الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

مؤتمر دمشق لعودة اللاجئين ولد ميتاً

محمد سليمان دحلا *

يبرز ملف عودة اللاجئين والمهجرين السوريين إلى مناطقهم كأهم الأوراق السياسية في المرحلة الراهنة، فمن يمتلكها يستطيع ادعاء تحقيق الحل السياسي للأزمة السورية وفقا للقرار 2254 .

فاستراتيجية الحسم العسكري وعسكرة المجتمع السوري التي انتهجها النظام الأسدي في مواجهة الحراك الشعبي الذي اندلع ربيع 2011 أدت من حيث النتيجة إلى هجرة وتهجير ونزوح أكثر من 13 مليون سوري وسورية جلهم يشكلون عماد الطبقة الوسطى العاملة والمنتجة في أي مجتمع.. فيما جل المتبقين في مناطق سيطرة الأسد هم من الموظفين العسكريين والحكوميين والشباب الذين تم عسكرتهم وزجهم في المحرقة الأسدية ومن دون شك فإن هؤلاء (المتجانسين) تأثيرهم محدود جدا في تحريك عجلة الاقتصاد والانتاج..

سياسات الهندسة الديموغرافية:

ولكن يبدو أن سياسات الهندسة الديموغرافية والمجتمع المتجانس بدأت تظهر وبشكل مرعب نتائجها العكسية ليس على استقرار (الدولة) وحسب، وإنما على استقرار النظام الأسدي نفسه خاصة بعد تنامي ظاهرة التذمر والتبرم من الأوضاع المعيشية الخانقة حتى لدى من آثروا حرق البلد على رحيل الأسد الذي أوصل سوريا إلى دولة غارقة في الفشل والأزمات بشكل أدرك معه الأسد وبوتين تعذر إمكانية الخروج من المأزق من دون عودة اللاجئين والمهجرين الذين دأب على وصفهم بالإرهابيين أو حاضنة الإرهاب ليقوموا بترحيل مخلفات أنقاض مدنهم ويسهموا في تحريك عجلة الحياة التي قتلها بعنجهيته وجبروته بعد أن أعمت شهوة السلطة بصره وبصيرته.

دور روسيا:

فروسيا التي سـيرت الـحـدث الميـدانـي العسـكري وفق رغـباتـها منذ 2015 ونجحـت بفرض إرادتها بنسبة كبـيرة تريد تحـقيق انتصـار سـياسـي يثمر تفـوقها العسكري اقتصاديا لتـظهر عقـبة عـودة اللاجئـين كعـقـبة كـأداء تمنــع تدفق أمـوال إعـادة الإعـمـار.

ومن ناحية ثانية تقوم الجهود الدولية التي تقودها الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي لتطبيق القرار 2254 (والذي تم اختزاله بفكرتي دستور جديد وانتخابات تجري في بيئة آمنة ومحايدة) على ممارسة الضغوط الاقتصادية على رموز النظام وحلفائه الروس من خلال الإمساك بملف إعادة الإعمار ومنع إعادة تأهيل النظام دوليا قبل تقديم تنازلات حقيقية في ملف اللجنة الدستورية وتطبيق القرار 2254 عموما.

ومن ناحية ثالثة مجتمع الثورة والمعارضة وقواه السياسية والذي فقد تقريبا كافة أوراق قوته لصالح الدول الخارجية بقي بيده هذا الملف كورقة سياسية وحيدة ليضغط بها لتحقيق الانتقال السياسي تحت بند توفير البيئة الآمنة والمحايدة التي تتطلبها الانتخابات.

إن عودة اللاجئين تعني أن تلك البيئة الآمنة قد تحققت ولم يعد هناك ما يعيق تنفيذ الخطة الروسية في إجراء إصلاحات دستورية شكلية تعقبها انتخابات يبدو فوز الأسد فيها مضمونا مما يتيح لروسيا القول إنه تم تنفيذ القرار الدولي وبذلك يصبح المجتمع الدولي ملزما بتفعيل ملف إعادة الإعمار وتقديم الدعم المالي للنظام للتخلص من أزمة اللجوء وعبء اللاجئين الذي تشكو منه مختلف دول الاستقبال.

الهروب إلى الأمام:

لذلك تسعى روسيا مجددا للهروب إلى الأمام والقفز فوق استحقاقات الحل السياسي والمزيد من تفريغ القرار 2254 من مضمونه من خلال الدعوة لعقد مؤتمر لعودة اللاجئين في دمشق في محاولة لسحب الورقة الأخيرة من يد المعارضة والمجتمع الدولي

وتبدو فرص نجاح ذلك المؤتمر شبه معدومة بالنظر إلى مقاطعة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا وكثير من الدول الأخرى من جهة، وإلى الموقف الشعبي والمعارض عموما برفض ذلك المؤتمر وازدرائه من قبل اللاجئين والذي يعقد المؤتمر باسمهم من جهة أخرى، فضلا عن عجز كامل للنظام عن توفير أبسط احتياجات الحياة لأقل من نصف الشعب السوري الباقي في مناطق سيطرته وحالة الفقر المعمم وانعدام سبل العيش وفرص العمل والفساد والقمع ما يجعل غالبية ما تبقى من السوريين راغبين في الهجرة للبحث عن حياة أفضل.

وبالتالي لا يوجد أي سبب يدفع اللاجئين للعودة الطوعية وخاصة مع بقاء أسباب لجوئهم متمثلة ببقاء الاسد ونظامه الذي أجرم أيما إحرام بحق الشعب والوطن معا.

مؤتمر سوتشي:

لكن مع ذلك علينا أن لا نركن لهذا الأمر ونثق بموقف هذه الدولة أو تلك، فالذاكرة تعيدنا مباشرة إلى ما سمي «مؤتمر سوتشي للحوار الوطني» والذي دعت له روسيا ولاقى مقاطعة ومعارضة مشابهة، ورغم ذلك تمخض عنه سلسلة من الإجراءات انعكست سلبا على تطبيق القرار 2254 وحرفه عن مساره، وما ترتب على ذلك من زيادة المعاناة واستمرار محنة الشعب السوري وهو ما يفرض التنبه لخطورة الموقف من قبل النازحين والمهجرين واللاجئين أنفسهم للتمسك بموقفهم الرافض للعودة قبل تحقيق الانتقال السياسي الناجز، أيا كانت مواقف الدول أو حتى المعارضة السياسية فقد علمتنا التجربة أن لا نعول على مبدئية وثبات تلك المواقف بل توقع تغيرها تبعا للمصالح والظروف الخاصة لكل دولة.

*محامٍ وناشط سياسي سوري

المصدر: القدس العربي

التعليقات مغلقة.