الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

عبد الناصر وحرب اليمن

بكر ممدوح بكر *

قامت ثورة اليمن في ٢٦ أيلول/ سبتمبر ١٩٦٢ بقيادة العميد عبد الله السلال الذي اعلن النظام الجمهوري في اليمن، ضد النظام الملكي الذي كان يحكم اليمن بقيادة الإمام محمد البدر حميد الدين الشيعي الزيدي.

وقد هرب الإمام محمد البدر إلى السعودية وأقام في نجران ومنها تولى قيادة الحرب ضد الثورة اليمنية لاسترداد عرشة.

وقد قامت حرب بين الجمهوريين والملكيين.

استعان الثوار الجمهوريون بمصر.

واستعان الملكيون بالسعودية والأردن وبريطانيا وباكستان وإيران واسرائيل وكذلك بمرتزقة من جنسيات متعددة.

وانتهت الحرب بانتصار الثورة وتثبيت النظام الجمهوري.

من بين الأسباب التي أدت بالرئيس عبد الناصر إلى إرسال القوات المصرية إلى اليمن:

١ – تلبية طلب الثوار وانتشال الشعب اليمني من التخلف.

٢ – كان عبد الناصر يعتقد أن قدر مصر هو مواجهة الاستعمار وتحرير كل البلاد العربية.

٣ – أن وجود جمهورية على أرض اليمن هو أمر حيوي بالنسبة لمصر لضمان السيطرة على البحر الأحمر من قناة السويس إلى مضيق باب المندب.

٤ – فتح مجال للتعاون الاقتصادي بين مصر والدول العربية والافريقية لأنها أنسب الأسواق لتصريف المنتجات الصناعية المصرية.

٥ – مقاومة النشاط والنفوذ الصهيوني في أسيا وأفريقيا.

٦ – تأثير دعم مصر لحرب تحرير الجزائر من سنة 1954 إلى سنة 1962 التي أدت إلى تحرير الجزائر.

٧ – انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961.

٨ – كان عبد الناصر ينظر للحرب في اليمن على أنها وسيلة لكسب النقاط في صراعه مع النظام الملكي السعودي الذي سعى إلى فك الوحدة بين مصر وسوريا.

٩ – نجاح جهود مصر لتقويض حلف بغداد الذي أدى سقوطه إلى سقوط الملكية في العراق عام 1958.

عدد القوات المصرية في اليمن:

كان عدد القوات أقل من 5,000 جندي في تشرين الأول/ أكتوبر من عام ١٩٦٣

وبعد شهرين ارتفع عدد القوات النظامية هناك إلى 15,000.

 وفي نهاية عام ١٩٦٣، بلغ عدد القوات 36,000 جندي.

 وفي نهاية عام ١٩٦٤، وصل إلى 50,000 جندي.

 وبلغ العدد ذروته في نهاية عام ١٩٦٥ ليبلغ عدد القوات المرابطة هناك 55,000 جندي مصري، تم تقسيمهم إلى ثلاثة عشر لواء مشاة ملحقين بفرقة مدفعية، وفرقة دبابات والعديد من قوات الصاعقة وألوية المظلات.

خسائر مصر في اليمن:

كانت حرب اليمن تكلف الخزينة المصرية كل سنة حوالي مليون دولار.

وخسرت مصر ثلاثة ألاف وأربعمائة من جنودها في حرب اليمن.

موقف الطيارين السعوديين:

وصلت إلى مطار ألماظة بمصر يوم ٢ تشرين الأول/ أكتوبر ١٩٦٢ طائرة نقل سعودية محملة بالأسلحة والذخائر وعليها ثلاثة طيارين سعوديين كلفوا بتسليم شحنة الطائرة في نجران لقوات الملكيين اليمنيين لاستخدامها ضد الثورة اليمنية والقوات المصرية في اليمن. والطيارين هم: الرئيس طيار رشاد ششه والرئيس طيار أحمد حسين والفني محمد أزميرلي. وفي يوم ٣ تشرين الأول/ أكتوبر ١٩٦٢ هبطت طائرة سعودية ثانية في مطار أسوان. وكان فيها اثنان من الطيارين هما: الرائد طيار محمد عبد الوهاب والملازم طيار محمد علي الزهراني. وفي يوم ٨ تشرين الأول/ أكتوبر ١٩٦٢ هبطت طائرتان سعوديتان للمرة الثالثة في مطار ألماظة. يقودهما الرائد طيار أحمد موسى عواد والرائد طيار عبد اللطيف الغنوري. وقام كل هؤلاء الطيارين بالهروب بالطائرات والأسلحة والذخائر السعودية إلى مصر لرفضهم المؤامرة السعودية ضد اليمن ومصر.

موقف الطيارين الأردنيين:

بسبب حوادث لجوء بعض الطيارين السعوديين إلى مصر بسبب رفضهم قصف المواقع المصرية في اليمن، التجأ الحكام السعوديون إلى الأردن للقيام بالغارات الجوية.

وبالفعل ذهب وفد عسكري أردني إلى السعودية يرأسه قائد الجيش حابس المجالي ومعه قائد سلاح الطيران سهل حمزة للاتفاق على تفاصيل الضربة الجوية التي سيقوم بها طيارون أردنيون.

وبسبب طول المسافة وصغر سعة خزان وقود الطائرات، فقد تم الاتفاق على ضرب الأهداف ثم الاتجاه إلى القاعدة العسكرية البريطانية في عدن لإعادة التزود بالوقود وإكمال تسليح الطائرات وفي طريق العودة يتم ضرب أهداف أخرى.

وفي أثناء زيارة الوفد العسكري غادر قائد سلاح الطيران الأردني- سهل حمزة- السعودية إلى عمان بدون إبداء الأسباب. وقرر التوجه بطائرته العسكرية إلى القاهرة لمقابلة عبد الناصر.

وقد هبطت طائرته في مطار القاهرة يوم ١٢ كانون الأول/ ديسمبر ١٩٦٢. وفي اليوم التالي ١٣ كانون الأول/ ديسمبر ١٩٦٢ هبطت طائرتان عسكريتان أردنيتان في القاهرة، يقودهما الطيار تحسين صيمة والطيار حربي صندوقة.  واعترف قائدا الطائرتين أنهما كانا مكلفين بنقل أسلحة وذخيرة إلى قوات الملكيين في نجران وجيزان على حدود اليمن لاستخدامها ضد الثورة اليمنية والقوات المصرية في اليمن. وهرب الطيارين بالطائرات والأسلحة والذخائر إلى مصر لرفضهم المؤامرة السعودية ضد اليمن ومصر.

وقد ذكر سهل حمزة في إحدى الأحاديث الصحفية أنه إذ امتثل للأوامر فهو “عار له ولبلده”.

القوات الملكية اليمنية:

قام الإمام محمد البدر بتشكيل جيشين:

الأول تحت قيادته في الغرب.  والثاني تحت قيادة عمه الأمير الحسن في الشرق.

حلفاء القوات الملكية اليمنية:

بعد فضائح لجوء الطائرات السعودية والأردنية إلى مصر. وبسبب ولاء العناصر العسكرية العربية  لتيار القومية العربية، وتعاطفها مع مصر. فقدت السعودية والأردن الثقة في الاعتماد على أفراد قواتهما العسكرية، وأصبح الاعتماد بالكامل على جيوش المرتزقة. وقد تم إرسال مرتزقة من فرنسا وبلجيكا وإنجلترا.

 قام المرتزقة بمساعدة الإمام في التخطيط للحرب والتدريب وإعطاء القوات غير النظامية التابعة للإمام القدرة على الاتصال بالسعوديين وفيما بينهم.

كما قام أولئك المرتزقة بتدريب رجال القبائل على استخدام الأسلحة المضادة للدبابات مثل المدفع عيار 106 مليمتر، وكذلك قاموا بتدريبهم على زرع الألغام. ولا يزال عدد المرتزقة الأوروبيين مجهولاً وقدرته المصادر الغربية بالمئات بينما قدرته المصادر المصرية بخمسة عشر ألف مرتزق.

السعودية:

لجأ إليها الإمام محمد البدر واستدعت عمه الأمير الحسن من الولايات المتحدة الأمريكية ووفرت لهما محل إقامة في نجران وجيزان لقيادة الحرب ضد الثورة اليمنية والقوات المصرية في اليمن. كما قامت بإنشاء محطة إذاعية للملكيين. ووفرت معسكرات للقوات الملكية في نجران وجيزان. وقدمت الأسلحة والذخائر والطائرات لمحاربة الثورة اليمنية والقوات المصرية في اليمن. وأنفقت الاموال الوفيرة على جيوش المرتزقة الأجانب.

وفي عام ١٩٦٣ وحده، أنفق السعوديون ١٥مليون دولار لتجهيز القبائل اليمنية الموالية للملكيين بالسلاح وتأجير المئات من المرتزقة الأوروبيين، وحينها وجد بعض عناصر الحرس الوطني السعودي تقاتل في جيش الإمام البدر.

قام رئيس جهاز المخابرات السعودي كمال أدهم وتاجر السلاح السعودي عدنان خاشقجي بالتعاون ضد اليمن ومصر مع أجهزة العمليات القذرة بشركات البترول الكبرى ومع جهاز الموساد الإسرائيلي.

بريطانيا:

أنشأ النائب البرلماني جوليان ايمري مكاتب لتجميع المرتزقة في لندن. وأرسلهم إلى داخل اليمن ومعهم المحترف البريطاني ميجور جون كوبر. وسمح البريطانيون بمرور قوافل السلاح عبر أراضي أحد حلفائهم في الجنوب العربي وهو شريف بيحان الذي كان تحت حماية الإدارة البريطانية في عدن. وقامت الطائرات الحربية البريطانية بعمليات نقل جوية لإعادة إمداد قوات الإمام.

فرنسا:

فرنسا ساعدت في تجميع قوات المرتزقة عن طريق مكتب في باريس. كما وضعت قواعدها العسكرية في جيبوتي في خدمة النشاط العسكري الاسرائيلي الذي شارك في إسقاط أسلحة وذخائر لجيوب الملكيين المحاصرة في جبال اليمن.

باكستان:

وقامت باكستان ببيع بنادق للملكيين وكانت قد رأت فيها فرصة للتكسب من الحرب.

إيران:

وقامت إيران بدعم الملكيين بالمال فقد وجد الشاه محمد رضا بهلوي أنه يجب عليه دعم الإمام محمد البدر حميد الدين الشيعي الزيدي.

إسرائيل:

إسرائيل قامت بإعطاء شحنات من الأسلحة كما أقامت اتصالات مع المئات من المرتزقة الأوروبيين الذين يقاتلون بجانب الملكيين في اليمن.  وقامت بإنشاء جسر جوي سري بين القواعد العسكرية الفرنسية في جيبوتي وشمال اليمن.  شهد الإسقاط الجوي الإسرائيلي الأول للأسلحة الكولونيل جون كوبر والتي كانت 180 بندقية و 34،000 طلقة من ماوزر و 72 قذائف مضادة للدبابات و 68 كيلو من المتفجرات. وقد أخفى الإسرائيليين مصدر الأسلحة. و كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق على طول السواحل السعودية تلقي الأسلحة في اليمن وتتزود بالوقود في جيبوتي وتعود إلى إسرائيل.

 واستمرت الطائرات الإسرائيلية بتزويد المرتزقة الأوروبيين والملكيين بالأسلحة لمدة سنتين.

الحلول السلمية في اليمن:

كان عبد الناصر يأمل في ان تنتهي الحرب في اليمن بسرعة، لكي يستكمل الاهتمام بالجبهة الداخلية المصرية وإعادة التنظيم الداخلي للحكم طبقا لميثاق العمل الوطني الذي أعلنه في أيار/ مايو ١٩٦٢. ولكي يتحقق السلام وتنتهي الحرب الاهلية اليمنية التي هي في صالح الأجنبي وليست في صالح العرب بأي حال من الأحوال.

وقد جرت عدة محاولات للصلح مع السعودية، ولكن السعودية كانت لا تلتزم بالصلح في كل مرة.

ومن أهم محاولات الصلح:

– مؤتمر حرض

– مؤتمر عمران

– مشروع جون كيندي للتصالح تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩٦٢

– المشروع السعودي لفك الاشتباك حزيران/ يونيو ١٩٦٣

– محاولة عبد الناصر للصلح في مؤتمر القمة العربية الثاني أيلول/ سبتمبر ١٩٦٤

– اتفاقية جدة آب/ اغسطس ١٩٦٥

الانسحاب المصري من اليمن:

بحلول عام ١٩٦٧، تركزت القوات المصرية في مثلث الحديدة وتعز وصنعاء للدفاع عنه. وفي مؤتمر القمة العربية بالخرطوم الذي عُقد بعد حرب 1967، في ٢٨ أغسطس ١٩٦٧ أعلنت مصر بأنها مستعدة لسحب قواتها من اليمن. واقترح وزير الخارجية المصري محمود رياض إعادة إحياء اتفاق جدة لعام ١٩٦٥.  وقبل الملك فيصل الاقتراح.

ووقع عبد الناصر والملك فيصل اتفاقية تنص على سحب القوات المصرية من اليمن ووقف المساعدات السعودية للملكيين وإرسال مراقبين من ثلاث دول عربية محايدة هي العراق والسودان والمغرب.

وقامت مصر بإعادة ممتلكات سعودية بقيمة 100 مليون دولار كانت قد جمدتها سابقاً، وتراجعت السعودية عن تأميم ثلاثة مصارف مملوكة لمصريين.

نتائج حرب اليمن:

– سيطرة الجيش المصري على موانئ اليمن ليتحول البحر الأحمر لبحيرة عربية وهو ما تجلى بعد ذلك في إغلاق مضيق باب المندب عند اندلاع حرب 1973.

– تحول اليمن لجمهورية وخرج من تخلف القرون الوسطى الذي فرضه عليه حكم أسرة حميد الدين.

– أزيح الملك سعود عن عرشه وحل محله الملك فيصل الذى ألغى العبودية وبدأ عملية تحديث كبرى في السعودية تحت وطأة الوجود المصري في اليمن وخوفاً من انتقال الثورة إلى السعودية.

– انتهى الاستعمار البريطاني في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي.

– جلاء القوات البريطانية عن الجزيرة العربية والخليج العربي واستقلال إمارات ساحل عُمان، وتحولت في 1 كانون الأول/ ديسمبر 1971 إلى دولة الإمارات العربية المتحدة برئاسة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وبعد استقلال الإمارات منحت مصر مليار دولار تقديراً لدورها في رحيل الاحتلال البريطاني.

– بالنظر للخريطة يظهر ان السواحل المقابلة لسواحل اليمن هي سواحل أثيوبيا وقتها، فلم تكن أريتريا قد استقلت بعد، كان النظام المصري في هذا الوقت يساعد ثوار أريتريا ويستخدمهم كأداة ضغط على النظام الأثيوبي المُعادي لمصر عبر التاريخ.

– خلال سنوات حرب اليمن أتمت مصر أول وأخر خطة تنموية شاملة هي الأنجح في تاريخ مصر المعاصر بمعدل تنمية 6.7% سنويا بشهادة البنك الدولي الصادرة في تقريره في كانون الثاني/ يناير عام 1976، كما تم بناء السد العالي الذى اختارته الأمم المتحدة كأعظم مشروع تنموي في القرن العشرين.

كنوز وذهب الملك سعود:

الملك المخلوع سعود بن عبد العزيز خلعه أخاه الملك فيصل بن عبد العزيز عن العرش عام 1964. وعاش سعود لاجئا في مصر وكان يريد استرداد عرشه عبر محاربة أخيه في اليمن. واقترح سعود على الرئيس عبد الناصر فكرة رشوة رؤساء القبائل اليمنية بالذهب، وحوَّل جزء من أمواله لعملات ذهبية وسافر بنفسه مع وفد مصري لليمن لمقابلة زعماء القبائل هناك وتوزيع الذهب عليهم.

* كاتب ومهندس مصري

المصدر: صفحة الكاتب على وسائل التواصل

التعليقات مغلقة.