الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

في اجتماع وزراء خارجية العشرين.. واشنطن معزولة دولياً

ياسمين عبداللطيف زرد *

نشرت صحيفة The Washington Post مقالاً لمراسل الشؤون الخارجية والدبلوماسية بالصحيفة، (جون هدسون John Hudson)، تحدث فيه عن تعرض الولايات المتحدة في جلسات المحافل الدولية المغلقة لاعتراضات قوية، في ضوء دعمها لإسرائيل في حربها ضد قطاع غزة. تطرق الكاتب أيضاً لما دار في محادثة بين بلينكن ورئيس البرازيل، “لولا دا سيلفا”، بعد تشبيه الأخير لما يحدث في غزة بالمحرقة اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية. لم ينسَ الكاتب إيراد دفاع واشنطن عن نفسها!… نعرض من المقال ما يلي:

أدت معارضة الولايات المتحدة لوقف فوري لإطلاق النار في غزة إلى تعرضها لانتقادات متكررة على مدى يومين، وذلك في اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين الذي انعقد في مدينة “ريو دي جانيرو” البرازيلية الأسبوع الماضي، مما يجعل هذا الاجتماع يشكل علامة فارقة في عُزلة واشنطن الدولية.

وزير الخارجية البرازيلي، “ماورو فييرا”، باعتباره وزير خارجية الدولة المضيفة للاجتماع، بدأ حديثه بشجب «الشَلل» في مجلس أمن الأمم المتحدة، حيث استخدمت واشنطن حق النقض ضد مشروع قرار ثالث تقدمت به الجزائر لوقف فوري لإطلاق النار بغزة الأسبوع الماضي، قائلاً: «إن حالة التقاعس هذه تؤدي إلى خسارة أرواح بريئة».

ضم الاجتماع كبار الشخصيات الدبلوماسية لأكبر 20 اقتصاداً في العالم، منهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره الروسي سيرجى لافروف. وقام وزراء الخارجية الـ20 بعرض وجهات نظرهم حول مختلف القضايا الجيوسياسية في جلسة مغلقة بعيداً عن أعين الإعلام، حتى يتمكنوا من التعبير عما بداخلهم بصراحة أكبر.

ولكن عن طريق الخطأ، تمكنت مجموعة صغيرة من الصحفيين، بما في ذلك من صحيفة واشنطن بوست، من الاستماع إلى الجلسة لأن سماعات الأذن استمرت في بث المحادثات، دون علم المضيفين البرازيليين!

أستراليا مثلاً، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، أيدت وقفاً فورياً لإطلاق النار في غزة، وحذرت بشدة من «المزيد من الدمار» الذي قد ينجم عن الحملة العسكرية الإسرائيلية المحتملة في مدينة رفح الجنوبية، حيث يعيش أكثر من مليون نازحة ونازح فلسطيني. وقالت ممثلة أستراليا، “كاتي جالاجر”: «نقول مرة أخرى لإسرائيل ألا تسلك هذا الطريق. هذا سيكون غير مبرر».

أما جنوب إفريقيا، التي رفعت دعوى جنائية أمام محكمة العدل الدولية الشهر الماضي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية ضد سكان غزة، قالت في الاجتماع: «إن زعماء العالم سمحوا لـ(الإفلات من العقاب) أن يسود». وأضافت “ناليدى باندور”، وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب إفريقيا: «لقد خذلّنا شعب فلسطين».

  • • •

خلقت هذه التصريحات التي أذيعت عن طريق الخطأ تناقضاً حاداً مع اجتماع مجموعة العشرين في الهند العام الماضي، ووصف خبراء هذا التناقض بين مكانة واشنطن العالمية من عام إلى آخر بأنه صارخ. وذلك حينما سعى بلينكن إلى توحيد القوى العالمية في إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ في ذلك الوقت، وجد بلينكن جمهوراً أكثر تقبلاً عندما استَشهد بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ السيادة لانتقاد استيلاء موسكو على الأراضي الأوكرانية.

ولكن في البرازيل هذا العام، عولت الشخصيات الدبلوماسية على نفس المبادئ لانتقاد الحرب الدائرة في غزة، وانتقاد واشنطن التي قدمت لإسرائيل الغطاء السياسي وقنابل ومعدات عسكرية بقيمة مليارات الدولارات. وعلقت ممثلة جنوب إفريقيا: «لو كنا، على سبيل المثال، مُتحدين خلف المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، فإن المأساة في فلسطين لن تستمر أكثر من ثلاثة أشهر».

ريتشارد جوان، الخبير في الشؤون المتعددة الأطراف بمركز مجموعة الأزمات الدولية، قال: «قبل عام، كانت الولايات المتحدة تضع روسيا في موقف دفاعي بشأن أوكرانيا (أي جعلتها تفقد توازنها وتتراجع). الآن يبدو أن إدارة بايدن تفقد قبضتها على الأحداث في أوكرانيا وغزة، ويمكن أن تفقد قبضتها على انتخابات نوفمبر (الرئاسية) أيضاً».

  • • •

في المقابل، ومن بين دول أمريكا اللاتينية، حصلت الولايات المتحدة على إعفاء من الإدانة خلال تصريحات الأرجنتين، التي يعتبر رئيسها المنتخب حديثاً، “خافيير مايلي”، مؤيداً قوياً لإسرائيل. فرغم اعترافه بأن الصراع قد تسبب في «كارثة إنسانية»، إلا أن ممثل الأرجنتين بالاجتماع أدان «الأعمال الإرهابية التي تقوم بها حماس» وطالب بـ«الإفراج غير المشروط عن الرهائن».

التمثيل الأمريكي بالاجتماع ركز على العمل لتحقيق أهداف البرازيل لمجموعة العشرين، بما في ذلك التعاون بشأن قواعد العمل، وتغير المناخ، والأمن الغذائي. وقال إنه يأمل ألا تؤدي الخلافات بشأن غزة إلى عرقلة هذه الجهود، لكن تعليقات الرئيس البرازيلي، “لولا دا سيلفا”، قبل أيام من وصول بلينكن والتي تقارن مذبحة غزة بالإبادة الجماعية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية شكلت عقبة أخرى، كما لم يكن اجتماع وزير الخارجية الأمريكي، يوم الأربعاء الماضي، مع “لولا دا سيلفا”، أفضل حالاً، إذ قال فيه بلينكن «أوضح أننا نختلف مع تلك التعليقات»، واستمر النقاش بين الزعيمين لمدة ساعة ونصف الساعة تقريباً، حسبما قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لمناقشة مسألة حساسة دارت في الحوار، وأضاف هذا المسؤول: «أود أن أقول إن الاثنين كان لهما حديث صريح».

بعبارة أوضح، بصفته رئيساً لأكبر دولة في أمريكا اللاتينية من حيث عدد السكان ومضيفاً لمجموعة العشرين، اضطلع ‘لولا’ بدور كبير كصوت للعالم النامي عندما تعلق الأمر بالحربين في غزة وأوكرانيا، وفي كلتا الحالتين انتقد معارضة واشنطن لقرار فوري لوقف إطلاق النار.

أما بلينكن فأوضح خلال المحادثة الثنائية مع ‘لولا’ وجهة نظره بأن الولايات المتحدة لا تدعم وقفاً فورياً لإطلاق النار لأنه سيجعل حماس تكرر هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر ضد إسرائيل، بحسب المسؤول الكبير. ونقل بلينكن لـ’لولا’ جهود الولايات المتحدة للتوسط في اتفاق بين حماس وإسرائيل من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق سراح السجناء مقابل وقف إنساني للقتال، وزيادة المساعدات الإنسانية.

في هذا النطاق، تقول المخابرات الأمريكية إن القوات الإسرائيلية أضعفت بشكل كبير قدرات حماس، لكنهم يقدرون أنها ليست قريبة من القضاء على الجماعة، رغم مرور أكثر من 100 يوم على الحرب ومقتل ما يقرب من 30 ألف فلسطيني وفلسطينية، وفقاً لأرقام وزارة الصحة في غزة!

………………

النص الأصلي

ــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.