القول، إن «مواجهة التكفيريين» هي مما لا يستدعيه قصف وحصار مناطق الأقليات التي انتفضت شرائح اجتماعية فيها ضد نظام الأسد، بل مناطق ذات هوية طائفية يسهل نسبُ «الإرهاب والتكفيريين» إليها، وفقاً لمنطق الاستسهال ذاته.

من هذه اللوحة العمومية لقراءة الفرز الطائفي في سورية وبداياته «من جانب النظام في البداية»، سننطلق إلى داخل مدينة السويداء لقراءة ودراسة الحِراك الذي شهدته: مقدماته، ظروفه، الوضع الاجتماعي وانجداله مع الطائفي ضمن الطائفة الدرزية الواحدة، والعلاقة مع المركّب السني المحيط بالمدينة التي تعدُّ معقل الدروز في سورية، والتحولات التي طرأت على المدينة من كافة النواحي وفقاً لتأثرها بالداخل وبالمحيط، ونتائج بروز ونمو التطرف الديني المعارض في البلاد، في سيرورة ترصد الحال منذ البدايات وحتى اليوم.

حراك البدايات، والعلاقة مع الجوار:

كانت درعا هي العلامة والرمز الفارق للمدن التي انتفضت في بدايات الثورة، أو شاركت في الحراك منذ بداياته، وحازت درعا حضوراً لافتاً في هتافات وشعارات الشهرَين الأولَين للثورة السورية، ودخلت مدينة السويداء في سياق الحراك على أرضية التضامن مع درعا في البداية «أي مع المحافظة الجارة واللصيقة لها لناحية الامتداد الجغرافي والإداري». واعتصم محامون من أبناء السويداء أمام «نقابة المحامين» فيها بتاريخ 27/3/2011، رافعين لافتات «كلنا درعا»، وهاتفين «يا درعا نحنا معاكِ للموت». ودعا بيان المحامين إلى «رفْع الطوق الأمني المفروض على مدينة درعا، والتحقيق الجاد والشفاف في الحوادث التي ترافقت مع إطلاق الرصاص الحيّ على المواطنين العزّل؛ السماح لوسائل الإعلام كافة بممارسة دورها بما يتلاءم وحرية الإعلام. رفْع حالة الطوارئ والأحكام العرفية وإلغاء المحاكم الاستثنائية، وكفالة الحق الدستوري بالتظاهر السلمي؛ إصدار العفو الخاص عن معتقلي الرأي كافة؛ تحديد صلاحيات الأجهزة الأمنية، وإلغاء رقابتها على التعيينات للوظائف العامة؛ وتشكيل لجان قانونية ومهنية متخصصة لإعادة النظر بالقوانين التي تخالف المبادئ والأعراف الدستورية ليصار إلى إلغائها أو تعديلها.»104.

انطلقت بعد ذلك عدة مظاهرات، تطالب بالحريات العامة وفكّ الحصار عن المدن المحاصرة، وصولاً إلى مظاهرة شهبا لــ«نصرة حماة في 4-8-2011 »، والتي بدأت هتافاتها بــ «واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد»، ولم تنتهِ مع «بالروح، بالدم، نفديك يا حماة». https://www.youtube.com/watch?v=DFGtNBkMmy8&feature=emb_logo
وقبل ذلك، وفي 25 آذار عام 2011، انطلقت مظاهرة في مدينة صلخد تنديداً بالطريقة الوحشية التي جابه فيها النظام أهل درعا الثائرين، و«تعرضت المظاهرة للقمع من قبل (الشبيحة المحليين) تحت مرأى قوى أمن النظام»105.

بدا النظام مربكاً أمام هذا النوع من الحراك، فهو لم يستجب للمطالب التي اتخذت بُعداً سورية عاماً، ولم تتخذ بُعداً مناطقياً يتعلق بالسويداء حصراً. واستمر في استعمال القوة ضد مدينة درعا وريفها المنتتفض، بالتزامن مع انخراط شرائح وفئات اجتماعية من مختلف الطبقات والانتماءات في العمل الثوري. وشكّل التظاهر أساس الاحتجاج والاعتراض على النظام آنذاك. مصدرُ الإرباك الذي انتاب النظام كان حول كيفية «تطويق الأزمة» دون أن يستنهض ضده مزيداً من الفئات التي بدأ يسوّق نفسه حامياً لها من «الخطر التكفيري» المفتَرض حينها، وهي «الأقليات».

بالتزامن مع إطلاق القبضة الحديدية للجيش والأمن في درعا، كان النظام يمارس «عنفاً مقنناً» في السويداء، وجرت ملاحقاتٌ واعتقالاتٌ للناشطين في السويداء، كما حدث في 19/7/2011 في وقفة احتجاجية أُخرى أمام نقابة المحامين، شاركت فيها فعاليات نقابية من غير المحامين أيضاً، وناشطون بارزون في المدينة، وقوبلت تلك الوقفة باستعمال القوة من قبل الأجهزة الأمنية للنظام بهدف فضّ الاعتصام، «ما أوقع العديد من الإصابات في صفوف المشاركين لا سيما المحامين والأطباء. فسجّل محامو السويداء مجدداً موقفهم المتسارع، وأعلنوا اعتصاماً مفتوحاً بتاريخ 21/7/2011، مطالِبين النقابة بحماية أعضائها ومطالبهم السِّلمية المشروعة ووقف الحملة الأمنية الشرسة على الاحتجاجات السلمية، ليظلّ الاعتصام يومها صامداً حوالي ثمان ساعات متواصلة، وليتم بعدها فضّ الاحتجاج بعد وعود من ممثلي النظام في المحافظة، وتوافد الأمن والشبيحة للمكان محاولين إحراق النقابة»106. وجاء في بيان الفعاليات النقابية والعامة المذكور آنفاً:

نحن تجمع النقابيين والفعاليات العامة في محافظة السويداء: محامين، مهندسين، وأطباء، وأطباء الأسنان، الصيادلة، مدرسين وكتاب وتجار وفعاليات عامة أخرى.

أهلنا الاعزاء في سورية الغالية:

سورية حضارة الـ 5000 عام، سورية الأبجدية. سورية الكنائس والمساجد جنباً الى جنب. سورية في البدء كانت الكلمة، ولا فرق بين عربي أو أعجمي وأبيض وأسود. سورية أولى البلدان التي عرف أبناؤها التجارة وركبوا البحار، ومن سهول حوران عرف القمح وأصبح غذاء لمعظم أبناء البشرية.

سورية الأكثرية بكل مكوناتها وإثنياتها وطوائفها وأطيافها، وكل واحد منها هو جزء من الأكثرية وليس جزءً من طائفة أو مكون ما. ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً. من هنا من سويدائكم الأبية نعلن ما يلي:

1- نرى مستقبل سورية في دولة تعددية مدنية ديموقراطية عنوانها سيادة القانون، تعمل على الحفاظ على السلم الأهلي وتكريس مبدأ التسامح.

2- تفكيك الدولة الأمنية وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، بما يتوافق مع حرية وكرامة المواطن والحفاظ على الوطن وهيبته، وكفّ يد الأجهزة الأمنية فوراً عن الاعتقال الكيفي، والإفراج عن معتقلي الرأي.

3- نرفض الفتنة الطائفية، ونعلن أن من يعمل بمنظار طائفي هو قاتل للحرية والوحدة والوطنية التي يطالب بها الشعب السوري.

3- نرفض القتل والعنف بحق المتظاهرين السلميين، ونؤيد الحراك الشعبي السلمي المحقق والمشروع للمطالبة بالحرية والكرامة التي يبتغيها الشعب السوري.

4- سحب الجيش والمظاهر المسلحة كافة من الشوارع والمدن السورية.

5- نرفض التدخل الخارجي.

6- نرفض الفوضى المتمثلة بحالة الانفلات الأمني والقانوني في محافظة السويداء خاصة، وذلك بالتغاضي عن العصابات المسمّاة باللجان الشعبية، والمؤلفة من أفراد من الأهالي المعروفين بسوء أخلاقهم وخلفيتهم الجرمية والمنتشرين في شوارع المدينة، مسلحين بأدوات قاتلة تستهدف المواطنين العزّل والمتظاهرين السلميين، والأملاك الخاصة على مرأى ومسمع الضابطة العدلية والفروع الأمنية، مما يجعل المسؤولية تقع على عاتق السيد المحافظ والنائب العام وأمين الحزب بالسويداء.

وإننا نرى إن أولى مهام الدولة المدنية هي الحفاظ على الأمن لأن ذلك من صلب سيادتها، وهذا يستوجب عدم إيلاء تلك المهمة إلى الخارجين عن القانون (البلطجية). فالدولة هي التي تحتكر تحقيق الأمن لكل أبناء الشعب السوري وفق الأصول القانونية والدستورية.  السويداء 19-07-2011

بعد التظاهرات ووقفات التضامن التي شهدتها السويداء تجاه المدن السورية المنتفضة، والتي تتعرض لعنف منقطع النظير على يد النظام وعلى رأسها مدينة درعا وريفها، اتخذ التضامن شكلاً آخر من دون أن تتوقف التظاهرات أو الوقفات والاعتصامات، وحملات الاعتقال في صفوف ناشطي المدينة، وذلك بالتزامن مع بداية موجة النزوح إلى السويداء من الجارة الغربية «درعا».

النزوح إلى المدن والمناطق الأقل سخونة كان ملحوظاً في أكثر من منطقة سورية، وربما يمكن تشبيه نزوح أهل درعا وريفها إلى السويداء، بنزوح أهل حماة وريفها إلى السلَمية التي كان العنف في بدايات الثورة فيها مقتصراً على حملات اعتقال وملاحقة، تبعاً لطريقة تعامل النظام أساساً مع مدن الأقليات لأسباب ورد ذكرها أعلاه. إلا أن سيرورة النزوح وانعكاساته الداخلية في السويداء لم تكن على خير ما يرام.

منطقياً، سيقع استقبال النازحين من درعا إلى السويداء والذين «بلغ عددهم 7000 نازح»107، على عاتق المعارضة وناشطيها وفعالياتها في المدينة، وأعلن الناشطون في السويداء جاهزيتهم لاستقبال الهاربين من بطش النظام وعنفه في درعا. لكن رأياً آخر في المجتمع الدرزي تجاه هذه المسألة بدأ يظهر مباشرة بعد بدء عملية النزوح إياها.

الغيتو المغلق للطائفة الدرزية تجاه الطوائف الأخرى، ممثلاً بمشايخها ومرجعياتها الروحية، سيلقي بظلاله على الجموع الوافدة إلى جبل العرب، وستتحول تلك المرجعيات الروحية إلى مرجعيات لها القرار الفصل في الفرز الداخلي في المدينة تجاه الثورة المندلعة في سورية عموماً على ما سنرى بعد قليل. وانجدل ذلك مع الضخ الإعلامي لآلة النظام الإعلامية الرسمية والشعبية في التخويف من «الخطر التكفيري»، و«أولوية محاربة الإرهاب» في ظل تسويق هذا النظام نفسه قائداً لهذه المعركة ولــ «المنافحة والدفاع عن الأقليات». كل ذلك وجد أرضاً خصبة له في بيئة وشرائح جاهزة لتلقف هذه السرديات التي تجعل الخوف من الآخر ماثلاً أمامها. يجدر التذكير هنا أن فئات موالية للنظام أيضاً كانت جزءً من عملية استقبال واستضافة اللاجئين من درعا وريفها.

«ومع بداية نزوح الأهالي من درعا هرباً من قتل وتنكيل النظام السوري، أعلن (معارضو السويداء) السويداءَ مضافةً لأهالي درعا، وقام الناشطون باستقبال الأهالي النازحين وتأمين المأوى والحاجات الضرورية لهم. وبعدها، قام بعض ناشطي السويداء بإيصال الطعام والدواء للأهالي المحاصرين في محافظة درعا، وتحديداً الحراك وبصرى الشام والغارية وغيرها من القرى المنكوبة، ليؤكدوا على وحدة الشعب السوري وأنه لا يقبل القسمة والتفرقة، ولضرب استراتيجية النظام في تحييد السويداء، معلنين في نشاطهم هذا نبذ الطائفية والمناطقية، وأن الثورة السورية ثورة لكل السوريين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية أو العرقية.»108.

العسكرة على تخوم السويداء:

الاحتكاك «الدرزي» مع درعا لم يتخذ طابعاً إنسانياً فقط، كما رأينا في حالة التعامل مع قضية النزوح إلى السويداء وريفها، ولا طابعاً ثورياً محضاً بالطبع كما في الحراك الذي شهده جبل العرب ضد النظام السوري، والذي كان التضامن مع درعا في البدايات متنه ورافعة خطابه السياسي والإنساني. ذلك أن تمرحلات الصراع في سورية وتحوله من الطور السلمي إلى الطور العسكري وما تبعه من أطوار وتحولات، وبنى جديدة انتصبت وصارت أشبه بـ «قوى الأمر الواقع»، وخصوصاً في المناطق التي شهدت وتلقّت عنفاً منقطع النظير من نظام الأسد وحلفائه، كل ذلك لا بد أن يلقي بظلاله على كل البلاد بما فيها المناطق التي تصنف وفق المعيار الكلاسيكي لسير المعارك العسكرية في سورية بــ«المناطق المستقرة»، وهي مناطق الأقليات بالدرجة الأولى. وللتدليل على ذلك سنقوم برصد حالتين ومعركتين كانتا بين المعارضة المسلحة في درعا وقوات النظام والميليشيات الداعمة له والمتحالفة معه، وكانت السويداء في قلب هاتين المعركتين بمعنىً ما، وهاتان المعركتان هما: «معركة مطار الثعلة العسكري» و«قادسية بصرى».

معركة السيطرة على مطار الثعلة:

في مطلع حزيران/ يونيو 2015، اتخذت «الجبهة الجنوبية» ممثلة بفصائل من المعارضة المسلحة المعتدلة قرارها ببدء معركة السيطرة على «مطار الثعلة العسكري»، وهو مطار يقع في الريف الغربي لمحافظة السويداء. وشارك مقاتلون من مدينة السويداء وريفها «بلغ عددهم الــ 400 مقاتل»109، ينتمون إلى ميليشيات النظام في القتال إلى جانب قوات هذا الأخير في المعركة، وهي «ميليشيات (حماة الديار) وتتبع لابن شيخ عقل سابق مدعوم من النظام وأطراف درزية لبنانية، كما شاركت ميليشيا (الحزب السوري القومي الاجتماعي) في المعركة وسقط لها قتلى، وهي مدعومة من النظام ومن جناح الحزب اللبناني»110.

حاول مقاتلو المعارضة المسلحة تحييد السويداء عن المعركة، وخيروا الدروز بين انتزاع المطار من قبضة قوات النظام، أو الوقوف على الحياد في المعركة. وقال الناطق الرسمي باسم (الجبهة الجنوبية) الرائد عصام الريس في حديث إلى هيئة الإذاعة البريطانية/BBC إنه: «لم يحدث سابقاً أن تعرضت أية قرية من قرى أهلنا الدروز لقصف من قبل الجيش السوري الحر، بل إن النظام هو من سحب جيشه من قرى شرق السويداء ويسمح لداعش باستلام تلك القرى والاستقرار فيها. الجبهة الجنوبية هي من تقف بوجه داعش، وقتلى داعش هم على يد فصائل الجبهة الجنوبية… إن من يحمي شرق السويداء هو الجيش الحر، ولا توجد أية نوايا لدخول السويداء أو المناطق الآمنة من قبل الجبهة الجنوبية.. إن الهجوم على مطار أو ثكنة عسكرية فيها مجرمون يلقون البراميل على المدنيين هو عمل وأمر مشروع. العمل بالنهاية هو باتجاه دمشق، ولكننا لن نسمح ببقاء مطار موجود للنظام تخرج منه الطائرات لكي تؤمّن غطاء جوياً لقوات النظام، أو تلقي براميل على المدنيين»111.

من جهة ثانية، نشر «مركز السويداء الإعلامي» على صفحته في فيسبوك، البيان التالي الصادر عن «الجبهة الجنوبية»:

إلى أهلنا بني معروف في جبل العرب وفي سائر المناطق السورية

بيان صادر عن الجبهة الجنوبية

إن القيادة المشتركة للجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر تدين بشدة محاولات النظام الآثمة لزرع الفتنة بين أطياف المجتمع السوري، وخصوصاً بين محافظتي درعا والسويداء الجارتين بهدف إشعال فتيل التوتر الطائفي؛ خصوصاً بعد الهزائم التي يتعرض لها النظام مؤخراً على جبهات الجنوب السوري.

تدين الجبهة الجنوبية بشدة عمليات قصف المناطق المدنية عموماً، ومنها قصف مدينة السويداء بقذائف الهاون الذي حدث اليوم، وتعتبر هذا القصف الآثم جزءاً من لعبة النظام لتخويف أبناء السويداء ولعزلهم عن محيطهم الحيوي في الجنوب السوري. ونؤكد أن أبناء السويداء هم أخوتنا وأهلنا، وأننا لم ولن نقاتلهم، وأننا سنكون معهم يداً بيد بمواجهة جميع المخاطر التي تهدد محافظة السويداء في حال طلبوا منا ذلك.

كما تؤكد الجبهة الجنوبية على الجهود التي تبذلها في مواجهة خطر داعش على محافظة السويداء، وتمد يدها للأهل والأخوة في محافظة السويداء وفي جميع المناطق السورية من أجل مواجهة خطر داعش.

وكذلك، فإن الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر تدين بأقسى العبارات المجزرة المروعة التي تعرض لها أهلنا في قرية قلب لوزة في محافظة إدلب على يد جبهة النصرة، وتعتبرها جريمة بحق العيش المشترك والمستقبل السوري عموماً. وتعلن استعدادها للقيام بدور فعال لحماية القرى الدرزية في محافظة إدلب كخطوة إضافية على طريق حماية الغنى والتنوع السوري.

ستتابع الجبهة الجنوبية جهودها الحثيثة لإنهاء ملف المخطوفين في جميع مناطق تواجد تشكيلاتها، ولا سيما في درعا والسويداء. كما تؤكد على جهودها الدائمة في حماية الأراضي الزراعية في قرى السويداء الغربية من أجل تأمين هذه المناطق خلال موسم الحصاد. عاشت سورية حرة أبية

                             المتحدث الرسمي للجبهة الجنوبية/ الجيش السوري الحر.

جاء هذا البيان بعد قيام ميليشيات النظام باختطاف مجموعة من البدو بتهمة إطلاق قذائف الهاون، ومقتل 3 من البدو المعتقلين، الأمر الذي «أدى إلى حالة أثارت حالة من الرعب، بين عشائر البدو التي تقطن أطراف مدينة السويداء الشمالية والشرقية، وتسبب في نزوح جماعي إلى ريف درعا»112. وتلا تلك الحادثة إصدار مشايخ الكرامة بقيادة الشيخ وحيد البلعوس بياناً أعلن فيه أن «رئيس فرع الأمن العسكري في محافظة السويداء العميد وفيق ناصر أصبح مطلوباً»، مطالباً أهالي السويداء بـ«الاستنفار والجهوزية الكاملة من أجل التصدي لكل طارئ، ومراقبة كافة مداخل و مخارج و طرقات المحافظة، والاعتقال مدنياً لرئيس فرع الأمن العسكري في السويداء المدعو وفيق ناصر، ومحاسبته على مخططات الفتنة التي كان وما زال يقوم بها ويعمل على تأجيجها»، في اتهام مباشر للعميد ناصر بالوقوف وراء قذائف الهاون التي سقطت على المدينة113.

معركة «قادسية بصرى»:

بعد فشل «الجيش الحر» والفصائل الإسلامية في اقتحام «بصرى الشام» لأكثر من مرة عبر محوري جمرين ومعربة، بات واضحاً أن السويداء ستكون معنية بعملية اقتحام المنطقة التابعة لمحافظة درعا ولن تكون في منأى عنها. فقد «بات واضحاً أن اقتحام بصرى الشام لن يكون إلا من ثلاثة محاور هي: (جمرين، صماد، معربة) وهي محاور تتداخل بأراضيها مع قرى: (بكّا، ذيبين، برد) التابعة لمحافظة السويداء114. وعليه، ومع تسلل مجموعة تابعة لــ«الجيش الحر» إلى قرية صماد، بدأ النظام بتسويق إشاعات مفادها أن المستهدف من العملية هو محافظة ومدينة السويداء.

«تسللت مجموعة من الجيش الحر إلى قرية صماد، وفصلوا بينها وبين الحواجز التي تتموضع في قرى السويداء المجاورة لصماد وبصرى؛ مع العلم أن المسافة لا تتجاوز 3 كيلومتر خط نظر. عندها بدأت قوات النظام تسوّق إشاعة مفادها: أن المسلحين يريدون اقتحام محافظة السويداء، على الرغم من علمها أن بصرى الشام هي المستهدفة وليست السويداء»115. «وفي اليوم التالي جاءت ستة باصات من دمشق ليلاً تحمل ميليشيات شيعية، ووقفت عند مبنى المحافظة في السويداء، وبعدها انطلقت باتجاه بصرى من حاجز «بُرد». وقبل أن تصل القافلة، قام الجيش الحر باستهداف أول باصين بصواريخ موجهة دمرتهم تدميراً كاملاً، ونُقل إلى مشفى السويداء أكثر من خمسين جثةً جراء ذلك وسط حالة من الفوضى والذعر»116. نتيجة المعركة لم تكن في صالح نظام الأسد والميليشيات الطائفية المقاتلة معه، لكنها حملت في المقابل إشارة كبيرة إلى سهولة استثمار الطائفي والاجتماعي من قبل النظام كورقة يمكن اللعب عليها في صفوف الأقليات، ممثلين بالدروز هنا، في إطار حربه ومعاركه مع المعارضة المسلّحة.

مشايخ الكرامة:

في «الانتخابات الرئاسية» التي حصلت في عام 2014، وفاز فيها بشار حافظ الأسد في مواجهة مرشحين مؤيدين له، هاجم «رجال الكرامة» في السويداء إحدى الخيم التي ضمت ناخبين مؤيدين للأسد، وشبيحة ورجالاً من مسؤولي الحزب والنظام، وقاموا بضرب من في الخيمة على خلفية السخرية والاستغلال اللذين قام بهما موالو الأسد داخل الخيمة لامرأة كبيرة في السن تعاني من مرض عقلي، وإجبارها على الرقص بالزي الدرزي التقليدي.

هذا الهجوم والصِّدام أدى إلى قيام النظام باعتقال أحد مشايخ الكرامة، وتلا ذلك تظاهرات بالسلاح من قبل مؤيدي الشيخ وحيد البلعوس مطالبةً بإقالة العميد وفيق ناصر. على إثر ذلك، تم الإفراج عن الشيخ المعتقل.

مرة ثانية، «تدخّل حشد من (الأجاويد) من جماعة الشيخ وحيد البعلوس بأسلحتهم الخفيفة، لمنع دورية تابعة للأمن الجنائي من اعتقال شاب في قرية (الرحى) بعد تطويق منزله، على خلفية حادثة خطف شبان من آل الحريري في درعا رداً على اختطاف شاب من السويداء من قبل مجموعة مسلحة طلبت فدية قدرها 10 ملايين ليرة سورية». وكانت نتيجة هذا الصدام أن «عدداً من المشايخ قاموا بمحاصرة الدورية وتحذير رئيسها من اقتحام منزل ذوي المطلوب. ردّ الضابط عليهم بنبرة تحدٍّ متلفظاً بكلام استفزازي، فما كان من الشيخ البلعوس إلا أن قام بصفع الضابط صفعةً قويةً، وتبع ذلك إطلاق الأعيرة النارية، وتم طرد الدورية وسط توعد عناصرها ورئيسها بالانتقام»117.

وفي 22 حزيران 2015، أصدر «مشايخ الكرامة» البيان التالي:

بِسْم الله الرحمن الرحيم

«واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا» صدق الله العظيم

يا أبناء شعبنا الأبي

أبناء جبل العرب الأشم

عشائر السويداء الكرام

شهدت محافظة السويداء في الأيام القليلة الماضية، جملة من الأحداث المؤلمة، تمثلت بسقوط عدد من قذائف الهاون على المدينة، وترويع سكانها الآمنين واستشهاد وجرح الأبرياء، فسارعت العديد من الأوساط المشبوهة بإلقاء تهمة إطلاق الهاون وتحميلها لـ (البدو)، سكان شرق وشمال مدينة السويداء بمنطقتي (المقوس – المشورب)، في مسعى لإثارة الذعر وإيقاظ الفتة بين أهالي الجبل خدمةً لأهداف خبيثة بات من يقف ورائها بعلم الجميع.

وإمعاناً بإضرام نار الفتة، تم احتجاز وتعذيب ومن ثم تصفية ثلاثة شبان من البدو (المشورب)، كانت قد احتجزتهم عناصر ميليشيا محلية، تتلقى تعليماتها من الأجهزة الأمنية. ثم قام الأمن العسكري بتسليم الجثامين التي تعرضت للتعذيب والتشويه والتمثيل إلى ذوي المغدورين، ملقياً بالاتهام على عناصر تلك المليشيا المحلية، ومطالباً ذوي المغدورين بعدم فتح التوابيت، الأمر الذي رفع درجة الغضب وأيقظ الفتنة. وأمام تقاعس الجهات الرسمية والاجتماعية عن معالجة الحدث، سارع أهالي المغدورين إلى الرحيل من منازلهم في حركة لا تخلو من مشاعر الخوف والرغبة بالانتقام والثأر. فسادت البلبلة شارع المحافظة ومشاعر الحزن والقلق من تدهور مفاجئ أو تصعيد لا يرغب به الأهالي والشرفاء. وعليه، فإن رجال الكرامة والمثقفين من القوى الوطنية والاجتماعية في الجبل الذين اجتمعوا لمعالجة المسألة وتداعياتها توصلوا الى ما يلي:  •إدانة واستنكار تلك الجريمة البشعة المرتكبة بأشد عبارات الاستنكار، الجريمة التي تتنافى مع تقاليدنا وأعرافنا وتاريخنا. • تحميل مسؤولية ما حصل من قصف الهاون ومصرع الضحايا للجنة الأمنية وأجهزتها وميليشياتها. • الدعوة لوقف تجاوزات المليشيات المنفلتة من عقالها والعابثة باستقرار الأهالي وأمنهم. • أن أهلنا البدو هم مواطنون أصليون وجزء أساسي من نسيج الجبل الاجتماعي، ولا نقبل برحيلهم أو المساس بأمنهم وحقوقهم وكرامتهم، لهم ما لنا وعليهم ما علينا. • تكليف لجنة أهلية مفوضة من العقلاء ورجال قانون من الدروز والبدو لفتح تحقيق شفاف ونزيه للكشف عن ملابسات الجريمة النكراء، وتقديم الجناة الى قصاص عادل ضمن التقاليد والأعراف. • أن «رجال الكرامة» وشرفاء جبل العرب يوجهون من خلال هذا البيان النداء العاجل لأهلنا البدو بوقف كل أشكال الترحيل ومغادرة أسرهم لمساكنهم والعودة إليها مطمئنين آمنين مكرمين. • نتقدم من أهالي المغدورين بأحرّ التعازي ونشاركهم المصاب الجلل، كما وندعو إلى التعقل والتعاون والاحتكام إلى العدالة التي ستأخذ مجراها وفق القوانين والأعراف، أياً كان الجناة. • أن الواجب الوطني في وأد الفتنة وحقن الدماء والصفح هو مهمة الجميع، وهي من شيم الكرام الذين تقبلوا وسلموا لقضاء الله عندما تعرضوا للنوائب وقطع الرأس لأبناء «آل ركاب» و«آل القنطار»، وكل ذوي الشهداء، والذين إن أصابتهم مصيبة قالوا «إنا لله وإنا إليه راجعون».

الدين لله والوطن للجميع:

بدأ صوت «مشايخ الكرامة» يعلو في مواجهة قوة الأمر الواقع في السويداء، أي النظام، ورغم أنها ابتدأت على شكل حركة إصلاحية «تدعو للإصلاح ومحاربة الفساد، وتنظيف المحافظة منه»، إلا أنها «اصطدمت مباشرة مع مؤسسة «مشيخة العقل» التي رأت فيهم خطراً مباشراً على إرثها التاريخي، وموقع الزعامة الدنيوي (الجسماني) الذي تحظى به. (مشيخة العقل) كانت قد أصدرت حرماً دينياً، مطلع العام 2014، يقضي بإبعاد البلعوس وجماعته، بعدما تسرب مقطع مصور، يُهاجم فيه البلعوس الرئيس بشار الأسد. المشيخة الرسمية المُحابية عموماً للنظام و(الاستقرار)، عادت وتراجعت عن الحرم، تحت ضغط القواعد الدينية والشعبية. لكن أتباع البلعوس، وضعوا نصب أعينهم، ذلك الفرق بين (العقل والكرامة)، و(عندما يغيب العقل لا يبقى سوى الكرامة)، كما يظهر في شعاراتهم»118.

كالعادة، كان هناك تبرير ورواية جاهزة لدى النظام وإعلامه في مثل هذه الحالات، حيث تم «تداول قصة وافد أبو ترابي، ومسؤوليته المزعومة مع ثلاثة آخرين من أبناء المحافظة، عن الإعداد للتفجير وتنفيذه. مصادر مقرّبة من الحركة تؤكد بأنهم لم يحققوا مع وافد أبو ترابي بعد… وقام أحد قادة الحركة وهو الشيخ يحيى النجار بتسليمه إلى الشيخ نزيه جربوع المقرّب من النظام، مساء اليوم الذي شهد التفجير، ليتفاجأ الجميع بظهوره لاحقاً في إعلام السلطة، متبرعاً بإعلان مسؤوليته عن الجريمة». والجدير بالذكر «أن الأمن العسكري أو سواه من الأجهزة الأمنية لم تعتقل شركاء أبو ترابي، الحسين، وأبو محمود، وهما لا يزالان طليقين في قرية المزرعة. وكأن النظام بذلك يترك الفاعلين المقترحين أحراراً في قرية الضحيّة، وتحت أيدي جماعته، لعلّهم يأخذون بالثأر، وتنتهي الحكاية هنا، وإلا فما هو مبرر بقائهما طليقين!!»119.في أيلول 2015، اغتيل الشيخ أبو فهد، وحيد البلعوس، في تفجير استهدف موكبه وتسبب في مقتله ومقتل الشيخ فادي نعيم، قائد «بيرق آل نعيم». ودخلت السويداء في حال من الغليان والغضب الشعبي الذي انتشر خصوصاً في الأوساط المعارضة للنظام والقريبة والمتعاطفة مع خطاب حركة «مشايخ الكرامة». توجهت الاتهامات مباشرة إلى النظام السوري «ممثلاً بالعميد وفيق ناصر» في تنفيذ الاغتيال، لِما بات للشيخ البلعوس وحركة «مشايخ الكرامة» من حضور قوي في الأوساط الدرزية كمرجعية مناهضة لمرجعيات النظام ومشايخه.

شبح الجهاديين إذ يستحيل واقعاً، «مجزرة قلب لوزة»:

في 10 حزيران/ يونيو 2015، أقدمت مجموعة «الأمير التونسي» التابعة لــ «جبهة النصرة» على قتل 24 مدنياً درزياً من سكان قرية قلب لوزة، وهي إحدى القرى الدرزية في ريف إدلب، وذلك «نتيجة خلاف فردي»، وفقاً لما تناقلته مواقع إلكترونية. وكانت مجموعة «النصرة» المسلحة قد أصدرت فرماناً «يقضي بمشروعية استيلائها على البيوت الفارغة في مناطق الدروز بريف إدلب». وفي تفاصيل المجزرة أن المجموعة المسلحة طوقت القرية الصغيرة، وطلبت المؤازرة، حيث دخلت عشرات السيارات ذات المدافع الرشاشة، وانتشر مئات العناصر من الجبهة، وقاموا بعمليات إعدام ميداني للأهالي طالت 24 مدنياً أعزلاً، بينهم 6 شيوخ، ورجلا دين. بعض الجثث وجدت في البيوت، وأخرى في الشارع، بحسب ما روى شهود وأبناء القرية لجريدة «المدن» الإلكترونية. وكانت «جبهة النصرة» قد «هدمت مزارات و«أضرحة شركية» بحسب ادّعائها، للدروز، وقامت بإرسال دعاة لتصحيح «الأغلاط العقدية» في مذهبهم، على ما ذهب إليه أمير الجبهة أبو محمد الجولاني، في مقابلة تلفزيونية على قناة الجزيرة. كما أن دروز إدلب تنكروا لمذهبهم، وأشهروا إسلامهم. إلا هذا الأمر، لم يُقنع الأمير التونسي أبو عبد الرحمن، الذي يوصف بالغلو والتطرف من قبل عناصر النصرة نفسها، والذي فرض مجموعة من الفرمانات القهرية ضد دروز إدلب، وأخضعهم للمراقبة الشديدة، وتدخل في صغائرهم وكبائرهم».

بعد ارتكاب المجزرة، أصدرت الجبهة بياناً قالت فيه إن عدة عناصر من مقاتليها شاركوا في المجزرة «دون الرجوع إلى أمرائهم، وبمخالفة واضحة لتوجيهات قيادة جبهة النصرة. وبمجرد وقوع الحادثة انطلقت عدة وفود ولجان من جبهة النصرة للوقوف على الحادث بأنفسهم وتطمين أهالي القرية والتأكيد على أن ما وقع هو خطأ غير مبرر، وتم بدون علم القيادة، وما زالت القرية وأهلها آمنين مطمئنين تحت حمايتنا وفي مناطق سيطرتنا، وإن كل من تورط في تلك الحادثة سيقدَّم لمحكمة شرعية ويُحاسب على ما ثبت في حقه من دماء. وما ذاك إلّا تحكيم لشريعة ربنا التي ما أُسست النصرة منذ البداية إلا لرفع رايتها وتطبيق أحكامها». تطمينات فرع تنظيم «القاعدة» في سورية للشعب السوري ولأهالي «قلب لوزة» ليست بحاجة إلى هذا البيان على أي حال، ذلك أن الخوف الذي يعتري معارضين من وجود التنظيم قبل الموالين للنظام، أبلغُ دليل على المستقبل الذي ينتظر سورية بوجود هذا التنظيم وتنظيمات «أقل قاعدية» منه تسمى في يوميات بعض الإعلام السوري المعارض والعربي بــ«المعارضة المعتدلة». وخارج موضوع التراتبية في التطرف والعلاقة مع الإسلام الحربي، يجدر الوقوف لدى «الخطأ الفردي» بحسب بيان «النصرة»، والذي أودى بــ 24 شخصاً على أساس هويتهم الطائفية، وخصوصاً أن البيان آنف الذكر قد اختُتم بالقول إنّ «مثل هذه الأخطاء واردة الحدوث لدى الجميع لكنها دائماً ما تُوأد في مهدها بفضل الله طالما أن رقابنا جميعاً خاضعة لشرع الله عز وجل».

عموماً، لا يبدو أن تغيير اسم الجبهة وفك ارتباطها بــ «القاعدة» كفيل بــ «وأد الاخطاء في مهدها». جلّ تنظيمات الإسلام الحربي المقاتلة في سورية اليوم هي مما يترتب على تجاوزها «الأخطاء الفردية» تغييرٌ في بنيتها، وتحولها إلى تنظيمات على النقيض من الحالية، أسوةً بالأسدية التي كانت ستفقد كل شيء لو أن «عصاها السحرية في الإصلاح» فعلت فعلها، أقله في الخلاص من ارتباطها الاسمي بالعائلة الحاكمة وانهيار النظام بقرارٍ مستحيل منه. ما كان شبحاً في البداية ومخاوفاً، بات اليوم واقعاً في سورية، وبات الغول الجهادي منتظماً في تشكيلات عسكرية مقاتلة، وإمارات وأمراء حرب. ما كان «طارئاً» على مسار الثورة في البداية ابتلع الثورة وتحول إلى شريان ونسغ لحياة الإعلام السوري الأسدي والإعلام العربي والغربي الذي لا يرى في سورية إلا الجهاديين والتكفيريين منذ عام 2011، أي حين لم يكن ثمة «جهاديون» سوى النظام. ويمكن للمرء أن يقدّر ارتداد ما حدث في قلب لوزة في شمال سورية، على الجماعة الأهلية المدروسة هنا في جنوبها، ونعني دروز الجبل.

مجزرة «قلب لوزة»، وإلى جانب ما اتضح من تهديد يشكله الإسلام الجهادي تجاه الجماعات المختلفة طائفياً ومذهبياً، وخصوصاً الدروز هنا، بيّنت أيضاً ذلك التشابك الإقليمي الذي يربط الدروز في سورية بالدروز في بلدان الجوار، لبنان وفلسطين. ذلك أن وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان بات أمام الأمر الواقع بعد المجزرة، وهو الذي اعتبر سابقاً في تصريحات له «أن جبهة النصرة غير إرهابية». وقال جنبلاط في تصريحه «إن هدفـي حماية الوجود الدرزي. سأكون صريحاً، لقد انخفض سقفنا من حلم القومية العربية إلى حماية الحضور الدرزي المهدد بمخاطر داهمة نتيجة الحرب الطاحنة التي تدور فـي سورية، وما تتركه من تداعيات»، مضيفاً: «علينا أن نكون واقعيين فـي مقاربة الحقائق الديموغرافـية على الأرض. الدروز فـي سورية ليسوا على تماس مع العلويين إنما مع السنة، وأنا أعتقد أن مصلحتهم تقتضي عدم الانجرار إلى مواجهة مع محيطهم الذي يشكل العمق الحيوي لهم». ويعتبر جنبلاط أن «معظم أعضاء «النصرة» هم من السوريين، وبالتالي لا حكمة فـي توصيف هذه الجبهة بأنها إرهابية ولا مصلحة فـي انزلاق الدروز الى صراع دموي معها، سيضعهم فـي موقف صعب وسيرتب عليهم أعباء ثقيلة». لم يغيّر جنبلاط موقفه بعد وقوع المجزرة، وسارع إلى القول بأن «الحادث كان فردياً وسأعالجه بالاتصالات الإقليمية»، مستنكراً «سقوط الشهداء الدروز في قلب لوزة في إدلب، وقصف النظام الذي يقتل كل يوم مئات الشهداء في كل سورية».

وفي لبنان أيضاً، رد الوزير الدرزي السابق والحليف المقرب من النظام السوري وئام وهاب على موقف جنبلاط من جبهة النصرة معتبراً «كل من يخص جبهة النصرة أو يتعامل معها على الأراضي اللبنانية غير مرغوب به، وليغادر هذه الأراضي، لأن ردود الفعل لا يمكن أن تضبط». في حين قال الزعيم الدرزي ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، طلال أرسلان إن «ما لم تستطع اسرائيل تنفيذه سابقاً تسعى الآن لتنفيذه في سوريا عبر ما تسميه الإسلاميين»120.

لم تكن اسرائيل بعيدة عن عادتها في الاستثمار في صراعات المنطقة بطريقة أو بأخرى، ولم تكن اسرائيل بعيدة عن التدخل العسكري المباشر في سورية عبر شنها عدة ضربات على قوافل عسكرية لــ «حزب الله» فيها، وعلى مواقع عسكرية للنظام وإيران وحلفائهما لم تكن الوحيدة بينها عملية اغتيال المقاتل الدرزي في صفوف «حزب الله» سمير القنطار.

وجود سمير القنطار في الحزب كان شكلاً من أشكال حماية النظام المفترضة للأقليات، وتأكيداً لكلام حسن نصر الله ومحور الممانعة عن «المؤامرة التكفيرية التي تتعرض لها سورية»، والتي يُفتَرض أن محور المقاومة قد دخل إلى سورية لمحاربتها، وإن بميليشيات طائفية. و« يُقال إن القنطار بدأ بتجنيد ميليشيات محلية للدفاع عن القرى الدرزية من هجمات «جبهة النصرة» وثوار آخرين. ومن ثم اقترح سراً على عدد قليل من المجندين، الذين هم محل ثقة من بلدة حضر، مهاجمة إسرائيل؛ ومن بين هؤلاء اثنان من الشبان الذين جاءوا أصلاً من قرية مجدل شمس عبر الحدود»121. واستطراداً، فإن دروز فلسطين أبدوا تعاطفاً كبيراً مع دروز سوريا وخصوصاً بعد ما حدث في ريف إدلب، قرية قلب لوزة، وكانت الرابطة الأهلية-الطائفية واضحة في التضامن مع أبناء الطائفة وما يلحق بهم في سورية. الجدير بالذكر أن دروز فلسطين أرسلوا في وقت سابق تبرعات ومساعدات إلى مشايخ الكرامة وفق ما صرح به الشيخ وحيد البلعوس، معتبراً أنه «سيقبل السلاح من أية جهة كانت، باستثناء إسرائيل كونها عدو تاريخي وسيبقى».

أخيراً:

إذ يقف بحثنا هنـا، فهو يقـرُّ بأنه لا يزال هناك الكثير ليقال حول الموضوع الذي انشغل به، الدروز؛ لا سيمـا في ما يخصّ الهواجس التي تعصف في أذهـان وأفئـدة أبنـاء جبل العـرب والدروز عامـة، وبعضها هواجس تتشابك مع ما هـو سوري عـام، كتلك التي تتعلق بمصير بـلادهم، وعلى أي حال ستكون؟ ومنها ما هـو خاص بهم ويتعلق بهم كـ «دروز»، لا سيما وأن إسلاميي داعش والنصرة يتمركزون في محيط الجبل، ويعلم أهل الجبل جيداً ماذا يعني أن ينجح هؤلاء في احتـلال جبلهم؛ بينمـا يـرزح هـذا الأخيـر تحت سلطة نظـام ليس لـه من اسمه أي نصيب، وكـذلك ميليشيـاته التي أمعنت في إرهـاب النـاس وإشاعـة الفوضى، وقـد تكـون هي وراء بعض عمليـات الخطف التي انتشـرت بطريقـة أصبحـت تثيــر الـرعب في الجبـل. لقـد شارك بعض أبنـاء الجبل منـذ البـدايـة في الثـورة، وانشق منهـم ضبـاط وجنـود حارب بعضهم ضد النظام، واعتقل العديد من الشابات والشبان، ولا يزال العديد منهم يسير على الخط ذاتـه الذي بـدأت به الثـورة . وعلى أمل تُشـبَعَ لاحقـاً كل هذه التفاصيل وغيرها، نأمل أننا استطعنا أن نضيء على بعض الجوانب من تاريخ وحياة الدروز في سورية.

هوامش:
1. محافظة السويداء، شبلي العيسمي وداود نمر وحمود الشوفي، سلسلة بلادنا (2)، وزارة الثقافة، دمشق، 1962، ص 17 و18.
2. المرجع السابق نفسه، ص18. ويُنظر أيضاً: بلاد الشام في مطلع القرن العشرين، وجيه كوثراني، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، ط 3، 2013، ص 100.
3. يرتب الرحالة حنا أبو راشد أهم عشائر الدروز حسب الترتيب الأبجدي. جبل الدروز، حنا أبو راشد، مكتبة زيدان العمومية، مصر، ط 1: 1925، ص 29.
4. بلاد الشام في مطلع القرن العشرين، مرجع سابق، ص 102.
5. يذكر حنا أبو راشد بعض عشائرهم. جبل الدروز، مرجع سابق، ص 29 و30 و31.
6. المرجع السابق نفسه، ص 32.
7. بعد أن يعدد حنا أبو راشد أسماء القرى في «سهل النقرة»، والتي يربو عددها على «نحو 240 قرية آهلة بالسكان»، يعلّق «أن نصف عدد القرى الجنوبية والشرقية، قد احتلها الدروز، بحرب وبغير حرب، وخصوصاً القريّا مقر سلطان باشا الأطرش اليوم». ويُنظَر الكتاب الثاني للرحالة: حوران الدامية، حنا أبو راشد، مكتبة زيدان العمومية، مصر، ط1: 1926، ص11. ويُنظَر أيضاً مقال محمد كرد علي في المقتبس، والذي نقله أبو راشد كاملاً: جبل الدروز، حنا أبو راشد، مرجع سابق، ص 80.
8. يذكر حنا أبو راشد في كتابه «جبل الدروز» كثيراً من الحروب الدرزية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ضد ابراهيم باشا، ص 48. ضد العثمانيين: ص 53، وص 64، وص 68 و69. وضد الحوارنة: ص 58 و59، ص 69، ص 76. واشتراكهم، أثناء زعامة بني حمدان، في طوشة دمشق ضد المسيحيين 1860: ص 48.
9. بلاد الشام في مطلع القرن العشرين، مرجع سابق، ص 104.
10. ثورة الدروز وتمرد دمشق، الجنرال أندريا، ترجمة وتعليق: حافظ أبو مصلح، المكتبة الحديثة، بيروت، ط 2: 1985، ص 60.
11. جبل الدروز، حنا أبو راشد، مرجع سابق، ص 115 و116. لم يختفِ هذا التقليد حتى الآن، لا سيما في الأعراس، حيث يحتفل الشبان والشابات على وقع الأغنيات المليئة بقيم الاعتزاز بالذات وبتذكر الانتصارات على الأعداء، ويتم استحضار ذكرى الانتصارات على الفرنسيين، وقائد الثورة السورية سلطان الأطرش.
12. القومية هنا تحيل إلى القوم بمعناه الأكثر مباشرة وحسّيّة، وهم هنا الدروز. حتى ذلك الوقت لم تكن الأبعاد الأخرى التي سيعرف بها هذا المفهوم قد تبلورت، ليس فقط عند الدروز، بل في كل المنطقة.
13. المرجع السابق نفسه، ص 190.
14. الصراع على السلطة في سورية، نيكولاس فان دام، الطبعة الالكترونية الأولى المعتمدة: 2006، ص 30.
15. يُنظَر على سبيل المثال بعض ممارسات آل حمدان تجاه الفلاحين والعوام في: جبل الدروز، مرجع سابق، ص 46 و47.
16. جبل الدروز، المرجع السابق، ص 56 و57.
17. المرجع السابق نفسه، ص 35 و36.
18. المرجع السابق نفسه، ص 39 و40. ربما، مع تقدم الحياة وانتشار التعليم لم يعد لهذا التصنيف من قيمة، أو اختفت بعض المراتب منه.
19. هذه وصيتي، كمال جنبلاط، نسخة إلكترونية، ص 54.
20. جبل الدروز، مرجع سابق، ص 40.
21. جبل الدروز، مرجع سابق، ص 92.
22. بلاد الشام في مطلع القرن العشرين، مرجع سابق، ص 103.
23. جبل الدروز، مرجع سابق، ص 82.
24. خطط الشام، محمد كرد علي، ج 3، مطبعة الترقي، دمشق، 1925، ص 115 و116.
25. بيروت ولبنان في عهد آل عثمان، يوسف الحكيم، دار النهار للنشر، بيروت، 1991، ص 69.
26. جبل الدروز، مرجع سابق، ص 45 و46.
27. جبل الدروز، مرجع سابق، ص 83 و84.
28. المرجع السابق نفسه، ص 84.
29. المرجع السابق نفسه، ص 86 و87 و88. وأيضاً: الثورة العربية الكبرى، أمين سعيد، المجلد الأول، مكتبة مدبولي، القاهرة، د ت، ص 229 و230.
30. للاطلاع على مراسلات جرت بين سليم الأطرش وسلطان الأطرش، ينظر: جبل الدروز، مرجع سابق، ص 90 و91 و92. ويعلق الرحالة أبو راشد: «في الحقيقة أن الدروز انقسموا إلى قسمين، ومع انقسامهما لم يطلق أحدهما رصاصة ما على الآخر، بل كان كل قسم منهما يحارب خصمه فقط، أي قسم يحارب العرب وقسم يحارب الدولة».
31. جبل الدروز، مرجع سابق، ص 100 و101. وينظر أيضاً: تاريخ سورية 1918 ـ 1920، علي سلطان، دار طلاس، دمشق، ط 1: 1987، ص 125.
32. جبل الدروز، مرجع سابق، ص 94 و95. وكذلك: الثورة العربية الكبرى، المجلد الأول، مرجع سابق، ص 232.
33. عن العلويين ودولتهم المستقلة، محمد هواش، الشركة الجديدة للمطابع المتحدة، الدار البيضاء، المغرب، ط 1: 1997، ص 183.
34. مذكرات أكرم الحوراني، أكرم الحوراني، الجزء الأول، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط 1، 2000، ص 79.
35. بلاد الشام في مطلع القرن العشرين، مرجع سابق، ص 231.
36. المرجع السابق نفسه، ص 234.
37. المرجع السابق نفسه، ص 241 و242.
38. للاطلاع على تقرير غورو، يُنظَر: بلاد الشام في مطلع القرن العشرين، مرجع سابق، من ص 376 وحتى ص 386.
39. جبل الدروز، مرجع سابق، ص 130 و131، وكذلك: بلاد الشام في مطلع القرن العشرين، مرجع سابق، ص 378 وما بعد.
40. للاطلاع على جميع بنود الاتفاقية، ينظر: جبل الدروز، مرجع سابق، ص 133 وما بعد.
41. المرجع السابق نفسه، ص 143.
42. المرجع السابق نفسه، ص 144 و145.
43. المرجع السابق نفسه، ص 147 و148.
44. المرجع السابق نفسه، ص 149.
45. جبل الدروز، مرجع سابق، ص 150 و151.
46. المرجع السابق نفسه، ص 181.
47. المرجع السابق نفسه، ص 199، 200، 201.
48. المرجع السابق نفسه، ص 215.
49. المرجع السابق نفسه، ص 284.
50. يثبت أكرم الحوراني في مذكراته مقالاً لفوزي القاوقجي نشره في صحيفة القبس 1936، أتى فيها أن ثورة حماة هي «التي بدلت شكل ثورة جبل الدروز من ثورة درزية ضيقة إلى ثورة سورية وطنية عامة». مذكرات أكرم الحوراني، ج 1، مرجع سابق، ص 166.
51. الثورة العربية الكبرى، أمين سعيد، المجلد الثالث، مكتبة مدبولي، القاهرة، د ت، ص 303.
52. جبل الدروز، مرجع سابق، ص 235 و236.
53. المرجع السابق نفسه، ص 239 و240.
54. المرجع السابق، ص 286 و287.
55. مسافر إلى سورية، بيير لامازيير، ت د، فوزية الزوباري، دار المدى، دمشق، سورية، ط 1: 2009 ص 99 و103 وما بعد. وكذلك أنظر: جبل الدروز، مرجع سابق، ص 224 و225.
56. حوران الدامية، مرجع سابق، ص 11 و12.
57. المرجع السابق نفسه، ص 106 و107 و108.
58. جبل الدروز، مرجع سابق، ص 301.
59. المرجع السابق نفسه، ص 302.
60. للاطلاع على بعض الأمثلة للحراك الوطني في السويداء، يراجع: المراحل في الانتداب الفرنسي وفي نضالنا الوطني، د. عبد الرحمن كيالي، ج 4، مطبعة الضاد، حلب، 1960، الصفحات: 202، 203. و216، 217، 218. و262، 263، 264.
61. سورية والانتداب الفرنسي: سياسة القومية العربية، فيليب خوري، ت: مؤسسة الأبحاث العربية، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط 1: 1997، من ص 571 حتى ص 576.
62. أعاصير دمشق، فضل الله أبو منصور، كتاب الكتروني، ص 21.
63. المرجع السابق نفسه، ص 21، 22، 23.
64. المرجع السابق نفسه، ص 23.
65. أعاصير دمشق، مرجع سابق، ص 23، 24.
66. محافظة السويداء، مرجع سابق، ص 188. كما يذكر فضل الله أبو منصور تفاصيل اجتماع الانقلابيين ثم الانقلاب في أعاصير دمشق، مرجع سابق، من ص 30 وحتى ص 34.
67. مذكرات أكرم الحوراني، مرجع سابق، ص 665، 666، وص 673 و674.
68. أيام عشتها 1949 ـ 1969، محمد معروف، دار رياض الريس، بيروت، ط 1: 2003، ص 56، وص 75.
69. أعاصير دمشق، مرجع سابق، ص 116، 117. ويذهب أبو منصور إلى أن طلب الانقلاب على الحناوي كان وراءه الفرنسيون.
70. أيام عشتها، مرجع سابق، ص 251، 252.
71. أيام عشتها، مرجع سابق، ص 202. وحول الموضوع ذاته أيضاً، يراجع: أعاصير دمشق، مرجع سابق، ص 110،111. لكن فضل الله أبو منصور يقول إن الشيشكلي كلف الضابط الدرزي شوكت شقير بالقيام بمهمة ضرب الجبل، فيما يذهب محمد معروف إلى أن الضابط هو رسمي القدسي.
72. جبل الدروز، مرجع سابق، ص 156.
73. أعاصير دمشق، مرجع سابق، ص 19.
74. أيام عشتها، مرجع سابق، ص 56، 57.
75. أعاصير دمشق، مرجع سابق، ص 70، 71، وص 76.
76. الجيش والسياسة في سورية، بشير زين العابدين، دار الجابية، د م، ط 1: 2008، ص 123.
77. كأمثلة يُراجَع: أعاصير دمشق، مرجع سابق، ص 56، و61. وكذلك: مذكراتي عن فترة الانفصال في سورية، الفريق عبد الكريم زهر الدين، بيروت، ط 1:1968، ص 507. وحول مثال آخر عن العصبية الدمشقية يُراجَع زهر الدين، ص 23.
78. الصراع على سورية، مرجع سابق، ص 58.
79. للاطلاع على بعض هذا الدور يمكن مراجعة: مذكراتي عن فترة الانفصال في سورية، مرجع سابق، ص 423، و471، و472.
80. المرجع السابق نفسه، ص 82.
81. المرجع السابق نفسه، ص 85، 86.
82. المرجع السابق نفسه، ص 86.
83. التجربة المرة، منيف الرزاز، مؤسسة منيف الرزاز للدراسات القومية، د م، ط 1: 1986، ص 150، 151.
84. المرجع السابق نفسه، ص 74.
85. الصراع على سورية، مرجع سابق، ص 87.
86. المرجع السابق نفسه، ص 88، 89.
87. المرجع السابق نفسه، ص 89.
88. المرجع السابق نفسه، ص 90، 91.
89. المرجع السابق نفسه، ص 91، 92.
90. المرجع السابق نفسه، ص 92، 93.
91. المرجع السابق نفسه، ص 94، 95.
92. المرجع السابق نفسه، ص 96.
93. سعدو رافع، واقع الدروز في الثورة السورية: بين الخوف والدور التاريخي.
94. المرجع السابق نفسه.
95. تذكرُ كارولين دوناتي أن الأسد زار سلطان الأطرش فور وصوله إلى السلطة لتقديم التحية له. يُنظَر: الاستثناء السوري بين الحداثة والمقاومة، كارولين دوناتي، ترجمة لما العزب، دار رياض الريس، بيروت، ط 1: 2012، ص 128.
96. سعدو رافع، مرجع سابق. وتضيف كارولين دوناتي أن «الجيل الجديد قد حول هذه الذكرى إلى تظاهرات ضد النظام في عقد التسعينيات».
97. الاستثناء السوري بين الحداثة والمقاومة، مرجع سابق، ص 464.
98. المرجع السابق نفسه، ص 466.
99. سعدو رافع، مرجع سابق.
100. الاستثناء السوري، مرجع سابق، ص 467.
101. في فيديو يتم تداوله على أنه يعود لأحداث السويداء عام 2000، تظهرُ بعض المظاهرات والمواجهات مع الأمن.
102. سعدو رافع، مرجع سابق.
103. ياسين الحاج صالح، الطائفية والسياسة في سورية.
104. باسل عزام، محامو السويداء “شوكة في حلق” النظام.. تجربة مدنية بامتياز.
105. السويداء: فزعة لحوران أخمدها شبيحة البلد!
106. باسل عزام، مرجع سابق.
107. همام الخطيب، في علاقة السويداء بدرعا في زمن الثورة، مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية.
108. همام الخطيب، مرجع سابق.
109. مازن عزي، دروز السويداء: جمر التنازع، مجموعة الجمهورية.
110. مازن عزي، مرجع سابق.
111. جريدة المدن الإلكترونية، معركة مطار الثعلة مستمرة.. والدروز يطاردون رئيس الأمن العسكري.
112. مازن عزي، مرجع سابق.
113. جريدة المدن الإلكترونية، معركة مطار الثعلة مستمرة.. والدروز يطاردون رئيس الأمن العسكري.
114. همام الخطيب، درعا والسويداء في مواجهة الفتنة، مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية.
115. همام الخطيب، مرجع سابق.
116. همام الخطيب، مرجع سابق.
117. رامي زين الدين، من هم الموحدون الجدد؟ وكيف استطاع مشايخ الكرامة كسر شوكة وفيق ناصر؟
118. مازن عزي، البلعوس: قصة اغتيال معلن، جريدة المدن الإلكترونية.
119. أيمن الشوفي، السويداء ما بعد اغتيال البلعوس، جريدة المدن الإلكترونية.
120. عز الدين أحمد، حادثة “قلب لوزة” في إدلب تعمق الانقسام الدرزي في لبنان، موقع عربي 21.
121. معهد واشنطن، دروز تحت التهديد.

——————–

* (إياد العبد الله: كاتب وباحث سوري مقيم في باريس& عبدالله أمين الحلاق: كاتب وباحث سوري مقيم في إيطاليا)

المصدر: موقع الجمهورية

التعليقات مغلقة.