الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

هل كان مؤتمر (مسد) وطنيًا!

عبد الله النجار *

في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عقد “مجلس سوريا الديمقراطية / مسد” مؤتمرًا في مدينة الحسكة، أطلق عليه اسم “المؤتمر الوطني لأبناء الجزيرة والفرات”، حضره 250 عضوًا، بحسب إعلام (مسد)، وأصدر المؤتمر 17 قرارًا يتعلق بالحوار مع كل الأطراف السورية، والتحضير لانتخابات محلية خلال عام واحد، وإعادة هيكلة النظام الإداري، وإصلاح الجهاز القضائي، ومكافحة الفساد، وتنمية الاقتصاد، وتحسين النظام التعليمي، ودعم “قوات سوريا الديمقراطية”.

ويطرح عنوان المؤتمر أول إشكالية تتعلق بجواز إطلاق صفة “الوطنية” على مؤتمر خاصٍ بجزء من المواطنين السوريين، ومحدود بمنطقة جغرافية لا تشمل عموم البلاد، حيث اقتصر مؤتمر (مسد) على المواطنين السوريين المنتمين إلى المنطقة الجغرافية الواقعة شرقي نهر الفرات المقيمين فيها حاليًا، وهي تضم محافظة الحسكة وأجزاءً من محافظات دير الزور والرقة وحلب، إضافة إلى منطقتي الطبقة ومنبج غربي الفرات، وبذلك، يفتقر المؤتمر إلى الشمولية “العمومية” المفترضة في المؤتمرات التي تحمل الصفة الوطنية، وكان بإمكانها إطلاق أي صفة أخرى عليه، كالعامّ أو الشامل، مثلًا، بدلًا من صفة الوطنية لكونها ترتبط بعموم المواطنين السوريين، إلا إذا كانت (مسد) تقصد استبدال المنطقة التي تحكمها بالوطن السوري المعروف!

جاء المؤتمر بإرادة مفردة من قبل “مجلس سوريا الديمقراطية/ مسد”، وهو الإطار السياسي الذي يمثل سلطة الأمر الواقع هناك، بمكوناتها السياسية والعسكرية، ولم يأت نتيجة تقاطع الأفكار أو تلاقي الرؤى مع تنظيمات أو تيارات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أخرى، وهذا يجعله مؤتمرًا للجهة المنظمة له فقط، ويسقط عنه الصفة الوطنية بمعنى الشمولية، وإنْ حضره أفرادٌ من خارج الإطار الحاكم، بصفتهم الشخصية، لم تحدد (مسد) معايير مسبقة لانتقائهم، حيث لم نشهد حوارات أو نقاشات سابقة عليه، بين تنظيمات أو تيارات سياسية، لسبب بسيط يتلخص في منع (مسد) وجود تنظيمات خارج إطارها، وقد غابت عن المؤتمر أيضًا كل الفعاليات الاجتماعية، وخاصة العشائر التي تعدّ الميزة الأساسية لمجتمع شرقي الفرات، فضلًا عن اللاجئين والنازحين والمهجرين الذين لم يكن لهم أي حضور في المؤتمر.

واقتصر حضور المؤتمر على الأحزاب والتنظيمات المنتمية إلى (مسد)، وتلك الدائرة في فلكها، من الأحزاب الكردية المنضوية في قائمة “أحزاب الوحدة الوطنية”، والتنظيمات التابعة لحركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM المشابهة تمامًا لقائمة “الجبهة الوطنية التقدمية” التي يقودها حزب البعث، من حيث الشكل والمضمون، وهي مجرد أحزاب فارغة تنظيميًا، ليس لها أي حضور، وتتألف في الغالب من عائلة السكرتير وبعض أصدقائه المنتفعين، وليس لها رؤى سياسية ولا مواقف خاصة بها، ومعظمها يتبنى نهج الأمة الديمقراطية والرئاسة المشتركة الخاصين بمنظومة العمال الكردستاني، ويتقمص مواقف حزب الاتحاد الديمقراطي PYD حيال الأزمات والقضايا الراهنة.

وغابت عن المؤتمر العشائر العربية والكردية والتركمانية والشركسية، وكان من أبرز الغائبين الأكراد، المجلس الوطني الكردي الممثل السياسي لشريحة واسعة من الكرد السوريين، والذي لا تغني عنه مشاركة بعض ممثلي العشائر الكردية التي تخلت عن مهمتها السياسية منذ عقود، لمصلحة الحركة الوطنية الكردية، وتقتصر وظيفتها على المهام الاجتماعية الصرفة، إضافة إلى أنها لا تدّعي أو تنازع في أي تمثيل سياسي.

تفردت (مسد) بترؤس المؤتمر وإدارته، مثلما تفرد مسؤولوها وموظفوها بعضوية ورئاسة اللجنة المنبثقة عنه، التي سوف تشرف على تنفيذ قراراته الـ 17 التي تضمنها بيانه الختامي، ويطعن في نزاهة هذه اللجنة أن تقاريرها سوف تُرفع إلى “الإدارة الذاتية” التابعة لـ (مسد) مرةً أخرى، وعليها تقدير مدى إنجازها للقرارات التي اتخذها المؤتمر، وهذا يعني أن ليس هناك وجود لهيئة حيادية خارج نطاق (مسد)، يمكنها أن تقرر مدى موثوقية عمل اللجنة، ولا نسبة المنجز وغير المنجز من مقررات المؤتمر المزعوم، وهو ما يطعن في مصداقية المؤتمر ككل، ويفقده حتى صفة المؤتمر، ليحيله إلى لجنة داخلية تتبع للسلطة التنفيذية الحاكمة.

اقتصرت موضوعات المؤتمر على قضايا خدمية وإدارية، لا ترقى إلى العنوان الذي اختارته (مسد) للمؤتمر، وتم تجاهل أبرز القضايا المتعلقة بحرية العمل السياسي وحقوق الإنسان والمشاركة في السلطة، وتمكين السكان من إدارة أمورهم بأنفسهم دون تدخل من كوادر PKK، وجاءت قراراته فضفاضة غير محددة، وتحتمل تأويلات عدة تمنح (مسد) حرية تفسيرها، وفق ما يناسب مصالحها، ويتيح لها فرصة التهرب من أي نقاش حول حقيقة تنفيذها.

لم يكن “مجلس سوريا الديمقراطية”، منذ تأسيسه في كانون الأول/ ديسمبر 2015، أكثر من واجهة إعلامية للمنظومة السياسية والعسكرية التي يقودها حزب العمال الكردستاني PKK في الشمال الشرقي من سورية، وقد شهد خلال السنوات اللاحقة لتأسيسه انسحابات متتالية، كان أبرزها انسحاب الدكتور هيثم مناع رئيس تيار (قمح) وأول رئيس منتخب له، تلا ذلك انسحابات صامتة للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي، والكتلة الديمقراطية، ومكتب الشباب العربي، وتجمع عهد الكرامة والحقوق، والمبادرة الوطنية لجبل العرب، وهي أبرز تشكيلاته السياسية، إضافة إلى انسحاب أبرز الشخصيات العشائرية والسياسية التي شاركت في تأسيسه، ليحل محلهم مسؤولو التنظيمات الكثيرة التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، ويتحول المجلس إلى نسخة أخرى منه، تنظيميًا وسياسيًا.

ولنجاح محاولات (مسد) الرامية للانخراط في منصات المعارضة الممثلة في هيئة المفاوضات أو اللجنة الدستورية؛ كان لا بدّ من أخذ توكيل مزوّر، وقد أقيم المؤتمر “المهرجان” من أجل ذلك، غير أن نظرة واحدة في الأجسام السياسية والشخصيات التي حضرت المؤتمر تكشف مدى التــزوير القائــم، وحجم المقــاطعــة الذي تعــرض له المؤتمـــر من كل المكــونــات، وزيــف الـوطنيــة التي حاول منظموه إسباغها عليه.

* حقوقي وضابط أمن سوري منشق

المصدر: حرمون

التعليقات مغلقة.