الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

هل يستمع جو بايدن إلى عرب ومسلمي أمريكا؟

محمد المنشاوي *

رغم اقتراب عدد مواطني الولايات المتحدة من 337 مليون شخص، إلا أن مصير ونتيجة انتخاباتها الرئاسية المُقبلة ستتحدد بناء على تصويت واختيارات ما يقرب من مائة ألف شخص فقط ينتشرون في ست ولايات متأرجحة هي بنسلفانيا وجورجيا وأريزونا ونيفادا وويسكونسن وميشيجان.

وهؤلاء الناخبون لا يجمعهم الولاء بأي انتماءات حزبية جامدة، وهم يغيّرون نمط تصويتهم دورياً من خلال حكمهم على المرشحين وبرامجهم ومواقفهم، دون الالتفات للراية الحزبية والأيديولوجية.

وفي انتخابات 2020 فاز الرئيس جو بايدن في الانتخابات الرئاسية على منافسه دونالد ترامب في هذه الولايات. وفي بعض الولايات تفوّق بايدن بفارق عشرة آلاف صوت فقط، ومع وجود قاعدة «الفوز المطلق» التي تمنح كل أصوات الولاية إلى المرشح الحاصل على أكثر نسبة من الأصوات، ذهبت أصوات هذه الولايات بالكامل لبايدن.

ومع ثبات خريطة الولاء الحزبي في الـ44 ولاية الباقية، إضافة للعاصمة واشنطن، سيركز كل من بايدن وترامب جهودهما للفوز بهذه الولايات التي يقترب فيها بشدة نسب تأييد المرشحيّن المتنافسيّن.

                                                       *          *         *

خلال الأيام القليلة الماضية، وبعد ثبات الموقف المؤيد بصورة مطلقة للجانب الإسرائيلي من قبل إدارة جو بايدن، سواء من الناحية الدبلوماسية باستخدامها حق النقض «الفيتو» ثلاث مرات بمجلس الأمن، أو سياسياً برفضها المطالبة بوقف إطلاق النار، أو عسكرياً باستمرار تسليحها إسرائيل وإمدادها بما تحتاجه من قنابل وذخائر، هَددَ عرب ومسلمو أمريكا بعدم التصويت لصالح بايدن في انتخابات 2024، وهو ما قد يتسبب في هزيمته.

وتعهَّد الكثير من قادة عرب ومسلمي أمريكا بأنهم سيعملون على حشد مئات آلاف الناخبين المسلمين، وتشجيعهم على وقف التبرعات والامتناع عن التصويت لصالح الرئيس جو بايدن في انتخابات الرئاسة عام 2024 ما لم يتخذ خطوات فورية لوقف إطلاق النار في غزة.

وحتى الآن فشلت كل محاولات إدارة بايدن في مصالحة الناخبين العرب والمسلمين مع استمرار رفض بايدن المطالبة بوقف إطلاق النار وإنهاء العدوان على قطاع غزة ووقف إمداد إسرائيل بالأسلحة والذخائر.

وصعَّد عرب ومسلمو أمريكا من مستوى القطيعة بين بايدن وأعضاء حزبه، وصوت ما يقرب من20% في ولايتين هامتين، ميشيجان ومينيسوتا، بعدم الالتزام uncommitted، وتجنبوا التصويت لصالح بايدن في انتخابات الولايات التمهيدية. ويمكن لأكثر من 100 ألف ناخب في ميشيجان، وأكثر من 50 ألف ناخب في مينيسوتا، وهم الديمقراطيون الذين لم يصوتوا لبايدن، أن يقلبوا نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة حال تصويتهم لترامب، أو بقائهم في البيوت وعدم التصويت.

تُعد هذه النسبة انتصاراً لحركة عدم التصويت لبايدن على خلفية دعمه الكامل للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ولم تعكس نتائج الانتخابات التمهيدية في ميشيجان ومينيسوتا تقييم قوة الرئيس بايدن في ولايتين من أهم الولايات المتأرجحة التي تمثل ساحة معركة رئاسية أمام غريمه المرشح الجمهوري دونالد ترامب فحسب، بل هي بمثابة اختبار حاسم لثمن رفض بايدن الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة.

                                                       *          *         *

وعلى الرغم مما يمثله الرئيس ترامب من تهديد للديمقراطية الأمريكية، وعلى الرغم من تبنيه مواقف سابقة داعمة لإسرائيل، إلا أنه قد لا يكترث بقيود السياسات الأمريكية التقليدية التي لا تتجرأ على الخروج عن نصوص ومحددات السياسات التقليدية التي أرست دعائمها دولة أمريكية بيروقراطية عميقة يتمتع فيها الصهاينة وأنصار إسرائيل بباع طويل ومعقد من النفوذ والسطوة.

قرارات ترامب الخارجية لا تنطلق من نظريات في إدارة العلاقات الدولية، لكنها مبنية بالأساس على حسابات وتفضيلات ترامب المتعلقة بأمور متداخلة ومعقدة بصورة يطغى عليها الجانب الشخصي، ويتحكم في جانب ترامب الشخصي خبراته السابقة وإدارته للعديد من الشركات والمؤسسات التجارية والعقارية، داخل وخارج الولايات المتحدة، حيث أدى فيها ترامب أدواراً مختلفة منها المالك، والمدير، والخاسر، والمستثمر.

نعم من المبكر معرفة رأي عرب ومسلمي أمريكا في التصويت لترامب، لكن سيكون موعد 5 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل كاشفاً لدرجة دعمهم لرئيس لم يأبه، بل ودعم، قتلْ عشرات الآلاف من الأبرياء في قطاع غزة، أو وصولهم لدرجة من الغضب يأتون فيها بدونالد ترامب رئيساً مرة أخرى للولايات المتحدة، سواء بالتصويت المباشر له، أو الامتناع عن المشاركة في عملية الاقتراع وحرمان بايدن من أصواتهم.

                                                       *          *         *

من هنا، يواجه بايدن وفريقه، معضلة في التعامل مع غضب الناخبين العرب والمسلمين في الولايات المتأرجحة مع استمرار دعمهم لحملات «التخلي عن بايدن»، في الوقت الذي لا يبدو فيه أن بايدن مستعد لتغيير موقفه الداعم وبقوة للجانب الإسرائيلي.

وشهدت الأيام والأسابيع الماضية زيارات عدد من مسؤولي إدارة الرئيس لحث قادة الجالية العربية والإسلامية على التصويت لبايدن، وتحدثوا كذلك إلى الناخبين الذين يُعد دعمهم أمراً حاسماً في ولاية يجب أن يفوز بها بايدن في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل إذا أراد الفوز بفترة حكم ثانية.

لكن لم تنجح جهود الإدارة في محاولتها لتعبئة الناخبين، رغم ترويجهم لسجل بايدن وتحذيرهم من عواقب وصول المرشح الجمهوري ترامب للبيت الأبيض مرة أخرى.

ولا يستطيع بايدن تحمل خسارة أصوات عرب ومسلمي ولاية ميشيجان، التي أصبحت إحدى أهم الولايات المتأرجحة في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. وتُعد ولاية ميشيجان موطناً لأكثر من 300 ألف أمريكي من أصول شرق أوسطية، ولا يشمل هذا العدد الفئات الأخرى التي لا توافق على الحرب في غزة، ولا سيما الشباب والأقليات.

يراهن البيت الأبيض على تذكير الناخبين العرب والمسلمين بسجل ترامب في الحكم بين 2017ــ2021، وسيبذل الديمقراطيون قصارى جهدهم لجعله استفتاء على ترامب. إلا أنه وبعد وجود بايدن في البيت الأبيض لأربع سنوات 2021ــ2024، أجدر بنا أن نحكم على سجل بايدن، وأن نجعل انتخابات 2024 بمثابة استفتاء على مواقف وسياسات جو بايدن وليس دونالد ترامب.

* كاتب صحفي متخصص في الشؤون الأمريكية، يكتب من واشنطن

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.