الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ليبيا على موعد مع “قذافي” جديد!

منى فرح *

قبل عشر سنوات، عندما واجه الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي نهاية مروعة، بعد 42 عاماً في السلطة، لم يعتقد أحدٌ أن فرداً من عائلته قد يصبح في موقع المسؤولية في ليبيا مرة أخرى. هذا ما يشرحه تقرير لـ”الإيكونوميست” ننشره هنا حرفياً.

خلال فترة انتفاضات “الربيع العربي”، اجتاحت ليبيا موجة من النشوة بعد زوال حكم الديكتاتور (معمر القذافي). أبناء القذافي السبعة إما قتلوا أو تم القبض عليهم أو فروا إلى المنفى. سيف الإسلام، ثاني أكبر الأبناء سناً، وقع في قبضة إحدى المليشيات التي زجت به في سجن. بعد ذلك وجهت إليه المحكمة الجنائية الدولية في “لاهاي” لائحة اتهامات، وحكم عليه النظام الليبي الجديد بالإعدام.

وبرغم كل ذلك، فإن المزاج الوطني العام في ليبيا قد يتغير. فالعديد من الليبيين باتوا ينظرون اليوم إلى عهد القذافي على أنه “عهد استقرار”، بغض النظر عن الوحشية التي كان يمارسها، وبغض النظر عن التصريحات الغريبة التي كان يتميز بها الديكتاتور.

العائلة لم تعد منبوذة:

بعد عقد من الحرب الأهلية، يبدو أن سيف الإسلام، وهو الأكثر قدرة من بين أبناء القذافي الباقين على قيد الحياة، يشق طريقه للعودة إلى الحياة السياسية. ومن الواضح أنه يعتقد أن بإمكانه التفاوض حول لوائح الاتهام التي لا يزال يواجهها في الداخل والخارج، وربما يُسمح له بالترشح كمنافس في الانتخابات الرئاسية والعامَّة المقرر إجراؤها في نهاية هذا العام. حتى أن البعض يعتقد بإمكانية فوزه في هذه الانتخابات.

وبينما تخوض الفصائل المتحاربة “مناورات” فيما بينها خلال الفترة التي تسبق الانتخابات، تم إطلاق سراح ابن آخر للقذافي، الساعدي، من سجن في العاصمة طرابلس، مما يشير بوضوح إلى أن عائلة القذافي ربما لم تعد منبوذة. فبعد أن كان شخصاً مكروهاً ومسؤولاً غير مرغوب فيه من قبل الليبيين، لا سيما عندما كان يرأس الاتحاد الليبي لكرة القدم، تم نقل الساعدي فوراً إلى تركيا؛ الداعم الرئيسي للحكومة الهشة الحالية في طرابلس. كما أُسقطت جميع التُهم الموجهة إليه، بما في ذلك تهمة القتل العمد التي كان يواجهها.

ورقة مساومة:

وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، في تموز/ يوليو الماضي، أعده روبرت ورث الذي إلتقى بسيف الإسلام في أيار/ مايو 2021، فإن الأخير لم يعد خلف القضبان، لكنه يعيش الآن نصف سجين ونصف ضيف في منطقة جبلية خلَّابة ومريحة، تسيطر عليها إحدى ميليشيات الزنتان، وتقع المنطقة على بعد 180 كيلومتراً (112 ميلًا) جنوب غرب طرابلس، ولا تستطيع القوات الحكومية الوصول إليها. يُصر المؤيدون على أن سيف “رجلٌ حرٌ، وليس قيد الإقامة الجبرية.. بل يمكنه أن يتنقل كما يشاء”، بحسب مدير مكتبه السياسي في ألمانيا، محمد الغدي.

من الواضح أن سيف الإسلام يخطط للعودة إلى السلطة. فقد صرح لصحيفة “نيويورك تايمز”، قائلاً: “لقد ابتعدت عن الشعب الليبي لمدة عشر سنوات.. والآن أنا بحاجة للعودة إليه. ولكن العودة في مثل هذه الحالات والظروف يجب أن تكون ببطء شديد.. مثل عملية التعرّي التي يقوم بها (الستربتيز). تحتاج إلى اللعب بعقولهم قليلاً”. يبدو أن الميليشيات التي تؤوي سيف قد خاب أملها من الأنظمة والميليشيات المختلفة التي حلَّت محل والده وتعامله الآن كورقة مساومة.

لم يعلن أيٌ من المرشحين الأكثر مصداقية عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن قانون الانتخابات لم يجهز بصيغة نهائية بعد. وفي هذا الخصوص يقول الغدي “إن سيف يفكر في خوض الانتخابات.. لا يوجد سبب يمنعه من قيادة ليبيا مرة أخرى”.

بعض المراقبين يتفقون مع ما قاله الغدي، ومن بين هؤلاء أليس غوير، من مؤسسة Azure Strategy الاستشارية (مقرها لندن). تقول أليس: “سيف الإسلام يعود إلى الحياة العامَّة في وقت تحتاج فيه السياسة الليبية إلى منقذ”. حركة “القذافي الخضراء” تبث خطباً مثيرة عبر قناة فضائية تملكها (مقرها القاهرة)، وتروج لـ”العصر الذهبي” للديكتاتور المفترض. وهي رسائل قد يتردد صداها بين الليبيين المُحبطين. فبالرغم من ضخ 1.2 مليون برميل من النفط يومياً، إلا أن التيار الكهربائي لا يزال ينقطع لساعات متتالية. والتضخم آخذ في الارتفاع. وبالنسبة لمعظم سكان ليبيا؛ البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة؛ فإن الازدهار والأمن، ناهيك عن الديموقراطية، مجرد سراب بعيد المنال.

ليست الحكومة التركية هي الوحيدة التي قد تفكر في السماح لعائلة القذافي بالعودة إلى الحياة السياسية. ربما تفكر روسيا في ما إذا كانت ستستعيد علاقاتها القديمة مع العائلة. وقد تبحث الإمارات ومصر عن بديل لمرشحهما المفضل منذ فترة طويلة؛ الجنرال السابق خليفة حفتر، المقيم في شرق ليبيا، والذي فشل في الإطاحة بالحكومة في طرابلس، العام الماضي.

القذافيون يتسللون:

كان المتسابقون الأوائل إلى الانتخابات الرئاسية المقررة في 24 كانون الأول/ ديسمبر منشغلين في محاولة استبعاد بعضهم البعض. أشرف رئيس البرلمان، عقيلة صالح، على إقرار قانون من شأنه منع مزدوجي الجنسية والجنود من الترشح – ما يعني إمكانية استبعاد حفتر نفسه، الذي يُعتقد أنه مواطن أميركي. (يقول حفتر إنه لم يعد يقود رسمياً الجيش الوطني الليبي الذي يتخذ من الشرق مقراً له). كما أن صالح، ومن خلال رفضه تمرير الميزانية التي اقترحتها الحكومة، يحرص على تقويض رئيس الوزراء الحالي، عبد الحميد دبيبة، الذي ربما يكون السياسي الأكثر شعبية في ليبيا في الوقت الراهن.

عندما أصبح الدبيبة رئيساً للوزراء في شباط/ فبراير 2021، بموجب اتفاق تفاوضت عليه الأمم المتحدة، وعد بعدم الترشح لأي منصب بعد انتهاء ولايته. لكنه قد يغيّر رأيه. فبعد أن كان رئيساً لإحدى أكبر الشركات المملوكة للدولة في عهد الديكتاتور القديم، جدَّد هو أيضاً علاقاته مع عائلة القذافي. فالممتلكات، التي كان نظام القذافي قد استولى عليها، عادت إلى أصحابها الأصليين (بما في ذلك عائلة الدبيبة).

في الوقت نفسه، هناك تذمر بأن حكومة الدبيبة قد تطلق سراح بعض أقرب المقربين من القذافي، بمن فيهم رئيس مخابراته. ويُقال إن وزير الداخلية هو أيضاً على اتصال بأسرة القذافي. كذلك تم تعليق محاكمة الجُناة المتهمين بارتكاب مذبحة بحق أكثر من 1200 سجين سياسي في عام 1996.

يسود السلام في ليبيا نسبياً منذ توسطت الأمم المتحدة وتوصلت لاتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب الأهلية قبل عام. صار بإمكان الليبيين الآن السفر مرة أخرى بين أشطار البلاد – من شرقها إلى غربها. ومع ذلك، لا أحد يراهن على إجراء الانتخابات في موعدها. فالميليشيات، التي أرهبت السكان على مدى العقد الماضي، لا تزال جامحة. وقد تفضل تركيا وروسيا، وكلٌ منهما حساباتها الخاصة، إفساد الانتخابات والحفاظ على مناطق نفوذهما. ومع ذلك، وفي خضم المناورات الجيوسياسية وغياب الراية التي من شأنها توحيد الفصائل المتصارعة في ليبيا، فقد يتسلل القذافيون مرة أخرى إلى المعركة السياسية، وربما يحكمون البلاد مرة أخرى؛ فمن يدري!

الترجمة نقلاً عن “الإيكونوميست” على الرابط:

https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2021/10/02/could-libya-be-ruled-again-by-a-qaddafi
ـــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية ومترجمة لبنانية

المصدر: بوست 180

التعليقات مغلقة.