الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

من امرأة ناصرية إلى جمال عبدالناصر

سعاد الصباح *

ـ 1 ـ

كنا كباراً معه في كتب الزمان

كنا خيولاً تشعل الآفاق عنفوان

كان النسر الخرافي الذى يشيلنا

على جناحيه إلى شواطئ الأمان

كان كبيراً كالمسافات

مضيئاً  كالمنارات

جديداً كالنبوءات

عميق الصوت كالكهان

وكان في عينيه برقٌ دائم

يشبه ما تقوله النيران للنيران

ـ 2 ـ

كنا شموساً معه

نوزع الضوء على مساحة الأكوان

كنا جبالاً معه حجر الصوان

وكان يحمينا من الركوع والهوان

كنا نسمى  باسمه

إذا نسينا مرة أسماءنا

كنا نناديه جميعاً يا أبى

إذا أضعنا مرة آباءنا

فهو الذى أطلقنا من رقنا

وهو الذى حررنا من خوفنا

وهو الذى أيقظ في أعماقنا الإنسان

ـ 3 ـ

كان هو الأجمل في تاريخنا

والنخلة الأطول في صحرائنا

كان هو الحلم الذى يورق في أهدابنا

كان هو الشعر الذى يولد مثل البرق من شفاهنا

كان بنا يطير فوق جغرافية المكان

مستهزئاً من هذه الحواجز المصطنعة

من هذه الممالك المخترعة

من هذه الملابس الضيقة المضحكة المرقعة

من هذه البيارق الباهتة الألوان

ـ 3 ـ

كنا على صورتنا

كنا على صورته

كان يرى التاريخ في نظرتنا

كنا نرى المستقبل الجميل في نظرته

جبهتنا مرفوعة تستلهم الشموخ من جبهته

قبضتنا قوية تستلهم القوة من قبضته

أولادنا قد رضعوا الحليب من ثورته

كان هو القوة في أعماقنا

واللهب الأزرق في أحداقنا

والريح والإعصار والطوفان

ـ 5 ـ

كان هو المهدي في خيالنا

وكان هو في معطفه يخبئ الأمطار

وكان إذ ينفخ في مزماره

تتبعه الأشجار

وكان في جبينه سنابل وحنطة

وفي رنين صوته ما يشبه الأذان

وكان في قدرته أن يطلع السنابل

ويجمع القبائل

ويستثير نخوة الفرسان

ويرجع الملك إلى بيت بنى عدنان

ـ 6 ـ

كان هو النجمة في أسفارنا

والجملة الخضراء في تراثنا

كان هو المسيح في اعتقادنا

فهو الذى عمدنا

وهو الذى وحدنا

وهو الذى علمنا

أن الشعوب تسجن السجان

وأنها حين تجوع تأكل القضبان

ـ 7 ـ

يا ناصر البعيد قد أوجعنا الغياب

نمد أيدينا إليك كلما حاصرنا الصقيع والضباب

نبحث عن عينيك في الليل

ولا نمسك إلا الوهم والسراب

يا ناصر العظيم

أين أنت ؟ أين أنت ؟

بعدك لا زرع ولا ضرع ولا سحاب

بعدك لا شعر ولا نثر ولا فكر ولا كتاب

بعدك نام السيف في مرآبه واستنسر الذباب

ـ 8 ـ

يا ناصر العظيم

هل تقرأ في منفاك أخبار الوطن

فبعضه مغتصب

وبعضه مؤجر

وبعضه مقطع

وبعضه مرقع

وبعضه مستسلم

وبعضه ممزق

وبعضه ليس له سقف ولا أبواب

يا ناصر العظيم

لا تسأل عن الأعراب

فإنهم قد أتقنوا صناعة السباب

وواصلوا الحوار بالظفر وبالأنياب

وحاصروا شعوبهم بالنار والحراب

يا ناصر العظيم سامحني فما لدي ما أقوله

في زمن الخراب

* شاعرة كويتية، ولدت عام 1942، وتزوجت من الشيخ عبد الله مبارك الصباح، الذي استقال من جميع مناصبه عام 1961 وذهب للعيش في مصر بدعوة من الرئيس جمال عبد الناصر

المصدر: من ديوان ’’فتافيت امرأة‘‘ للشاعرة سعاد الصباح، الذي أصدرته عام 1986

التعليقات مغلقة.