الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

” الثورة العربية الكبرى ” والحركات القومية في بلاد الشام – 1

            

معقل زهور عدي                                                                   

في البدء كان ثمة فرق بين الوعي السياسي للشريف حسين الذي شكل الخلفية الفكرية لإعلان الثورة عام 1916 والشعور الغامض بالانتماء لهوية عربية هي أشبه بانتماء فطري طبيعي لكنه لايرتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالتحرك السياسي, ويظهر ذلك من بيان الثورة العربية الأول, فالبيان لم يكن موجها للعرب بل للمسلمين وجاء في مقدمته الآتي: ” بسم الله الرحمن الرحيم, هذا منشورنا العام إلى كافة إخواننا المسلمين ” وهو في سرده لتاريخ العلاقة القريب بين شرافة مكة والدولة العثمانية يذكر الحكومة العثمانية بأنه حمل بالعرب على العرب في جنوب الجزيرة في منطقة أبها لقمع التمرد الذي حصل هناك وفك الحصار عن الحامية العثمانية عام 1327 للهجرة أي قبل سبع سنوات من تاريخ إعلان الثورة. وتلك إشارة غير مباشرة أنه لا يثور اليوم بدافع القومية العربية, فلماذا يثور؟

يجيب البيان بأن حكومة الاتحاد والترقي انحرفت عن مبادىء الاسلام, ومست بأساسياته ويسوق الأمثلة على ذلك, وأيضاً ارتكبت الأخطاء الجسيمة في السياسة ومنها الدخول في الحرب العالمية الأولى مع ألمانيا وما جر ذلك على الدولة من مآس وويلات, وأسفر عن خروج أراض كثيرة عن سيطرتها, والأمر الثالث هو أن حكومة الاتحاد والترقي عطلت عمل الخلافة وأصبح السلطان العثماني بلا وزن ولا قوة حتى لم يعد قادرا على تعيين كاتب في قصره كما يذكر البيان.

لكن وأثناء سرد معالم الإنحراف عن الاسلام عند حكومة الاتحاد والترقي, تعرض البيان للتعليمات التي صدرت للقضاء مخالفة للشرع الاسلامي ثم للحكم على كوكبة من “أفاضل المسلمين وكبراء نوابغ العرب وصلبهم ” وتشريد نسائهم وأطفالهم ومصادرة أملاكهم بما يخالف القرآن الكريم ” ولاتزر وازرة وزر أخرى ”  يقول البيان أيضا: ” ولا ريب أنه يصعب حتى على ذوي القلوب القاسية إزهاق نفوس مثل ذلك العدد في آن واحد ولو كانوا من  بهائم الأنعام …” وهي إشارة غير مباشرة أن البيان لايدافع عمن حكم عليه بالإاعدام بسبب عصبية قومية لكن بسبب الإنسانية, أما معاقبة أسرهم فهي مخالفة للشرع في القاعدة الشرعية المستمدة من القرآن الكريم .

وفيما بقي من البيان نجد إشارة للعرب في مكانين, الأول: ” هذا ما أبدوه من الأعمال أتينا به مختصرا تاركين الحكم فيه للعالم الإنساني عموما والعالم الإسلامي خصوصا وحسبنا برهانا على ماتكنه صدورهم نحو الدين والعرب ورميهم للبيت العتيق.. بقنبلتين ( يبدو أثناء المواجهة مع الحامية العثمانية بمكة ) “.

والثاني: ” ولكننا لانترك كياننا الديني والقومي ألعوبة بيد الاتحاديين ” وهذه هي أوضح إشارة واردة للبعد القومي في وجوده الجنيني عند الثورة العربية في بيانها الأول.

لكن ما يقلل من أثر التوجه القومي ويعيد البيان إلى موقفه السياسي هو الخاتمة التي ذكرت أنه بحمد الله فقد استقلت البلاد استقلالا تاما عن الدولة العثمانية والبلاد هنا ليست سوى الحجاز. يقول البيان: ” وقد يسر الله للبلاد نهضتها, كما وفقها بحوله وقوته لأخذ استقلالها وتكليل مساعيها بالفوز والنجاح…. فاستقلت فعلا وانفصلت عن البلاد التي لم تزل تئن تحت سلطة المتغلبين من الاتحاديين انفصالا تاما مطلقاً..”.

وفي النهاية: ” هذا ما قمنا به لأداء الواجب الديني علينا …”.

لم يذكر البيان أنه يتطلع إلى تخليص العرب من الإتحاديين في الشام أو العراق أو  بقية البلدان العربية أبداً, ولا يدعو لدولة عربية واحدة, وعلى النقيض من ذلك فهو يعتبر أن ” البلاد ” استقلت استقلالاً تاماً, وواضح هنا أنه يقصد الحجاز وليس سوى الحجاز.

المصدر: صفحة الكاتب على وسائل التواصل

التعليقات مغلقة.