الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

كتاب «في الفكر السياسي»؛ (الجزء الأول).. الحلقة الثانية عشر

 (الحرية أولاً) ينشر حصرياً الكتاب المفقود «في الفكر السياسي» بجزئيه، للمفكرين “الأربعة الكبار”، وهذه الحلقة الثانية عشر من الجزء الأول(5). موقف لينين من كتاب ستالين؛ بقلم الأستاذ “الياس مرقص”

 

   إيضاحات حول مفهوم الأمة

(5). موقف لينين من كتاب ستالين

    هذا كله يقودنا إلى التساؤل عن موقف لينين من التعريف الستاليني للأمة. كتبَ ستالين بحثه عن المسألة القومية في أواخر عام ۱۹۱۲ بناءً على تكليف من لينين. فقد طلب لينين

منه وضع دراسة يَردُ فيها على نظريات الاشتراكيين النمساويين أوتوباور وكارل رينر (شبرنجر) وعلى أنصارهم في روسيا. وجاء ستالين إلى فيينا حيث راجع مؤلفات باور ورینر، بمساعدة بوخارین وتروبانوفسكي (لأن ستالين لم يكن مُلماً باللغة الألمانية).

    وكان لينين يعلق أهمية كبرى على الدراسة التي كلف بها ستالين. فكتب إلى صديقه مكسيم غوركي يقول له:

    « يوجد عندنا جيورجي رائع، يهيئ لنا مقالاً مسهباً عن هذا الموضوع لمجلة بروسفيستشينية ».

    وانتظر غوركي وانتظر لينين. وصدر المقال.

    فماذا كان موقف لينين منه? ما هي آيات الحماس والإعجاب التي استقبل بها لينين مقال «الجيورجي الرائع»، بعد صدور هذا المقال?

    لقد تجاهل لينين مقال ستالين كلياً ولم يتحدث عنه. لم يهاجمه ولم يمدحه. بل تجاهله..

    تجاهل تعريف الأمة. هذا «التعريف العلمي الماركسي» وتجاهل «المنطق الدقيق الصارم» و«التحليل التاريخي الجدلي».. وتجاهل ايضاً الحلول العملية- السياسية التي أوردها ستالين في مقاله..

    ومضت سنوات.. وانتصرت الثورة وواجه الحكم السوفياتي المشاكل القومية في القوقاس ومنطقة الفولغا وآسيا الوسطى، في شرقي روسيا السوفياتية وغربها.. واشتد النضال القومي الثوري في أقطار الشرق، في الهند والصين وترکیا والبلاد العربية..

    والمفروض أن يكون الحكم السوفياتي والأممية الشيوعية بأمسّ الحاجة إلى هذا التعريف الماركسي العظيم..

    إلا أن لينين لم يذكر هذا التعريف، ولم يذكره أحد على الإطلاق. وستالين نفسه لم يذكر تعريفه.. ولم يستشهد أحد بقول من أقوال ستالين المأثورة في غمرة هذا النضال الخطير المعقد.

    لقد عاش لينين عشر سنوات بعد صدور مقال ستالين. وخلال هذه السنوات كلها لم يذكر تعریف ستالين مرة واحدة. ولو أدلى لينين بتصريح واحد يؤيد فيه هذا التعريف، لوُضع هذا التصريح في كل طبعة صدرت لكتاب ستالين كما توضع فيها عادة الجملة التي كتبها لينين إلى غوركي والتي تخبره بقرب صدور مقال «الجيورجي الرائع».

    يبدو إذن أن لينين لم يكن موافقاً على التعريف ولم يكن متحمساً للمقال بعد صدوره..

    ولكن لماذا لزم الصمت?

    هل فضل الرد عليه بصورة غير مباشرة: أي التجاهل واتخاذ مواقف مخالفة لما ورد في الكتاب?

    هل اعتبره مقالاً ثانوياً لا يستحق الرد والنقاش، لا سيما أن ستالين لم يكن شخصية معروفة في الحركة الثورية في روسيا والعالم وأنه لم يتبلور حول التعريف المذكور أي انحراف معيّن?

    هل أراد لينين أن يتجنب فتح نقاش لا جدوى منه حول «تعريف الأمة»، في وقت كان هدفه محاربة اتجاهات مثالية وشوفينية محدّدة? وقد أسهم كتاب ستالين في تحقيق هذا الهدف..

    مشكلة ليس لها حل! وكل ما يمكن أن نقوله بصددها لا يتعدى حدود التخمينات!

    ولكن ثمة شيء أكيد، هو أن لينين لم يكن يتوقع لهذا التعريف الشُهرة العجيبة التي نالها بعد وفاته. ما من إنسان كان يتوقع تلك الشهرة- ويمكن القول إن ستالين نفسه ما كان ليتوقعها.

    فكيف أحرز تعريف ستالين هذه الأهمية?

ــــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع.. الحلقة الثالثة عشر بعنوان: (6). كيف فرض ستالين تعريفه؛ بقلم الأستاذ “الياس مرقص”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.