الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

في الهجرة والتهجير القسري للسوريين

أحمد مظهر سعدو

يبدو أنه ما يزال هو نفسه ذاك (البرزخ) و(النعيم المبتغى) الذي يحلم فيه شباب الدول النامية أو المتخلفة أو الأشد فقرًا، أو كما يسمونها بلدان الجنوب. يقال فيها الكثير. ويستوقف المرء فيها وعندها العديد من الأمور المؤلمة التي تطال الكثير من أبناء هذه الدول، وخاصة السوريين الذين تزداد أعداد المهجرين منهم قسرًا إلى كل أصقاع الدنيا، وخاصة إلى أوروبا، ومنها بشكل أخص ألمانيا، فهؤلاء الناس ومعظمهم من فئة الشباب، هم طاقة كبرى، وحيوية، وفي أوجها، وذات عطاء لا ينضب، ينتظر منهم الوطن أن يعطوه إياه، لكن الألم والدم والدمار والقتل الممنهج الذي ينفذه نظام العصابة الفاجرة بدمشق، يدفع هؤلاء الشباب دفعًا، للبحث عن مآلات وملاذات أخرى، وأماكن أقل خطرًا على حيواتهم، وأكثر مستقبلية للفرد أو الأسرة، لكن الواقع يقول إننا نفقد هذه الطاقات دون أمل بالعودة، أو مجرد التفكير فيها، لأن النعيم الذي يلقونه هناك لن يلقوه هنا في المنظور القريب وكذلك الأمان، وبالتالي فإن الخسارة ، المادية والمعنوية الثقافية والحضارية، وكذلك البنيوية ستكون كبرى.

 المشكلة تتجمع حول كون هذه الطاقات يبدو أن خسارتها ستكون أبدية وليست وقتية. وتتحمل مسؤولية ذلك بكل تأكيد هذه الطغمة المتحكمة في رقاب البلاد والعباد.. وهذا العسف والإرهاب البراميلي المنظم، وذاك الجو الطائفي الأكيد، الذي عمل عليه نظام الطاغية ومنذ بدء ثورة الحرية والكرامة عام 2011، ودفع به شعبنا رغمًا عنه، ليتكور حول المسألة الطائفية، علمًا بأن شعبنا لم يكن طائفيًا بأي حال من الأحوال، بل لعل الفكر الأكثري غالبًا ما يكون لا طائفي، بل يحتوي الجميع ولا يشعر بالخطر، لأن الخطر يدفع المرء فردًا كان أو تكوينًا، إلى التقوقع على الذات، ومن ثم الاحتماء بالجماعة، أو حمايتها.
الشعب السوري خرج من قمقم قمعه إلى النور ليقول لا لهذا الطاغية.. لا للذل.. لا للقمع وكم الأفواه.. ولم يكن في تصوره على الإطلاق أن هذا النظام المجرم سيزداد ويستفحل إجرامه إلى هذا الحد حيث أصبح القتل على الهوية، والقصف بالصواريخ البالستية، وارتكاب كل هذه المجازر، وبكل أصناف الأسلحة الحديثة والقديمة، المحرمة دوليًا وغير المحرمة، أمام صمت هذا العالم ” المتحضر ” .
مع ذلك يبقى شعبنا السوري البطل هو القادر على المتابعة وتحمل تبعات هذا القتل والدمار وصولًا إلى اليوم الموعود، إلى يوم إزاحة الطغاة وامتلاك زمام الوطن، عبر فكر مستنير يقبل الجميع، ويؤمن بالجميع كشركاء حقيقيين في بناء هذا الوطن تحت سقف حقيقي لهذا الوطن، خال من كل أنواع التمييز الطائفي أو الأقلوي، العرقي أو الديني، في وطن واحد موحد هو سورية الوطن الوعد . الوطن الحر الكريم المؤمن بكل أبنائه. والباني لعقل جمعي يتكئ على أرضية وطنية وهوية وطنية جامعة، عبر التوافق على العقد الجمعي الجماعي الاجتماعي والسياسي، الذي يحتوي الجميع بلا استثناء.

أحمد مظهر سعدو

كاتب صحافي سوري، رئيس القسم السياسي في صحيفة إشراق

 

التعليقات مغلقة.