الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الحل الصحيح للمسألة الكردية في العراق يشق الطريق أمام الوحدة الوطنية

ملف 23 تموز/ يوليو 


الاتحاد الاشتراكي العربـي        تحلـيـل سـياسـي        حرية * اشتراكية * وحدة
 الإقليـم الســـوري            ===============

الحل الصحيح للمسألة الكردية في العراق يشق الطريق أمام الوحدة الوطنية

وأمام مشاركة جديـة في النضال العربـي الموحد وفي مـعركــة المصيـــــــر
======================================================

استقبلت القوى العربية التقدمية بأمل وارتياح كبيرين، الاتفاق الذي تم في القطر العراقي لتسوية المشكلة الكردية على أساس من الإدارة الذاتية والتآخي القومي في إطار الوحدة الوطنية ومن وحدة التراب العراقي وليضع حداً نهائياً للصراع الدامي الذي استمر طويلاً في شمال العراق، مستنزفاً الكثير من قوة وإمكانيات هذا القطر العربي الكبير، ومعطلاً للكثير من طاقاته الاقتصادية والبشرية ومبتعداً بالعراق عن أن يشارك مشاركة جدية وفعالة في حرب المصير التي تخوضها أمتنا العربية ضد الحلف الصهيوني الامبريالي، وعلى حساب دماء كثيرة أُهدرت من أبناء شعبين تجمع بينهما الكثير من أواصر القربى وكانا دائماً متآخيين ومتعاونين عبر التاريخ، وكثيراً ما قاتل العرب والأكراد في صف واحد وراء قيادة واحدة ضد المستعمرين والغزاة .

إذا كان التفاؤل الكبير، بإيجاد تسوية عادلة للقضية الكردية القومية، مرده اليوم الحاجة الملحة لأن يصب العراق بكل قواه في معركة المصير ولبناء صمود الجبهة الشرقية وفعاليتها، وإن لا يشغله أي شاغل آخر أو أيه معركة جانبية عن التصدي للخطر الكبير الذي يتهدد وجوده ووجود الأمة العربية كلها فإن هذه التسوية والتي كان من المطلوب أن تقم منذ سنوات طويلة، لها أبعادها الوطنية والقومية الكبرى فهي خطوة أساسية ولابد منها، ليصنع وحدته الوطنية من خلال الالتزام بأهداف النضال العربي في الحرية والاشتراكية والوحدة .

ونحن كعرب قوميين ووحدويين وكتقدميين واشتراكيين ننطلق من أن التعصب القومي الشوفيني والعنصري هو سلاح حركته وغذته النزعات الرجعية والاستعمارية والعدوانية، ضد تحرر الشعوب وضد تقدمها ولصالح المستعمرين والمستغلين، وإن عهد انصهار القوميات والتذويب والدمج بالقسر مرحلة بربرية في تاريخ الإنسانية ولا بد أن تنتهي، وحرصنا على وحدة أمتنا العربية وازدهار قوميتنا العربية إنما يرافقه التطلع إلى ازدهار قومي متحرر للجميع، وإن قوميتنا العربية التي نهضت كنزعة تحررية ضد الظلم وضد الاستعمار وضد الغزو والاحتلال وضد الاستغلال والتسلط، لا تقبل لنفسها أن تكون متسلطة ولا أن تقصر القوميات الأخرى، ولقد شاءت الظروف التاريخية التي مرت بها أمتنا العربية والإنسانية جمعاء أن يتحرك الشعب العربي على طريق بناء وحدته القومية وأن تكون هناك على الأرض العربية تجمعات بشرية أخرى تحرص هي أيضاً على الاحتفاظ بثقافتها القومية ووجودها القومي، وإن حركة النضال العربي وقد صمدت ضد الغزو الاستعماري والامبريالي وضد الغزو الصهيوني لأرضها وضد حواجز التجزئة والكيانات المصطنعة التي ولدتها ظروف التخلف والتحكم الأجنبي، لتحقق تحررها الكامل ووحدة أرضها وأمتها، لا بد أن تحرص كل الحرص على أن تمزق وحدة الوطن العربي دويلات جديدة وكيانات منفصلة جديدة، تتسع وتمتد على حساب الأرض العربية أو لتقيم عائقاً في سبيل وحدة الوطن العربي والأمة العربية، فانطلاقا من هذين المبدأين – مبدأ الاعتراف بالوجود القومي للأقليات القومية التي تعيش على الأرض العربية وإعطائها حقوقها في تنمية روابطها القومية وثقافتها ولغتها ولإعطائها الحق في نوع من الإدارة الذاتية أو الاستقلال الإداري في المناطق التي تشكل فيها أكثرية سكانية، ومبدأ رفض أن تشكل هذه الأقليات القومية كيان دولة خاصة يتهدد الكيان العربي والوحدة العربية ويضعها في تصادم وصراع مع القومية العربية – إننا نتطلع إلى حل عادل لقضية الأقليات القومية الموجودة ضمن إطار الوطن العربي الكبير، ولا شك أن تحقق الوحدة العربية الشاملة وقيام الدولة العربية الموحدة ذات المضمون التقدمي الاشتراكي هما اللذان يخلقان الشروط الملائمة لحلول تقدمية وعادلة لمسألة الوجود القومي لتلك الأقليات ومنها القومية الكردية . فاستكمال الوجود القومي العربي وقيام دولة الوحدة، يبدد المخاطر والمقومات التي يمكن أن تقيمها على طريق التحرر العربي والوحدة العربية تلك التكتلات القومية الأخرى داخل الأمة العربية، وإن النظام الاشتراكي وما يتحقق في ظله من إخاء إنساني ومن انتفاء للاستغلال وصراع المصالح الطبقية هو الذي يضع حداً نهائياً للتصادم القومي والصراع . وتكفي نظرة سريعة إلى مسيرة التصادم القومي في شمال العراق، بين العرب والأكراد، لنلمس هذا التصادم إنما كان يغذيه الاستعمار وتغذية المصالح الانتهازية للطبقات الرجعية والاستغلالية، كما غزت وتغذي الكثير من العصبيات والنعرات العشائرية والطائفية .

لقد تعرضت أمتنا العربية في التاريخ الحديث، وما زالت تتعرض لمخاطر غزو قومي وعنصري لأرضها، يضعها أمام تهديد لوجودها ومستقبلها، لقد تعرضت مثلاً للغزو الفرنسي الاستيطاني في شمال إفريقيا، وفي الجزائر بخاصة، في محاولة استعمارية لإحلال وجود قومي أجنبي محل الوجود القومي العربي، فكان الصراع الطويل والتصادمات الدموية التي انتهت بانتصار ثورة الجزائر وجلاء المستوطنين الفرنسيين .

واليوم يقوم تصادم أخطر وأكبر بين الأمة العربية وبين الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية الغازية، إن العرب لم يضيقوا في يوم ذرعاً بوجود الأقليات اليهودية على أرضهم، ولم يتم بينهم وبينها تصادم في الماضي ولا اضطهاد أو تمييز عنصري أو طائفي، وإنما أقام التصادم والصراع قيام كيان دولة إسرائيل، وما يستتبع قيام كيان هذه الدولة من استيطان وهجرة وتوسع على حساب الأرض العربية وعلى حساب تهجير الشعب العربي من هذه الأرض ومن تهديد للوجود العربي والعرب لن يضيقوا ذرعاً، بأن تقوم بين اليهود والمقيمين على الأرض العربية روابط دينية وثقافية ولا أن يعطى لوجودهم كأكثرية في فلسطين (( بعد عودة النازحين الفلسطينيين إلى ديارهم بالطبع )) نوعاً من الحكم الذاتي ضمن إطار الكيان العربي والدولة العربية، ولكن العرب يرفضون وجود دولة إسرائيل ككيان دولة، وسيقاتلون حتى النهاية ضد هذا الوجود، وضد الغزو الصهيوني الاستعماري لأرضهم .

إن الحل المطروح اليوم للتنفيذ في العراق، كتسوية لمسألة الوجود القومي الكردي في هذا القطر العربي لا بد أن يستكمل خطواته السلمية ليعطي النموذج الصحيح لحل المشكلات القومية المماثلة في الأقطار العربية الأخرى، وإن الروابط التاريخية الأخوية التي تربط بين العرب والأكراد والمصالح المشتركة، وإن صمود القوى التقدمية العربية والكردية، تهيئ الشروط المناسبة لإعطاء هذا النموذج، إن القوى والمصالح الاستعمارية في المنطقة، وإن ربيبتها الرجعية والإقليمية والمصالح الاستغلالية والانتهازية هي التي عملت في الماضي على تغذية التصادم بين العرب والأكراد، وعلى تغذية العصبيات الشوفينية والعشائرية الطائفية لإبقاء العراق في عجز وعطالة عن التحرر الصحيح والتقدم، لاستنزاف جهد العراق في أزمات متلاحقة لا تنتهي بحيث تعزله عن النضال العربي وتخرجه عن طريق الوحدة العربية أو تجذبه في تيارات وأحلاف ومحاور تضعه في تعارض مع حركة التحرر العربي . وإذا كانت القوى التقدمية العربية قد وعت هذه الحقيقة ودفعت على طريق إيجاد تسوية عادلة للقضية الكردية في العراق، فإن القوى التقدمية الكردية قد أسهمت هي أيضاً بدور كبير في إيجاد المناخ الملائم للتسوية، وفي وقوفها في وجه النزعة الكردية الشوفينية التي كانت تنتشر عن أحلاف لها ومغذين لحركتها بين القوى والدول الرجعية والاستعمار وتعمل على إقامة دولة كردية تتوسع على حساب الوطن العربي والأمة العربية .

وإذا ما وقفنا اليوم لنُعلن تأييدنا الكامل للمبادرات الإيجابية التي قام بها الحكم في العراق لوضع حد للصدام الدموي في شمالي العراق، ولإيجاد تسوية نهائية وعادلة للقضية الكردية ولنؤكد ضرورة السير بخطوات سريعة وحثيثة لوضع اتفاقية التسوية التي أعلنتها الحكومة العراقية موضع التنفيذ لتضع حداً نهائياً وقاطعاً أمام أية محاولة لفتح باب التناحر والصدام من جديد، فإنه لا بد لنا من التأكيد أيضا أن عدداً من العوامل التي كانت سببا في تلك الصراعات وفي غيرها من الصراعات الداخلية المعطلة لمسيرة العراق التحررية والاشتراكية والوحدوية، ما زالت قائمة ولا بد من مواجهتها مواجهة جذرية وحاسمة . وهذه المواجهة وهذا الحسم لا يمكن أن يتما إلا في إطار من الوحدة الوطنية الحقيقية، التي تجمع لا بين الحكم القائم وفئة تقدمية من الأكراد فحسب، إنما بينهما وبين القوى والمنظمات التقدمية العربية والكردية جميعها، وأن يتم ذلك في إطار الممارسة الفعلية للديمقراطية الشعبية، ولتصفية قواعد الاستغلال والمصالح الامبريالية واجتثاث أصول التخلف التي ما زالت، ورغم الثورات الشعبية المتلاحقة تشد بالعراق إلى الوراء، وإلى التصادم الطائفي والعشائري وإلى أنظمة تسلطية استبدادية معزولة عن الجماهير، وإلى أجواء العنف الإرهابي الدموي الشرس .

إن العنف الإرهابي والقسر الدموي اللذين مارستهما حكومات متعددة توالت على العراق، فقد أساء كثيراً للعراق بل وللقضية العربية، فضلاً عما كان لهما من آثار سلبية بعيدة المدى على مبادرات الجماهير وعلى القوى الوطنية والتقدمية في العراق حيث عملت فيها تشتيتاً وتمزيقاً . وهذا الحكم، شأنه شأن سابقيه، يقول أنه اضطر للعنف والإرهاب لحماية نفسه من المؤامرات الداخلية والخارجية . ولكن الإرهاب والعنف لم يُوجها إلى القوى الرجعية وإلى عملاء الصهيونية والاستعمار وحدهما، بل هما تنـاولا والقوى القومية التقدمية أيضاً، ثم إن الاضطرار للاحتماء بالإرهاب دلالةٌ بذاته على ضعف الحكم وعلى أنه أقلية، فالحماية الوحيدة إنما تأتي الحكم من جماهير الشعب ومن قواها الوطنية ومن ممارستها لحريتها وأن يكون الحكم تجسيداً لإرادتها ووحدتها الوطنية . فالحماية الفعلية هي الوحدة الوطنية للقوى التقدمية من عربية وكردية، وهي المشاركة الواسعة لجماهير الشعب في تسيير الحكم من خلال تصور واضح لطريق الكفاح وطريق الوحدة .

إن تسوية المسألة الكردية في العراق . وإن المضي في تطبيق قواعد اتفاق هذه التسوية بسرعة وإخلاص يشق طريقاً واسعة أمام كثير من المسائل التي تُثقل مسيرة الشعب العراقي الوطنية التحررية والقومية والوحدوية، كما وأنها تُسقط الكثير من الذرائع التي يتذرع بها الإقليميون والانتهازيون الذين يحتمون وراء التسلط والاستبداد . فالباب اليوم مفتوحة أمام العراق لتطور كبير على الصعيد الوطني والقومي . لربما دخل في روع البعض، أن إعطاء الأكراد حقوقهم القومية في العراق سواء ما يتعلق منها بالاستقلال الإداري للمنطقة التي تعيش فيها أكثرية كردية أو ما يتعلق منها بمشاركة الأكراد في الوحدة الوطنية وفي البناء السياسي العراقي يخلق وضعا خاصا في العراق . إلا أنه لا بد للقوى التقدمية الكردية في العراق من أن تدرك أكثر من غيرها، أن العراق جزء لا يتجزأ من الوطن العربي والأمة العربية وأن ليس بمقدور العراق أن يستكمل شروط تحرره السياسي والاقتصادي إلا على طريق الوحدة العربية وعلى طريق التزام العراق الكامل بالنضال العربي الموحد بالمسيرة الوحدوية وبالكفاح المصيري ضد الصهيونية والامبريالية . وأن الوحدة الوطنية بين العرب والأكراد في العراق لا بد أن تكون دفعاً أقوى على هذا الطريق لا ترددا أمامه أو انكفاء عنه .

نيسان / 1970 /                                              الأمانـــة العامـــــــة

التعليقات مغلقة.