الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

مرسوم العفو بازار سياسي وليس قضية إنسانية!

فيصل عكلة *

 يدُ أبي أحمد لا تكاد تهدأ وهي تجوب شاشة هاتفه بحثًا عن أخبار ابنه المعتقل في زنازين الأسد منذ ما يزيد عن عشرة أعوام، يقول أبو أحمد: لم نسمع أي خبرعن ابني محمد منذ اعتقاله في الشهر الرابع من عام ٢٠١١ رغم محاولاتنا المتكررة ودفعنا الكثير من الأموال للوسطاء، ما نسمعه أن الإفراج عن أعداد قليلة جدًا ومن المعتقلين على الحواجز وأهل المصالحات التي أجراها النظام في السنوات الأخيرة، كنت أتمنى انتظار خروج ابني من المعتقل وأنا قربه في دمشق ولكن أنت تعرف أنه من المستحيل ذهابي من المناطق المحررة إلى هناك.

الأسماء التي تم تدوالها على مجموعات الأخبار (والتي قيل أنه تم الإفراج عنهم) كثيرة ولكن ما تم تأكيده هو أعداد قليلة أفرج عنهم بالفعل ولم يستطع الوصول إلى مناطق الشمال المحررة إلا قلة قليلة وذلك لأنهم بحاجة إلى مبالغ كبيرة تدفع إلى المهربين وهم لا يملكون منها شيء بطبيعة الحال، كما أن بعضهم خرج فاقدًا للذاكرة أو أن وضعه الصحي لا يسمح له بالسفر.

يجلس أبوعبد الله مساء كل يوم على العمود الحجري جانب باب الدار مع زوجته يرقبان الشرق ويدققان في السيارات العابرة، علّ وعسى تقلّ إحداها ابنهم المغيب في غياهب سجون الأسد، مرّت السنون وما زال الغياب حاضرًا وعبرات الحزن تسكب صبح مساء والأمل قائمًا، ويضعف النظر عند أبي عبد الله وتغيب خيالات الناس من حوله خلف الأفق البعيد وتبيض عيناه ويتساوى عنده الليل والنهار.

اليوم يخرج ما تبقى من ابنه محمد من سجن الطغاة ليلتقي أباه دون أن يستطيع الأب تكحيل عينيه برؤية وجه ابنه ويكتفي بسماع صوت افتقده لسنوات وسنوات، ويبقى أبو عبد الله يعدّ الساعات منتظرًا وصول ابنه الذي خرج من المعتقل الصغير وبقي داخل المعتقل الكبير.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان قالت إنها وثقت الافراج عن 341 شخصاً من قبل قوات النظام من مُختلف السجون المدنية والعسكرية في سورية في وقت يتم الإعلان عن إفراجات جماعية وتهويل إعلامي كبير من إعلام النظام وأوضحت الشبكة أن من بين المفرج عنهم 44سيدة و8 أشخاص كانوا أطفالاً حين اعتقالهم.

بينما وزارة العدل عند نظام الأسد أشادت بقرار العفو ووصفته بأنه الأهم وتابعت القول: تنفيذاً لأحكام المرسوم التشريعي رقم 7، إلغاء كافة البلاغات والإجراءات (إذاعة بحث – توقيف – مراجعة) المستندة إلى الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب، وذلك بحق جميع المواطنين السوريين في الداخل والخارج، ما لم يتسبب فعلهم بموت إنسان أو يثبت استمرار انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية أوارتباطهم مع دول أخرى، وهذا أشمل قرار عفو صدر خلال اثنتي عشرة سنة الذي أصدره ( بشار الأسد) ليلة عيد الفطر، المستند للمرسوم رقم 7 وهو قرار تم اتخاذه بوزارة العدل هو قرار السيد وزير العدل المستند لمرسوم العفو .

 طالب عدد من الناشطين في الشمال السوري بتدخل الجهات الدولية ذات الشأن كالصليب الأحمر ولجان الوساطة التي تعمل على تبادل الأسرى بين المتحاربين العمل على تأمين وصول المفرج عنهم إلى ذويهم وفتح ممر آمن لعبورهم.

أهالي المعتقلين هنا في الشمال السوري سارعوا إلى نشر صور أبنائهم وطالبوا بتداول تلك الصور وعرضها على المفرج عنهم عسى أن تكون هذه الصور مرت بهم ذات يوم أوسمعوا عنهم خبرًا.

الناشط المدني محمود العبد الله قال معلقًا على صورالمعتقلين الذين تم الافراج عنهم: أشعر بفقدان الإنسانية، نحن بحاجة لعودة الروح الإنسانية إلى مجتمعنا السوري، بالتأكيد النظام لم يعتقل من المسلحين إلا القلة ومعظم المعتقلين من مختطفي الحواجز وقد كان مصيرهم مقارباً لحفرة التضامن مع المجرم أمجد يوسف، والمفرج عنهم من سجون النظام النازي أشبه الناس بأهل الكهف الذين استيقظوا فوجدوا أن الدنيا غير الدنيا والناس غير الناس.

وطالب العبد من يعرف أي معلومة عن أي معتقل أن لايبخل بها ولايستهين مهما كانت فربما تكون حلقة ضائعة من سلسلة ممكن التعرف من خلالها على مصير إنسان يبحث أهله وذويه عن بارقة أمل للوصول إلى مصيره، كما دعا المفرج عنهم من سجون النظام السوري أن  يتواصلوا من  خلال صفحات التواصل.

ومن المفارقات المؤلمة أن صورة أحد المفرج عنهم وصلت إلى ذويه في مخيمات الشمال بحالة يرثى لها بعد عشر سنوات قضاها في المعتقل وعندما شاهدت ابنته تلك الصورة انتفضت وقالت أنه ليس أبيها، وفي حالة مشابهة وجد أحد المفرج عنهم ابنته التي تركها وعمرها ثمان سنوات وجدها وقد أصبحت أم لطفلين، وفي حالة ثالثة فوجئ أحد المفرج عنهم بزوجته وقد تزوجت بعد ورود اسمه بين الشهداء!

المحامي أدهم الحمادي قال عن العفو الرئاسي المزعوم أنه تمثيلية ممجوجة ومكررة وتهدف إلى تبييض صفحة النظام أمام المجتمع الدولي إثر فضيحة مجزرة حي التضامن وأضاف قائلًا: إن قرار العفو شمل المتهمين بقضايا الإرهاب واستثنى التهم السياسية التي تشمل أغلب المعتقلين، كما أن العفو شمل أغلب الذين دخلوا المصالحات ومن تم اعتقالهم في الفترات الأخيرة على الحواجز إضافة إلى المرضى والعجزة ممن أمسوا عبئًا على النظام.

وتستمر أخبار صور المفرج عنهم بالتداول، وتبقى آمال الأهالي معلقة بأخبار الإفراج عن أبنائهم، فهل تحمل الأيام القادمة تباشير الفرح والفرج الذي طال انتظاره.

* كاتب سوري

المصدر: اشراق

التعليقات مغلقة.