الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

على بايدن إبلاغ إسرائيل ببعض الحقائق الصعبة

ياسمين عبداللطيف زرد *

نشرت صحيفة The Washington Post مقالاً للسياسي الهندي الأمريكي “فريد زكريا” أوضح فيه كيف فشلت استراتيجية الولايات المتحدة فى التعامل مع حرب إسرائيل ضد غزة. وفى ظل تدهور الأوضاع بالقطاع- بشرياً ومادياً- يقول الكاتب إن السبيل الوحيدة حتى يستعيد بايدن مصداقيته عالمياً، يكون بذهابه إلى إسرائيل وإلقاء خطاب يُبرز فيه للساسة هناك بعض الحقائق إذا أرادوا إنهاء هذا الصراع. ذكر الكاتب هذه الحقائق بالتفصيل… نعرض من المقال ما يلي:

بدايةً؛ عندما شنت حماس هجومها الإرهابي على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، اتخذ الرئيس بايدن قراراً مبنياً على الحسابات، إذ أعلن تضامنه الكامل مع تل أبيب، معتقداً أن الطريقة الوحيدة للتأثير على إسرائيل هي احتضانَها وإظهار التعاطف الحقيقي معها وإرسال الأسلحة التي تحتاجها وبالتالي كسب ثقتها في رسم الرد على حركة حماس. ورغم أن الاستراتيجية كانت مدروسة جيداً، إلا أنها فشلت تقريباً فشلاً ذريعاً.

بعبارة أوضح، حثت الإدارة الأمريكية قبل كل شيء الجانب الإسرائيلي على مراعاة التناسب في ردهم على حماس. وسمعت إسرائيل ذلك إلا أنها مضت في واحدة من أكثر حملاتها العسكرية اتساعاً في هذا القرن ضد سكان يبلغ عددهم نحو 2.2 مليون نسمة، والذين يضمون، وفقاً لتقديرات إسرائيل الخاصة، نحو 30 ألفاً من مقاتلي حماس. وبحسب تقديرات شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، فإن أكثر من نصف المباني في مختلف أنحاء غزة قد تضررت أو دمرت.

ثانياً، نصحت الإدارة الأمريكية إسرائيل بعدم القيام بغزو بري كبير لغزة، كما اقترحت اتخاذ نهج محدد ومستهدف يهدف إلى القضاء على مقاتلي حماس وبنيتهم التحتية، وعقدت الحكومة الإسرائيلية الكثير من الاجتماعات الطويلة مع المسؤولين الأمريكيين، لكن في النهاية مضت في الغزو البري.

ثالثاً: دعت إدارة بايدن إلى هدنة إنسانية، لكن لم يحدث إلا وقف قصير لإطلاق النار عندما تمكنوا من إقناع الحكومة القطرية بالتوسط فى تبادل الرهائن.

رابعاً: بعد انتهاء العمليات العسكرية الأولية، قال المسؤولون الأمريكيون لنظرائهم الإسرائيليين إن ما حدث في شمال غزة لا يمكن فعله في الجنوب. ومع ذلك، وبعد أن طلبت من الناس الانتقال إلى الجنوب لتجنب الأذى، شرعت إسرائيل في قصفها بطريقة اعترف بايدن نفسه بأنها «عشوائية».

خامساً: مارست الولايات المتحدة ضغوطاً متكررة على إسرائيل لبذل جهود أكبر لحماية المدنيات والمدنيين الأبرياء، ولكن دون جدوى، وهي الآن تقدم المشورة ضد غزو رفح، حيث يتجمع أكثر من مليون فلسطيني وفلسطينية. لكن وعد نتنياهو بغزوها، سواء تم التوصل إلى صفقة رهائن أخرى أم لا.

سادساً: حذرت واشنطن من أنه بعد الحرب يجب ألا يكون هناك استيلاء إسرائيلي على أراض في غزة، بالإضافة إلى عدم احتلال القطاع مجدداً. الآن، تتمثل خطط الحكومة الإسرائيلية في القيام بالأمرين معاً!

                                                    *         *         *

نستنتج مما ذكر أن السياسة الأمريكية في التعامل مع حرب غزة تبدو بائسة وغير فعالة وغير أخلاقية. كما أن صورة المسؤولين الأمريكيين وهم يفركون أيديهم بشأن الخسائر في صفوف السكان المدنيين بينما في نفس الوقت يقدمون المزيد من الأسلحة هي صورة بشعة. وتمتمة رئيس الولايات المتحدة بكلمات مثل «عشوائي» و«تجاوزت الحد الأقصى» في وصف القصف الإسرائيلي توحي بالضعف والسلبية.

في الحقيقة، جزء من المشكلة يكمن في أن بايدن يثق في نتنياهو، وهو سياسي ذكي بشكل استثنائي يعرف كيفية التعامل مع الرؤساء الأمريكيين بخبرة وقد فعل ذلك لعقود من الزمن. هذه المرة، تفوق رئيس الوزراء الإسرائيلي على بايدن في الدهاء والمناورة والتفوق.

لكن المشكلة تتجاوز نتنياهو وحده. بلغة أخرى، إسرائيل تعيش حالة صدمة، فهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر هز البلاد حتى النخاع، وتحطم الشعور بالأمان الذي كان من المفترض أن تمنحه إسرائيل لشعبها، ونتيجة لهذا فإن العديد من الساسة الإسرائيليين يسمحون بقرارات سوف يندمون عليها بشدة.

ومع ذلك، يتمتع بايدن، باعتباره صديقاً حقيقياً لإسرائيل، بالمصداقية اللازمة لإخبارهم بالحقيقة علناً وبشكل مباشر، ربما في خطاب أمام الكنيست الإسرائيلي كما اقترح خبير السياسة الخارجية ريتشارد هاس.

منذ بداية الحرب، لقي 30 ألف شخص حتفهم في غزة، معظمهم من الأطفال. ويقف نحو 1 من كل 4 على حافة المجاعة ويعتمد جميعهم تقريباً على المساعدات الغذائية. كما بلغت إمدادات المياه حتى أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي 7 بالمائة مما كانت عليه قبل الحرب. ناهينا عن أن معظم مستشفياتهم لم تعد تعمل.

وبحسب كلام نيك ماينارد، وهو جراح زائر يقيم في أكسفورد، فقد وصف الحالة في مستشفى بغزة، وهو أحد المستشفيات القليلة التي تعمل جزئياً: «لقد رأينا الكثير من الأطفال يأتون مصابين بإصابات مروعة، وكان الكثير منهم يعلمون أنهم سيموتون. ولا يمكنك أن تمنحهم مسكنات الألم. في كثير من الأحيان لم يكن هناك مورفين. ولم يكن هناك مكان ليموتوا فيه بكرامة. وفي غالب الأحيان كانوا يتركون على الأرض في زاوية قسم الطوارئ ليموتوا».

على الجانب الآخر، تقول إسرائيل إن هدفها هو تدمير حماس بالكامل. يمكنهم قتل مقاتلي حماس. يمكنهم اقتلاع بنيتها التحتية، لكن لا يمكن تدمير حماس لأنها في الحقيقة فكرة، والمقاومة المسلحة هي الطريقة الوحيدة التي سيحصل بها الشعب الفلسطيني على حقوقه. ولهزيمة هذه الفكرة، فهم بحاجة إلى فكرة أفضل، إلى طريقة لإظهار أن العمل والتعاون بدون عنف من شأنهما أن يؤديا إلى حياة أفضل للشعب الفلسطيني والأمن الدائم لكلا الشعبين.

                                                    *         *         *

على بايدن أن يذهب إلى إسرائيل ويُظهر حبه لها من خلال التحدث عن هذه الحقائق الصعبة، كما سيُظهر لأمريكا والعالم أنه لا يزال يتمتع بالطاقة والالتزام الأخلاقي والحكمة اللازمة للقيادة.

……………..

النص الأصلي

ـــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.