الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ملاحظات أوليّة عن تحالف “الحرية والسلام” 

مهند الكاطع *

تم الإعلان اليوم في مدينة القامشلي الخاضعة لإدارة قوات الأمر الواقع، عن تحالف يحمل اسم “الحرية والسلام” والذي يتكون من المجلس الوطني الكردي، المنظمة الآثورامية، وكل من تيار الغد والمجلس العربي للجزيرة والفرات الذي شارك تيار الغد بتأسيسه.

الملاحظ أن هذه الأطراف بعضها تحالف سابقاً مع ميليشيات الأمر الواقع “التابعة لمنظومة العمال الكردستاني” عسكرياً وسياسياً، وبعضها في طور التحالف مع هذه الميليشيات تحت ضغوطات بعض الدول. وبهذا المعنى مصداقيتها وكذلك الثقة بها في الشارع شبه معدومة، خاصة وأن   مخرجات هذا التحالف المعلنة حتى الآن، لم تخرج من عباءة المحاصصات الأثنية والطائفية التي يتم المطالبة بقوننتها دستوريا والتي لن يقبل بها الشعب السوري.

الملاحظات الأولية على الأوراق السياسية الصادرة عن هذا التحالف الجديد:

ورد في المبدأ الثاني من مبادئ الرؤية السياسية ما نصه:

” الإقرار الدستوري بأنّ سورية دولة متعددة القوميات والثقافات والأديان، والشعب السوري يتكون من عرب وكرد وسريان اشوريين وتركمان وغيرهم، ويضمن الدستور حقوقهم القومية ويعتبر لغاتهم وثقافاتهم، لغات وثقافات وطنية تمثل خلاصة تاريخ سورية وحضارتها”.

الواقع لا أدري أين يكمن البعد الوطني بهذا التعريف الغريب بل والشاذ والمثير للسخرية والشفقة معاً؟! هل فعلا خرجت الثورة السورية وقدمت كل هذه التضحيات، ليكون تعريف الشعب السوري بأنه “يتكون من عرب وكرد وسريان وآشوريين وتركمان وغيرهم”، وهل هذا التعريف يعكس تصوراً حقيقاً لطبيعة الشعب السوري بوصفه ” شعب واحد يعيش في بلد واحد وتجمعه مصالح وآمال وأهداف واحدة؟

نعم نحنُ ندرك بأن هناك تنظيمات وقوى لا ترى بالأساس أن الخارطة السورية السياسية تمثلها، هناك قوى كردية مثلا ترى بأنها جزء من وطن قومي خاص بالكرد ” كردستان الكبرى” وهناك بعض الاصوات التي ترى بأنها تعيش على ارض تشكل جزء من خارطة العهد القومي التركي، وهناك أصوات تعتقد بأنها تمثل تاريخ سورية القديم بآراميته وآشوريته وأن  ما يجمعهم مع العرب هو لحظة فارقة تمثلت بغزو عربي لسورية!!! لكن بالنهاية، كم تمثل هذه الاصوات على المستوى الشعبي؟!

ثم هل تخدم هذه التصنيفات والتقسيمات المراد إقرارها بالدستور وحدة الشعب السوري؟ أم المطلوب الآن أن نقول بأنه لا وجود لشعب سوري، لأن في سورية عدة شعوب وفق النظرية الروسية وكذلك تعريفات جماعة العمال الكردستاني، وبالتالي لا يجمع الشعب السوري  أي رابط وطني أو تاريخي ولا لغة وثقافة وانتماء حضاري  مشترك؟!

أسأل أيضاً:

هل سورية استثناء في دول العالم التي تضم إلى جانب الكتلة السكانية الغالبة بثقافتها وهويتها الحضارية أقليات ثقافية أو لغوية أو دينية؟ هل يوجد في أي من دساتير بلدان العالم التي تضم أقليات دينية أو لغوية أو أثنية مثل ( امريكا ، روسيا، فرنسا، تركيا، .. الخ) تعريف دستوري للشعب على النحو الذي يطالب فيه تحالف القوى الجزراوية الجديد؟ هل هناك قوى وطنية تقبل بتقسيم مجتمعها دستوريا  شاقولياً وأفقياً وتعويم الهوية المشتركة بين أفراد الشعب جميعهم؟

أكيد هذا لا يعني الانتقاص من حقوق أي جماعات أثنية ولغوية ودينية لها خصوصية تختلف بهذا القدر أو ذاك عن الثقافة الجمعية للمجتمع، ودولة مدنية تطبق قوانين وعدالة اجتماعية وتضمن سن قوانين للحفاظ على خصوصية الجماعات الثقافية والطائفية يغنينا عن لغة المحاصصات بهذا الشكل المنحرف والمشبوه .

لماذا لم يتم التركيز على أن يقر الدستور ببناء دولة مواطنة لجميع السوريين لا تفرق بين ابناءها على اعتبارات  الجنس والدين والطائفة ، أليس هذا كفيلاً بأن يشكل ضمانة لجميع المواطنين وتساوي بينهم أمام القانون بدل هذه التقسيمات التي تشكل بداية لمحاصصات غير متكافئة. لن اتحدث عن فصل السريان عن العرب بهذا الخطاب حتى لا يتحسس جماعة الآثوراميين ! لكن علينا ان ندرك أن أكثر من ٩٠٪ من أتباع الكنيسة السريانية السورية هم عرب يعتزون بانتمائهم هذا، ودعوني هنا أركز على انتماء حضاري بدرجة أكبر وأهم من انتماءات عرقية لا فائدة من الجدل حولها.

ثم ما المقصود بالمبدأ الثالث الذي ينص على:

“الاعتراف الدستوري بهوية الشعب الكردي القومية؟!”

هل نحن بصدد الحديث  عن أحد مكونات الشعب السوري ؟!  أم عن شعب آخر الى جانب الشعب السوري كما تفترض أدبيات معظم الأحزاب الكردية؟ وما الذي يميز الأكراد عن باقي الاثنيات والأقليات اللغوية والدينية حتى ينفرد باعتراف منفصل تطالبون به؟! ماذا عن التركمان والأرمن والآشوريين ووو ؟! ثم ماهي “الحقوق القومية للشعب الكردي التي يجب الاعتراف بها دستوريا”؟ ماهيّة هذه الحقوق التي لا نجد مفرداتها في وثائق الاحزاب القومية الكردية إلا عبر مزاعم “الارض التاريخية”  “وحق تقرير المصير  للأكراد” “وكردستان في سورية” !! فهل هذا المقصود بالحقوق القومية ؟!

ثم كيف لنا أن نبرر مقاربتكم لتبني “اللامركزية كسبيل لحماية التعدد القومي والثقافي؟!” وما هي اللامركزية المقصودة هنا ؟! ولماذا يترك المصطلح عائما غامضا؟!

في فقرة المهام الاساسية يضع القائمون على صياغة هذه الورقة، البند الأول كالتالي:

“العمل على حل مسألة التعدد القومي في سوريا حلاً وطنياً ديمقراطياً عادلاً، وفق العهود والمواثيق الدولية”

هذا الاختلاق لمسألة جديدة يتم تعريفها بالتعدد القومي لا أساس له سوى اللعب على العواطف ولن يزيد هذا الطين إلا بِلة !

كان سيكون عظيما لو نشأ تحالف حقيقي بين قوى لها رصيد شعبي، وفق محددات وطنية واضحة، لا أن تكون مدخلاً لتعزيز مبدأ المحاصصات الأثنية والطائفية، ووضع مهامها على هذا الأساس، لنحاول تكرار نموذج لبناني او عراقي فاشل، وهذا قد يكون خيار تدفع له بعض الدول التي لا تريد أن تكون إسرائيل دولة وحيدة في المنطقة مبنية على اساس ديني او عنصري، مطلوب أن يظهر في الشرق خمسين مشكلة ذات طابع أثني وطائفي وديني!

* باحث متخصص في التاريخ الاجتماعي للجزيرة السورية والمسألة الكردية في سورية

المصدر: صفحة الكاتب على صفحات التواصل

التعليقات مغلقة.