الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

  مسدس خيري علقم!

غازي العريضي *            

ماذا تعني عملية القدس التي نفّذها البطل الفلسطيني خيري علقم؟ أهي هواية أم غواية أم حالة مرضية أم حالة غير مُرضية وصلت الى حد اليأس، فجاءت ردّة فعل على ما يصيب الفلسطينيين منذ عقود من الزمن؟

ماذا يُنتظر من الفلسطينيين الذين ترتكب بحقهم عصابات جيش الإرهاب “الاسرائيلي” مجازر جماعية، وإعدامات على شاشات التلفزة، وتهجّرهم من بيوتهم، وتبني المستوطنات، وتمنعهم من رفع علمهم على أرضهم، وتصادر جثث شهدائهم، وتدنّس مقدساتهم في المسجد الأقصى والكنائس، وتقيّد حرية صلاتهم، وتحرق عائلات في منازلها (عائلة الدوابشة) وتُكرّم القتلة بدعم مالي من جمعيات أميركية، وتُمنع السلطة الفلسطينية من دعم عائلات الضحايا، وتصادر أموالها، وتسحب تراخيص الانتقال من رموزها، وتدمّر مؤسساتها؟

هل دم المصلّين في المسجد الأقصى محلّل للصهاينة وعصابات الإرهاب هذه؟ هل يحرم الفلسطينيون من مكان على أرضهم وهم مستهدفون برموزهم ومقدساتهم وشعائرهم ومقابرهم وعاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم وذاكرتهم وحياتهم اليومية ومستقبلهم ويطلب إليهم عدم التصعيد؟

خيري علقم ردّ على طريقته على كل هذه الجرائم، بعد أن أعدمت “اسرائيل” خلال شهر واحـــد ثلاثين فلسطينياً. قامت القيامة. إطلاق نار على “باب كنيس” و”استهداف مدنيين” ونسي كثيرون أو تجاهلوا الاعتداءات اليومية داخل المسجد الأقصى وداخل الكنائس واستهداف المصلّين؟ نسوا فلسطين وأرضها وحقها والقرارات الدولية وهؤلاء يتحدثون عن حل الدولتين “والسلام” وبعضهم ذهب الى توقيع اتفاقات إبراهيمية مع “الشريك الاسرائيلي”، وبعض منهم دان عملية علقم ولم يقل كلمة عن ممارسات “اسرائيل”، وآخرون دعوا الى عدم التصعيد!

لقد حذّر مسؤولون أميركيون ودوليون العصابة الجديدة الحاكمة في “اسرائيل” بقيادة بنيامين نتنياهو من تدمير كل شيء، كل أمل بالوصول الى اتفاق، وابتلعوا ألسنتهم أمام عملية القدس الأخيرة. إنهم يدينون الضحية ويدافعون عن الجزاّر!

كنا نقول ونكتب ونكرر القول والكتابة: لا أمن ولا استقرار في المنطقة دون حل القضية الفلسطينية بشكل عادل يعترف بحق الشعب الفلسطيني على أرضه في إقامة دولته المستقلة وممارسة سيادته عليها. عملية القدس إثبات على هذه الحقيقة. ستكون عمليات كثيرة وكبيرة ولن يتوقف هذا الصراع مهما طال الزمن وكانت التضحيات ووقعت اتفاقات واستقوت “اسرائيل” ببعض العرب لتأخذ شرعية قتل عرب آخرين ودفن القضية العربية المركزية الأم فلسطين. فلسطين لا تموت، لا يموت حقها لا على يد “اسرائيل” ولا بشراكة بعض العرب المتوهمين ان “اسرائيل” ستحميهم وهي الشريك الضامن لأمنهم واستقرارهم.

ما رافق عملية خيري علقم في ردّه على مجازر جنين وفجور الاحتلال “الاسرائيلي” من فرح في المخيمات وإطلاق نار وابتهاج هنا وهناك هو نوع من “فشة الخلق” كما يقال وتعبير عن حالة اليأس. شعر البعض بالقدرة على فعل شيء في وجه هذا المسلسل الإجرامي المفتوح بحق الفلسطينيين. النقاش يجب أن ينطلق من تحديد الأسباب ومعالجتها. الأسباب هي: “الاحتلال. الإرهاب. العنصرية. الأبارتهايد. التمييز العرقي والديني في دولة تقرّ القوانين التي تحمي القتلة والعنصريين وشعار قادتها قتل العرب”. ويأتيك من الغرب من يتحدث عن حقوق الانسان التي تقف عند حدود “اسرائيل”. دولة يحق لها فعل كل شيء وممنوع انتقادها أو محاسبة مسؤوليها! فماذا يُنتظر من الفلسطيني الذي يواجه قدره بالموت بأساليب مختلفة وهو متروك؟

خيري علقم شاب، حمل مسدسه وأطلق النار على المستوطنين وكانت إصاباته دقيقة وهو يعلم أنه سيكون شهيداً، كما غيره من الشهداء في الضفة وغزة. فاجأ الارهابيين “الاسرائيليين”، أحبطهم. مسؤولوهم في حالة ذهول وضياع في كيفية التعامل مع هذه الظواهر. ليس أمامهم إلا الهروب الى الأمام والفلسطينيون يطاردونهم. مسدسات تقاوم تقنيات عالمية عالية الدّقة تفاخر بها “اسرائيل” وتتهافت دول على شرائها، ومع ذلك تنتصر إرادة الفلسطينيين. الناس في شوارع دولة الإرهاب ينتقدون قادة الحكومة المجرمين، ووسائل الإعلام تتحدث عن إرادة وحرفية خيري علقم ومن سبقه ومن سيأتي بعده. يتأكد كل يوم: الإرادة الفلسطينية لن تكسر! والحل الوحيد وقف الإرهاب. إعطاء الفلسطينيين حقهم. ما عدا ذلك ستبقى الحرب مفتوحة والصراعُ مستمراً.

خيري علقم قال برصاصاته باسم الفلسطينيين مخاطباً الإرهابيين “الاسرائيليين” ومن يشاركهم ويدعمهم ويقف معهم :

علقم فلسطين يُمرمركم، يقتلكم، ينتقم منكم. خير فلسطين يرعبكم. علم فلسطين يقضّ مضاجعكم. صمود نساء فلسطين يربككم. إصرار أسراها ومناضليها ورموزها على مقاومتكم يفضحكم. يقلقكم. مهارتهم تسقط حقارتكم وإجرامكم وإرهابكم! وللعدالة وحقوق الانسان معيار واحد يطبق على الجميع ولا قيمة لاتفاقات تغطي العنصرية التي دانتها منظمة العفو الدولية، فقامت القيامة ضدها وتشنّ حملة على السلطة الفلسطينية لأنها ذهبت الى الأمم المتحدة ومنها الى محكمة العدل الدولية وتتحضّر للذهاب الى المحكمة الجنائية الدولية وهذا في نظر أميركا من المحرّمات.. ويقف بعض العرب في صف “اسرائيل”.

أتمنى أن أكون مخطئاً. لكن تاريخ “اسرائيل” يجعلنا نتوقّع أنها ستلجأ الى عمليات أمنية في عدد من دول “الاتفاقات الإبراهيمية” العربية، لتحمّل آخرين المسؤولية وتمسك أكثر بمفاصل القرار الأمني وتكون “الحامي والضامن والشريك”! (اللوحة للفنان يزن القاضي).

* وزير ونائب لبناني سابق؛ كاتب سياسي

المصدر: 180 بوست

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.