الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

السياسة الخارجية اللبنانية.. ولّى الزمن الذهبي

توفيق شومان *        

لولا “الصراع القضائي” الدائر بين السلطات الظاهرة والخفية، كان يمكن لتخلف لبنان عن تسديد ما عليه من مستحقات مالية للأمم المتحدة، أن يأخذ مداه من الجدال المحصور بتأخر أو إهمال الدولة اللبنانية عن الوفاء بالتزاماتها لأعلى هيئة دولية في العالم، وكل هذا يدفع إلى استرجاع الذاكرة لزمن العز الذي عرفته سياسة لبنان الخارجية ومقارنته بزمن الفاقة الذي يُخيم عليه منذ اجتاحه الخراب. 

أكثرية الناشئة اللبنانية ترى في الواقع اللبناني المقيت امتداداً لزمن سياسي مضى لم يعرف لبنان عنه بديلا ولا تبديلا، ويغذي هذه القناعة الدميمة والمشوهة استمرار الاستعصاء السياسي الذي يُجفف احتمالات الخروج من المعضلات الراهنة، غير أن مراجعة ما كان عليه لبنان، ستُظهر بلدنا رائداً وطليعياً في مختلف المجالات ومنها المجال الدبلوماسي الممتد من عام استقلاله حتى سنة خرابه عام 1975، وتحفل الدبلوماسية اللبنانية بالوقائع التالية:

– عقد الأربعينيات:

يروي رئيس الحكومة اللبنانية الراحل حسين العويني “في خواطر سياسي” كيفية إسهام القادة اللبنانيين بإقناع المملكة العربية السعودية بالانضمام إلى جامعة الدول العربية، فيقول: “برزت في البلاد العربية فكرة تأسيس جامعة الدول العربية، لكن رجلاً واحداً تمهل وأطال التمهل والسكوت، ذلك الرجل هو الملك عبد العزيز آل سعود، وكان رياض الصلح على رأس الحُكم عندنا، فدعاني يوماً وأسرّ لي بما يساوره من مخاوف إن بقيت المملكة العربية السعودية خارج الجامعة، واستقر رأينا أن اذهب إلى الرياض فأهيئ الجو لمجيئه، وتهيأ الجو في نيسان/ ابريل 1949، بدأ جلالة الملك حديثه: هات ما عندك، فقال رياض: تعلمون ما وصل إليه العرب من تفكك وتضغضع، تدور الآن مشاورات حول تأسيس جامعة للعرب، وأنتم أول من يغار على العرب ومصالحهم، فقال الملك أنا لا أريد أن يقال إن عبد العزيز خرج عن الإجماع وكان السبب في عدم إخراج الفكرة إلى حيز الوجود، اذهبوا واعملوا وأنا جندي من جنود العرب”.

في الواحد والعشرين من آذار/ مارس 1949 استضافت العاصمة اللبنانية بيروت مؤتمر “لجنة التوفيق” الخاص بالقضية الفلسطينية، وتُشير “الموسوعة الفلسطينية” إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة “أصدرت قرار تشكيل لجنة ثلاثية تدعى لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين، تشكلت من فرنسا وتركيا والولايات المتحدة وباشرت عملها بأن دعت الحكومات العربية إلى مؤتمر عُقد في بيروت يوم 21ـ 3 ـ 1949 وفيه عرضت الوفود العربية آراءها ومواقفها”.

عن هذه “اللجنة” تحدثت صحيفة “البعث” الفلسطينية (10ـ3 ـ 1949) فقالت “شرقي الأردن وسوريا بعد لبنان توافقان على دعوة لجنة التوفيق لحضور مؤتمر بيروت، وأعلن سعادة عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام لجامعة الدول العربية بأن موعد اجتماع مجلس الجامعة سوف لا يُحدد قبل أن تبت الحكومة المصرية في مسألة الاشتراك في مؤتمر بيروت، ولا تزال المشاورات تدور بين الحكومة المصرية والحكومات العربية بشأن السياسة التي ستتبع في أربع أو خمس مسائل كمسألة القدس وعودة اللاجئين والحدود وغيرها”.

وقالت “البعث” في الخامس عشر من آذار/ مارس 1949 “قدّمت الهيئة العربية العُليا مذكرة إلى لجنة التوفيق في بيروت تدعوها إلى إدراك خطورة الموقف الحالي في فلسطين وأقطار الشرق العربي، وأهابت المذكرة باللجنة أن تقدر الحيف والظلم اللذين حلا بعرب فلسطين ودعتها إلى إلغاء قرار التقسيم وإعادة فلسطين إلى وحدتها وتحقيق حريتها واستقلالها وفقا للمبادئ الديموقراطية التي يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة، وتقول المذكرة إن مشكلة اللاجئين في مقدمة الكوارث التي نشأت عن قرار التقسيم، وذكر راديو القاهرة أن لجنة التوفيق تفكر بنقل مقرها من القدس إلى العاصمة اللبنانية”.

في مجال دبلوماسي آخر يعود تاريخه أيضا إلى عام 1949 وحيث شهدت العلاقات المصرية ـ السورية خصومات ونزاعات، تصدت بيروت لتفكيك عقدة النزاع بين القاهرة ودمشق، كيف جرى ذلك؟

على رأس الصفحة الأولى لصحيفة “الجزيرة” الأردنية الصادرة في التاسع والعشرين من آب/ أغسطس 1949 الخبر التالي “الرئيس اللبناني يحث ملك مصر على الاعتراف بالوضع السوري”، وفي تفاصيل الخبر “أن الحكومة اللبنانية باتت تخشى من أن الاضطراب الذي عمّ الشؤون العربية قد يؤدي إلى انهيار الجامعة العربية إلا إذا استطاع العرب تدارك ذلك، وأًعلن في بيروت أن فخامة الشيخ بشارة الخوري بعث برقية إلى جلالة الملك فاروق يحثه فيها على الاعتراف بالوضع الجديد في سوريا، وصرّح دولة رياض الصلح بأن الدكتور ناظم القدسي وزير خارجية سوريا قد طلب منه التوسط بين مصر وسوريا قبل أن يتسع بينهما الخرق الذي نشأ عن مصرع حسني الزعيم”.

وشرحت صحيفة “الجزيرة” الأردنية (1ـ 9 ـ 1949) آلية العمل اللبنانية بالقول “لا تزال رحلة الأستاذ كميل شمعون إلى الحجاز لمقابلة جلالة الملك عبد العزيز آل سعود وسمو الأمير فيصل موضع تعليقات كثيرة، وتعتقد الأوساط السياسية أن غاية المقابلة إقناع الجانب السعودي بالتوسط لدى مصر لتعديل موقفها من سوريا، وقد أيّد دولة رياض الصلح هذا المسعى”.

وفي عددها التالي (2 ـ 9 ـ 1949) أوردت “الجزيرة” النتائج التي أثمرتها الدبلوماسية اللبنانية وأشارت إلى برقية وردت من دمشق وأحاطت السوريين علما بـ”اعتراف مصر والمملكة السعودية بالحكومة السورية الجديدة، وقد انتشر هذا الرأي على أثر وصول السيد ناظم العكاري الأمين العام للوزارة اللبنانية إلى دمشق واجتماعه بدولة السيد هاشم الأتاسي وتسليمه تقريرا مفصلا من دولة السيد رياض الصلح، والمفهوم أن هذا التقرير يتضمن نتيجة المحادثات التي دارت مؤخراً بين جلالة الملك السعودي ومعالي السيد كميل شمعون”.

ـ عقد الخمسينيات:

كانت العلاقات السعودية ـ العراقية قد وصلت مبلغا من التأجج جراء تداعيات الخصومة التقليدية بين العائلتين السعودية والهاشمية، وفي “خواطر سياسي” يتحدث الرئيس حسين العويني عن “لبناني كبير” يتحاشى إيراد إسمه، قام بدور الوساطة بين الرياض وبغداد وجاء في سرده للتفاصيل:

“في أوائل سنة 1953 هيأت الأسباب لزيارة لبناني كبير إلى المملكة العربية السعودية، وكان الغرض الظاهر من هذه الزيارة الرغبة في التعاون والبحث في قضية فلسطين، والواقع أن الغرض الحقيقي محاولة لإزالة سوء التفاهم بين العائلتين السعودية والهاشمية، اختلى الملك عبد العزيز باللبناني الكبير وكان لي الشرف بأن أكون ثالث اثنين في تلك الخلوة وبدأ اللبناني الكبير حديثه:

ـ اللبناني الكبير: يا جلالة الملك الخلاف القائم بينكم وبين العائلة الهاشمية ليس فيه مصلحة للعرب ولا يجوز أن يدوم.

ـ الملك عبد العزيز: إسمع يا أخي سأعطيك ما عندي بكل صراحة، رغبتي إزالة كل أثر يمكن أن يكون قائما في نفوسهم، ليس لي أي مطمع في ضم أي بلد إلى بلادي.

ـ اللبناني الكبير: هل يسمح جلالة الأخ في أن أكون الواسطة في إزالة سوء التفاهم بينكم وبين الهاشميين؟

ـ الملك عبد العزيز: لستُ أرضى أن تكونوا الواسطة بل أرضى أيضا أن تكونوا الحَكَم”.

وحصيلة هذا الجهد للدبلوماسية اللبنانية كما يرويها حسين العويني “زار ولي العهد السعودي ـ سعود بن عبد العزيز ـ لبنان في نيسان/ إبريل 1953 وكان موعد تتويج الملك فيصل الثاني في بغداد غدا قريباً، فرأى اللبناني الكبير في هذه المناسبة مدخلاً وخيراً، وتقبل ولي العهد فكرة حضوره حفلة التتويج، ووجّه البلاط العراقي من ناحيته الدعوة إلى ولي العهد سعود لحضور الحفلة”.

لم ينقض عقد الخمسينيات من القرن العشرين من دون إنجاز دبلوماسي لبناني فوق العادة أكثر من حفظه وسجله للتاريخ هم المقربون من الزعيم القومي العربي جمال عبد الناصر، وفي طليعتهم محمد حسنين هيكل الذي يتحدث في كتابه “كلام في السياسة” عن دور رجل الأعمال والسياسي اللبناني إميل البستاني في وقف “العدوان الثلاثي” على مصر عام 1956 وإسهامه الكبير في خسارة بريطانيا لمعركتها السياسية بعدما خسرت معركتها العسكرية على شواطئ مدينة بور سعيد المصرية.

ـ عقد الستينيات:

كان من نتائج “العدوان الثلاثي” على مصر انزلاق العلاقات المصرية ـ الفرنسية إلى القعر، ففرنسا هي الطرف الثالث مع الطرفين الآخرين بريطانيا وإسرائيل، وهذه الحالة من الاضطراب بين القاهرة وباريس استمرت طوال مرحلة الحكومة الاشتراكية التي ترأسها غي موليه بين العامين 1956 و1957، ولم تستقم الأحوال بين مصر وفرنسا في السنوات الأولى من عودة الجنرال شارل ديغول إلى الرئاسة الفرنسية إثر الإنتخابات الرئاسية في أواخر عام 1958، غير أن نافذة دبلوماسية لبنانية فُتحت في عقد الستينيات خلال عهد الرئيس اللبناني شارل حلو (1913ـ2001) حيث يقول في كتابه “مذكراتي”:

“مصلحتنا نحن كلبنانيين لم تكن لتنحصر في الحفاظ على علاقاتنا مع فرنسا الديغولية ومصر الناصرية وحسب، إنما كانت تصبو قدر المستطاع إلى خلق جو من التفاهم والتعاون بين البلدين، هل كان ذلك ممكنا؟ أي إسهام كان لنا؟ الذي نعرفه أننا سعينا من أجله لمصلحة لبنان”، وما من شك أن هذا اعترافا واضحا من رئيس أسبق للجمهورية اللبنانية بدور الدبلوماسية الوطنية في تقريب المسافات بين مصر وفرنسا، وهذا ما سينسحب لاحقاً على الدور الدبلوماسي اللبناني في ترميم العلاقات بين الأقطار العربية وألمانيا الغربية في أوائل السبعينيات، وسيأتي تفصيله لاحقاً.

في ملفات الدبلوماسية اللبنانية في ستينيات القرن العشرين، تبرز رعاية بيروت للحوار اليمني ـ اليمني عام 1966 واستضافتها مائدة مستديرة بين الأطراف السياسية في جنوبي اليمن حين كانت بريطانيا تمهد للانسحاب منه والذي (جنوبي اليمن) كان متعارفا عليه كاصطلاح سياسي بـ”الجنوب العربي”، وعلى ذلك قالت صحيفة “الحياة” في العاشر من نيسان/ابريل 1966 “صرّح لنا مصدر مسؤول في اجتماعات وفدي الجنوب العربي المجتمعين في بيروت أن الأحاديث التي جرت في الاجتماعات العشرة سلكت طريقا ناجحا وأن الآراء التي تبودلت قرّبت أوجه النظر بين الفريقين وخصوصا في ما له علاقة بمستقبل عدن وقاعدتها واتحاد الجنوب ودستور حُكمه بعد جلاء الإنكليز خلال العام 1968”.

وفي جعبة الستينيات وكما يفصح الرئيس اللبناني الأسبق شارل حلو في “مذكراتي” و”حياة في ذكريات” أن القمة العربية المصغرة في القاهرة “وافقت على التفسير اللبناني لمقررات الإسكندرية 1964 وأحالت على القيادة العربية الموحدة نتيجة تصويت المجلس النيابي اللبناني وهي تقضي بفتح الأبواب للجيوش العربية إذا لزم الأمر ولكنها توصدها أمام كل مزايدة او مهاترة، وفي قمة الدار البيضاء 1965 اشتدت اللهجة وارتفعت الحرارة، انسحبنا وسط جلبة لا توصف، وصلنا إلى نهاية المؤتمر وكدنا نرفع الجلسات، نهض عبد الناصر وقال ما رأيكم لو تركنا للرئيس حلو أن يلخص الموضوع ويعرض ما توصلنا إليه؟ وهذا ما حصل يعني أنا عرضتُ بإسم كل العرب واعتُبِرتُ المعبِر عن رأي جميع العرب”، وفي “قمة الرباط” 1969، تشكلت لجنة رئاسية ثلاثية من ضمنها الرئيس اللبناني لصياغة البيان الختامي للقمة”.

ـ عقد السبعينيات:

ما أن بسط عام 1970 أيامه وأشهره حتى تفجرت العلاقة بين الأردن وفصائل المقاومة الفلسطينية واتخذت طابعا دمويا عنيفا امتدت حلقاته حتى عام 1971 وكان لها الأثر السلبي الكبير على علاقات الدول العربية بعضها ببعض، وفي سجلات الدبلوماسية اللبنانية أن بيروت انخرطت مع عواصم عربية أخرى لتسوية ذات الحال بين الأردنيين والفلسطينيين، وذكرت صحيفة “الحياة” في السابع من تموز/يوليو 1971 “أن الجزائر أبلغت لبنان ترحيبها باختياره عضوا في لجنة التوفيق العربية التي يجري البحث في تشكيلها وتكليفها تنقية الأجواء بين الأردن والمقاومة الفلسطينية”.

وقالت صحيفة “الأنوار” اللبنانية (17 ـ 7 ـ 1971) إن السعودية “طلبت من لبنان مساعدتها في تصفية الجو في الأردن بعد الاشتباكات الأخيرة بين القوات الأردنية والفدائيين الفلسطينيين ورحّب لبنان بهذا الطلب، وقد أعلن ذلك السيد عمر السقاف وزير الدولة للشؤون الخارجية في السعودية إثر مقابلته الرئيس سليمان فرنجية”. وأوردت “الحياة” في الرابع والعشرين من تموز/يوليو 1971 “فرنجية وسلام يجتمعان بالخولي ـ المبعوث المصري ـ والسقاف بحضور ممثل عن الفدائيين، لبنان مستعد للاشتراك في لجنة متابعة رباعية تضم سوريا ومصر والسعودية لوضع أسس ثابتة للتعاون بين الأردن والفدائيين”.

بالرجوع إلى القطيعة العربية ـ الألمانية بسبب إغداق ألمانيا الغربية مساعداتها لإسرائيل وما أنتجه ذلك من تداعيات على العلاقات العربية بدول “السوق الأوروبية المشتركة” التي آزرت الخطوات الألمانية الشنيعة، فقد تقدّم لبنان بمشروع ـ اقتراح نابع من صعوبة إقناع ألمانيا الغربية بالتراجع عن قراراتها، وعلى ما نقلت صحيفة “الحياة” اللبنانية (9 ـ 9 ـ 1971) عن “مصادر وثيقة الإطلاع أن لبنان سيدعو مجلس الجامعة العربية إلى تبني اقتراح بإعادة العلاقات مع ألمانيا الغربية مشترطا صدور بيان ألماني غربي بتأييد قرار مجلس الأمن الصادر عام 1967 والداعي في جملة أمور إلى انسحاب اسرائيل من الأراضي العربية المحتلة”.

هذا الحراك الدبلوماسي اللبناني في عقد السبعينيات وما قبله، دفع صحيفة “الدستور” الأردنية (26 ـ 7 ـ 1971) إلى أن تصف وزير الخارجية اللبنانية خليل أبو حمد عقب محادثاته مع نظيره الإيطالي “ألدو مورو” بأنه “الناطق الرسمي المعبِر عن وجهات النظر العربية في ما يتعلق بمشاكل الساعة”، على أن هذه الدبلوماسية الرائدة لم تقتصر مفاعليها على الفضاءات العربية بل تعدتها إلى ما هو أبعد بكثير، ففي ذروة حرب فيتنام بين المحورين الشرقي والغربي عرض لبنان أن يستضيف أسرى الحرب الفيتنامية ووضعهم تحت إشراف هيئات دولية إلى أن يتم إطلاق سراحهم بعد الإتفاق على إنهاء الحرب في فيتنام، وحول ذلك كتبت صحيفة “الحياة” في العاشر من تموز/ يوليو 1971:

“أكد الرئيس صائب سلام أن مجلس الوزراء ناقش الاقتراح الرامي إلى استضافة أسرى الحرب الفيتنامية في لبنان وأقره، واعترف سلام بأن بعض الدول تمنى على لبنان تقديم هذا الاقتراح، وقال خليل أبو حمد وزير الخارجية إن لبنان اقترح أن يستضيف أسرى الحرب الأميركيين والفيتناميين الشماليين، وقال إدوار غرة سفير لبنان لدى الأمم المتحدة باستطاعة الطرفين الاتصال مباشرة بالحكومة اللبنانية أو عن طريق فريق ثالث”.

وفي تعليق على هذه المبادرة الدبلوماسية كتب الياس بدوي في الصفحة الأخيرة من عدد “الحياة” نفسه:

“ليس من شك أن لبنان يكون في أحسن حالاته عندما يجد نفسه فيؤدي دوره التاريخي سواء بين شعوب المنطقة العربية التي ينتمي إليها أم بين سائر شعوب العالم، ولهذا لم يكن بالأمر المستغرب أن يتقدم لبنان من المجتمع الدولي باقتراح يبدي فيه استعداده لاستضافه أسرى الحرب الفيتنامية، وإذا توفق لبنان في مثل هذا المسعى، كان له بعض الفضل في إيجاد تسوية لأطول حرب خاضتها أميركا على أرض آسيا وكبدت المتحاربين من الآلام ما يفوق حد التصور”.

في الختام حاشيتان:

ـ الأولى: ذكرت صحيفة “البعث” الفلسطينية (30 ـ 5 ـ1949) أن “الجهود الدبلوماسية اللبنانية أدت إلى إقناع حكومة الأرجنتين بالتخلي عن مشروعها الذي كان يهدف إلى استعمال ميناء تل أبيب لتصريف بضائعها في الشرق الأوسط، وأقنع وزير لبنان المفوض في بيونس إيرس الحكومة الأرجنتينية باستعمال ميناء طرابلس اللبناني بدلا منه”.

ـ الثانية: نقلت صحيفة “الأنوار” اللبنانية (16 ـ 9 ـ1972) عن مجلة “إفريقيا ـ آسيا” الفرنسية قولها إن ملك المغرب الراحل الحسن الثاني “لجأ إلى السفارة اللبنانية في الرباط بعد مهاجمة طائرته، حيث مكث عدة ساعات قبل أن ينتقل إلى قصر الصخيرات” لإحباط المحاولة الانقلابية التي قادها آنذاك الجنرال محمد أوفقير، ودلالة لجوء الحسن الثاني إلى السفارة اللبنانية أن شقيقه الأمير عبدالله كان متزوجاً من لمياء إبنة رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رياض الصلح.

في ختام القول، قد يكون من حق اللبنانيين أن يندبوا ويتساءلوا: أين كنا وأين صرنا؟

* كاتب لبناني

المصدر: 180 بوست

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.