الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

تقرير عن أعمال المؤتمر السابع (1985) لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية ..فـــي العمــل القـــومـــي (2/2)

حزب الاتحاد الاشتراكي العربي                                                                         حرية * اشتراكية * وحدة

       في سورية 

                                                             (من وثائق المؤتمر السابع)

                                                                     *      *      *

                                                 تقرير عن أعمال المؤتمر السابع (1985)

                                             لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية

                                                      *                    *                       *

                                                                      –   ٤    –

فـــي العمــل القـــومـــي (2/2)

=============

      لقد وحد عبد الناصر الجماهير العربية وعبأها للنضال، من فوق النظم بل وفي أكثر الحالات ضدها، ولكنه لم يبنِ أداةَ ثورتها القومية ووحدتها، وهكذا وصل به إلى منتصف الطريق، وما كان بمقدور عبد الناصر الدولة والنظام أكثر من ذلك، بحكم الطبيعة المرحلية لنظامه، وبنيان ذلك النظام، ولكن عبد الناصر الثورة والشعب، كان مطالباً بذلك، وقد قَطَعَنا عند منتصف الطريق عندما انقطع وتوقفت الممارسة القومية الثورية من بعده والمطلوب اليوم رداً على الواقع العربي المتعثر، تجديد تلك الممارسة القومية الثورية في نهجٍ متكامل.

      ومن أولى بالمبادرة إلى الإمساك بزمام هذه الممارسة من العناصر القومية الناصرية، وناصريتها إنما تعني الأخذ بنهج عبد الناصر الوحدوي في جدليته الوطنية- القومية وتقديم هدف وحدة الأمة، وأخذ الإطار القومي كقاعدة لاستراتيجية العمل السياسي والنضال الوطني، والالتزام دائماً بأهداف الجماهير الشعبية ومصالحها، والتوجه إلى الشعب والحركات الشعبية لبناء حلفها الاجتماعي التاريخي، وتعزيز وحدتها الوطنية وتلاحمها القومـي.

      وليكن واضحاً أنه ليس المطلوب إقامة حزب قومي يحمل عنواناً ناصرياً ويقول بمبادئ عبد الناصر، وينادي للانضمام إليه العناصر والتنظيمات السياسية التي تسمي نفسها ناصرية في عدد من الأقطار العربية، فمثل هذا التصور أو العمل إنما يحصر الناصرية في نهج غير نهجها وفي إطار ضيق غير الإطار الذي تطلعت إليه لبناء أداة الثورة العربية كثورة قومية ديمقراطيـة.

      فالمبادرة المطلوبة، هي مبادرة تبدأ من النقطة التي وقف عندها عبد الناصر في مواجهة، الأزمة التي كانت تتخبط فيها القوى السياسية التي تعلن عن أهداف وتطلعات قومية وحدوية، والتي كان يُفترض فيها أن تلتقي وتتعاون من خلال وحدة الهدف والنضال المشترك، بينما هي منقسمة وتناضل من مواقع متفرقة وتخوض فيما بينها صراعات أيديولوجية ونزاعات على السلطة والهيمنة، تلك الصراعات والنزاعات التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه، لتبتعد بنفسها وبالأمة عن الهدف الوحدوي، الذي هو أساس ثورة شعوب هذه الأمـة .

      ونعود لنقول أن عبد الناصر عندما طرح عام ١٩٦٣ شعار ((الحركة العربية الواحدة))، لم يبادر إلى إقامة تنظيم قومي أو تنظيم ناصري تحت هذا العنوان، بل كان يشير إلى أن العمل الوحدوي أصبح بحاجة لصياغة جديدة موحدة، تلتقي عندها قوى النضال العربي والحركات الشعبية الوطنية العربية، وتجد فيها وحدتها السياسية والفكرية وتصوغ من خلالها علاقاتها ببعضها وروابطها وتوجهاتها السياسية والنضالية وترسم في اطارها استراتيجية عمل موحد لتحقيق أهداف الأمة.. ومن هنا فهي لا بد أن تأتي بالضرورة محصلة عمل جماعي وأن تحيط بعدد من القوى والتيارات السياسية .

      إن صيغة ((الاتحاد الاشتراكي العربي)).. كما قدمها عبد الناصر لم تكن صيغة لتنظيم سياسي قطري يراد له أن ينمو وينتشئ ليصبح تنظيماً حزبياً قومياً، يقام له فروع في الأقطار العربية، بل هي تجربة قامت لصياغة الإرادة الشعبية والوحدة الوطنية داخل مصر بإقامة تحالف بين القوى الاجتماعية الرئيسية في مصر، ومن حيث تتقاطع مصالحها وتلتقى أهدافها في مرحلة معينة من مراحل تطور العمل الديمقراطي، سميت حينها بمرحلة الثورة الاجتماعية وبمرحلة التحويل الاشتراكي، بل وأن الصيغة التي أريد لها أن تقوم لتنظيم سياسي قاعدته ((تحالف قوى الشعب العامل))، أو ما سمي بالجهاز السياسي للاتحاد، فإنها لم تكن أيضاً صيغة للتصدير والعمل القومي، بل هي تجربة قامت تحت مظلة نظام الحكم وحمايته وتشكلت في كثير منها من كوادر البيروقراطية، وانتهت عندما أخذ النظام بالتغير في عهد السادات وبالتحول ضد أهداف الثورة وأهداف عبد الناصر.. والناصرية اليوم هي أخذ بروح تلك التجربة وبحوافز نهوضها ومنطلقات تقدمها وتطورها، وليس بأشكال وصيغ تجريبية جاءت في مرحلة مضت أو اقتضتها ظروف معينة.. فمقولة “التحالف” مثلاً، التي مازلنا نأخذ بها كمنطلق أساسي، لبناء القاعدة الشعبية والاجتماعية للعمل الوطني والقومي، نجد أن صيغتها لا بد أن تختلف بالضرورة عما قامت عليه أيام عبد الناصر، وكذلك القوى الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تتشكل منها، فعدا ما جرى من متغيرات منذ ذلك الحين حتى اليوم في مجتمعاتنا العربية فإن مواقع تلك القوى قد تغيرت وبعضها أصبح موضوعياً ضد الثورة وضد الديمقراطية وضد الوحـدة .

      وإذا ما سميناها مبادرة ناصرية، فليس فقط من حيث أنها تنهض على المبادئ القومية التحررية، وعلى الأسس الاستراتيجية التي خطتها أمامنا تجربة عبد الناصر في النضال القومي وفي التوجه الشعبي العربي الوحدوي، ثم في دوائرها الاستراتيجية الإسلامية والأسيو- أفريقية والدول التي تعمل للحياد الايجابي… ليس في هذا فحسب، بل من حيث أنها تتطلع أولاً إلى كُلية العمل القومي الوحدوي، وإلى صياغة تلاقي “الحركات الوطنية التقدمية في الوطن العربي” التي تقف في معارضة الواقع القائم، والعمل على توحيد برنامج نضالها وتكامل منهجها وعملها.. كما أن في صُلب ناصريتها أيضاً، التطلع إلى مصر وإلى الحركة الشعبية في مصر كمرتكز استراتيجي لا بد أن تصب الجهود لتعود وتأخذ مكانهـا في استراتيجية التحرر العربي والنضال الوحدوي .

      لقد كانت مصر عبد الناصر تساند حركات النضال العربي من غير شروط عليها إلا وطنيتها، وهذا ما نطلب أن يلتزم به أي نظام قائم أو يمكن أن يقوم باسم التقدم والتحرر والوحدة، أو باسم الناصرية، فمشروع عملنا القومي لا بد أن يكون شعبياً بالكامل، خارج كل أطر الهيمنة من النظم واحتواءاتها، بل وأن يقاوم عمليات الهيمنة والاحتواء التي ما كان من نتائجها إلا تدمير العمل القومي.

   ٥- ولنأتِ الآن إلى الجوانب العملية، وإلى ما نتصوره من بدايات لتأخذ هذه المبادرة طريقها الى الوجود وتنتقل الى حيز الممارسة.. المطلوب أن تلتقي مجموعة من رجال السياسة والفكر القومي ممن كان ومازال لهم رصيد وطني ناصع على صعيد أقطارهم كما لم تحجبهم تقلبات الظروف عن النظرة القومية الشاملة للأمور، وممن ملكوا تجربة سياسية ونضالية ويحملون مثل هذه الحوافز والقناعات المشتركة بضرورة عمل قومي جديد، مستقلين كانوا اليوم أو ملتزمين بقوى سياسية أو اجتماعية أو ثقافية تقف في المعارضة، ويكون من صفاتها الأساسية أيضاً الاستقلالية عن النظم القـائمة وعن سياساتها الإقليمية وصراعاتها وأن تلتقي لتشكل مجموعة بحث وعمـل .

      ومن الطبيعي أن تبدأ بعدد قليل، ممن بادروا للتلاقي والاتصال في هذا السبيل، سواء كأفراد، أو كممثلين لحركات سياسية معنية بذلك، ولكن أياً ما كانت الصيغة التي تبدأ منها بحكم الظروف العربية الصعبة لتجمُّعها واجتماعها، فهي لا بد أن تكون صيغة مفتوحة للآخرين وقابلة للتطور، فالمهم أن تكون هناك بداية وأن تستمر وتتلاحق من بعدها الخطــوات.

      أن أول مهمة توضع أمام هذه المجموعة الأولى للعمل، الوصول إلى تقييم موحد للواقع العربي ومعطياته في إطار الظروف الدولية الراهنة، ولواقع النظم والقوى السياسية والحركات الشعبية في الوطن العربي، وأن تضع برنامجاً للاتصال ولإدارة حوار منظم ومتبادل بين العناصر والقوى الوطنية العربية التي تأخذ بالنهج الديمقراطي في العمل والتغيير، والتي تجمعها وحدة الهدف القومي وتعمل لوحدة الأمة، على تعدد منطلقاتها الأيديولوجية ومنظورها العام للعالم.. كما لا بد للأطراف والقوى المعنية أن تساندها، وتوفر لها ما يلزم من إمكانيات لتُشكل مكتباً دائماً لها في بلدٍ يتوفر لها فيه الحد الأدنى اللازم لحرية الحركة والتعبير، دون قيد على حركتها أو وصاية من أي نظام من النظم وكذلك لتكون بيديها الوسائل اللازمة للاتصال والنشــر .

      لا شك أن وحدة الفكر عامل أساسي من عوامل بناء اندماج الأمة ووحدتها، ولكن تلك الوحدة الفكرية والثقافية عملية حضارية وتاريخية، لا يُقررها فرد أو أفراد ولا حزب أو جبهة أحزاب بل تأتي عبر التطور السياسي والاجتماعي والثقافي للأمة وتعبير عنه، فليس المطلوب إذن أن نضع في مقدمة العمل المنظور الأيديولوجي الموحد أو أن تطالب مجموعة العمل الوصول إلى وحدة أيديولوجية، وإنما الوصول أولاً إلى مواقف سياسية موحدة من قضايانا القومية الأساسية والوصول إلى الأسس الاستراتيجية الواضحة التي يقوم عليها عمل قومي ونضال قومي مشترك.

      إن وحدة التوجيه السياسي لا بد أن تتقدم إذن في العمل، على وحدة المنظور الأيديولوجي، والحوار النظري مطلوب ويمكن له أن يستمر ويتواصل بين الأطراف المعنية، ولكن في إطار الاستراتيجية القومية الواحدة، ومن خلال توحيد المواقف السياسية حول مختلف المسائل الوطنية والقومية، وعبر تقدم حركات النضال العربي نحو أهدافها الواحــدة.

      إن التيارات السياسية السائدة في الوطن العربي، والتي نسميها عامة بالوطنية التقدمية، منها ما يأخذ بمنظور قومي ثوري ديمقراطي ومنها ما ينطلق من منظور ماركسي، و منها ما يأخذ توجهه من فكر إسلامي مستنير، ونقطة التقاطع والتلاقي التي يمكن أن تؤلف بينها ولا تضعها في مواقع الافتراق والتصادم، وهي الأخذ بالنهج الديمقراطي وبالإطار القومي في التوجه والعمل.. وديمقراطيتها كما سبق وقلنا، إنما تعني القبول بالتعددية وبالحوار المفتوح، وقوميتها أو نهجها الوحدوي، لا يفرض عليها أن تتخلى عما تؤمن به من منظورات إنسانية ودولية وكونية وإنما أن يكون توجهها أولاً إلى تأكيد وجود الأمة العربية وتعزيزه، إلى العمل على تحررها وتقدمها ودرء الأخطار عنها، وإلى بناء وحدتها السياسية واستقلاليتها.. فعبر الأمة وليس بالتجاوز عنها، يكون التوجه الشمولي الإنساني والعالمي.. وهنا لا بد من التأكيد على منظورنا للأمة العربية، لا يقف عند الجامعة الدينية، ولا الجامعة الطبقية أو الجامعة العنصرية، بل عند الجامعة التي تضم على صعيد الوطن العربي كل الفئات والجماعات التي تجمعها الوطنية والمواطنية وإرادة الحياة المشتركة على مختلف مذاهبها السياسية وأديانها السماوية وطبقاتها الاجتماعيـة.

   ٦- إن بناء وحدة الأمة طريقها طويلة، وإن معركة الحرية لا تنتهي، ولكن هناك مسائل ملحة يطرحها علينا واقع الظلم والاستبداد والقهر، الذي يسود كل الأقطار العربية، وإن على درجات مختلفة.. فلا بد أن تولي مواجهتها الاهتمام الأول، أي لا بد من العمل بمختلف الوسائل المُتاحة والتي يمكن أن تتوفر، لكشف هذا الواقع ومساندة كل القوى والعناصر الوطنية التي تعاني القسر والظلم وتناضل في سبيل التغيير الديمقراطي ومن أجل الحريات السياسية والفكرية، ومن أجل كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية، وهذه الممارسة الديمقراطية لا يجوز أن يقف في وجهها أي اعتبارٍ آخر، كتقدير خاص لواقع نظام أو لعلاقة ما بنظامٍ من النظـم .

      وهناك مسائل قومية مشتركة، وقضايا عربية ملحة لا تنتظر تأجيلاً، وبؤر يدور فيها الصراع بشكلٍ حاد وخطير في الوطن العربي، هناك مسألة فلسطين أولاً وقضية نضال الشعب الفلسطيني وحركة المقاومة، وهي مسألة لا تخص قطر لوحده أو حركة سياسية بعينها بما في ذلك حركة الثورة الفلسطينية ذاتها، بل ولا مجموعات من تلك المجموعات العربية التي تُسمى بنظم الصمود أو نظم الاعتدال فلا بد من الوصول فيها إلى تقييم مشترك وتوجيه موحد، وإلى استراتيجية عمل متعددة المراحـل .

      وهناك مسألة لبنان بكل تداخلاتها، ومسألة الحرب العراقية- الإيرانية، ومسألة الصحراء الغربية، هذه وغيرها لم تعد مسائل تخص هذا القطر أو ذاك، أو ما يحيط به ويجاوره بل هي مسائل تُلزم قوى النضال العربي كلها، وهي مصادر أخطار يتعلق بها المصير العربي والمستقبل العربي.

      وإذا كان الموقف من إسرائيل والاستعمار الصهيوني كخطر داهم لا يقتصر على التوسع واحتلال الأرض العربية، بل ويتدخل في تدمير البنيان العربي كله، يُلزم العرب جميعاً، فلا بد من تحديد نهج استراتيجي وطني وعربي ودولي للتصدي للإمبريالية الأمريكية حليفة إسرائيل، والتي تعمل بكل الوسائل لبسط هيمنتها على المنطقة العربية، كذلك فإن مبدأ الحياد الإيجابي الذي نهضت به سياستنا القومية في الإطار الدولي وصراعاته أيام عبد الناصر، لا بد أن يجد ترجمة صحيحة له في إطار المتغيرات الجديدة في العالم، وكذلك لا بد من تحديد معالم نهج عربي في العلاقات والمواقف الدولية بما يتفق مع أهدافنا القومية في التحرر والتقدم والوحدة، وبما يتفق أيضاً مع قضايا تحرر الشعوب في العـالـــم.

      وإذ أننا نقول باستراتيجية قومية للتحرك نحو أهداف أمتنا في التحرر والتقدم والوحدة، فهذا يطالبنا بإعطاء مضامين هذه الأهداف وتلازمها ومنحاها، والنهج الذي يُتبع للوصول إليها على ضوء واقعنا العربي ومرحلتنا التاريخية ومتغيراتهــا.

      وإذ أننا نقول بالديمقراطية مبدأً ومنهجاً وممارسةً، فلا بد أن نعطى وضوحاً كافياً لأسلوب العمل في سبيل التغيير الديمقراطي وصيغة النظام أو الدولة الديمقراطية التي نريدهــا .

      وهذه مسائل لا تأتي الإجابة عليها كلها دفعةً واحدة، ولا يختص بها طرفٌ قبل الآخر، بل هي تعني جميع الأطراف، والإجابات عليها تأتي عبر الحوار المستمر وكيفية إدارته، وستأتي على مراحل أيضاً، وعبر التجربة القومية المشتركة، ولسنا نقف عندها حصراً، ولكن هناك أولويات لبعضها تقدمُها على غيرهـا .

      ولا بد أن نعود ونقول في النهاية، إن محاولة تقوم اليوم لبناء عمل قومي مشترك على الصعيد العربي الشعبي لا بد أن تكون أطر عملها مفتوحة، وإذا ما فرضت الظروف أن تقتصر أولاً على أفراد وقوى سياسية ومجموعات ثقافية محدودة، فإن نهجها الوحدوي ذاته يطالبها بأن تنفتح لكل رافد يعمل في هذا الاتجاه، وأن تتسع لكل من تربطهم وحدة القضية، وتجمعهم وحدة الهدف .

      هذا تصور أولي لمنطلقات عمل قومي نحرص على الالتزام به، ونقدمه كورقة عمل، وهو تصور يبقى مفتوحاً لكل ما هو أكثر وضوحاً وأكثر جدوى.. وكل ما نريده أن يبدأ عمل وأن يدور حوار، وأن يستمرا ويتناميــا .

                  ==============================

      وبعد أن ثبت المؤتمر ما جاء آنفاً في “ورقة العمل القومي”  كمنطلق أولي يتوجه منه حزبنا إلى هذا العمل، جاء عدد من أعضاء المؤتمر في مداخلاتهم على استعراض لواقع القوى والأحزاب السياسية والحركات الشعبية العربية، ولنشاط المجموعات الثقافية والمؤسسات الإعلامية المستقلة عن النظم، والتي تتحرك في أرجاء الوطن أو خارجه وفي المهاجر والمنافي والتي ترفع راية الديمقراطية وتلتقي على منظور سياسي- ثقافي وحدوي وتمارس من مواقعها المتفرقة حركة نقد ومعارضة لواقع التبعثر القومي والضياع والتراجع، وواقع استبدادية النظم وإقليميتها ووقوعها في التابعية وعجزها عن انجاز أية مهمة من مهمات التحرر العربي والتقدم.. وقال الأعضاء في مداخلاتهم بضرورة نصب جسور من الترابط والتعاون بين هذه القوى والمجموعات والمواقـع المعارضة وأخذوا على القيادة قصور الوسائل والإمكانات التي وظفتها وتوظفها في سبيل العمل القومي المشترك.. وضعف حضور حزبنا (إن لم يكن غيابه في أكثر الحالات)، في الندوات الثقافية واللقاءات الشعبية العربية.. وطالبوا بأن تكون هناك مبادرات حثيثة، سواء من حزبنا أو بشكل أجدى عن طريق حركة التجمع لتنظيم الحوار مع هذه القوى والمجموعات ولطرح نهج للدفع بعملية تكتل هذه القوى في جبهة واحدة ووراء برنامج مشترك للنضال العربي الموحـد.

      ولقد أكد المؤتمر في النهاية وبعد المناقشة، على عدد من النقاط الرئيسية والتوصيات في هذا المجال، كما اتخذ عدداً من القـرارات، و نوجز ذلك فيمـا يـلــــــــــــي:

   ۱ـ لقد أكد المؤتمر على ضرورة إيجاد صيغة للتكامل بين نهجنا في العمل الوطني القطري وعملنا في المجال القومي.. فالتوجه الوحدوي العربي ومطلب العمل القومي الموحد لا بد أن يكونـا كمبدأ عام من المبادئ الأساسية في صياغة الوحدة الوطنية والعمل الجبهوي القطري منطلقاً لصياغة العمل القومي الموحد.. أي لا بد أن نضع في تصورنا السعي أولاً إلى إقامة جبهة قومية طليعية من عناصر قيادية قومية ومن قيادات القوى السياسية العربية التي تجمع بينها وحدة الأهداف وتلتقي على استراتيجية واحدة لتحقيق هذه الأهداف، والمطلوب أن تُمسك هذه “الجبهة القومية النواة” بزمام المبادرة وأن تُنظّر وتقود حركة التفاعل والحوار والاتصال والتنظيم، وأن تقـدم برنامجها القومي للتغيير الديمقراطي و للوحدة في مواجهة حركة التراجع والردة، وأن تشكل العمود الفقري لحركة تجمع شعبي عربي وتنظيم جبهة شعبية عربية عريضة تحيط بالقيادات السياسية والثقافية للقوى الشعبية العربية العاملة، أي للفئات الاجتماعية العربية التي تلتقي على ذلك البرنامج القومي للتغيير الديمقراطي وتجد فيه تلبية لمصالحها وتطلعاتهــا.

   ٢- وكان توجيه المؤتمر إلى أننا كحزب ناصري يُعبر عن استمرارية في النهج القومي لقيادة عبد الناصر وعن تجديد له من خلال التعلم من التجربة واستيعاب المتغيرات، يصح أن نستدل بالمعطيات الإيجابية لمرحلة نهوضنا القومي بقيادة عبد الناصر لاستخلاص المرتكزات الاستراتيجية الأساسية التي لا بد من توفرها ومن العمل على ترابطها والتأليف فيما بينها لقيام عمل عربي مُجدِ، وحركة نضال عربي موحد وثورة.. إن صعود حركة النضال العربي منذ منتصف الخمسينات لهذا القرن وحتى هزيمة حزيران، وأن تقدُم هذه الحركة نحو أهدافها القومية وإنجازها في الكثير من الأقطار للعديد من مهماتها في التحرر الوطني والاستقلال وفي الخروج من مواقع التابعية والسيطرة الإمبريالية وفي التغيير السياسي والاجتماعي وبناء قواعد للتقدم، بل وفي الصعود على طريق الوحدة وإقامة دولة موحدة للأمة العربية الواحدة…، إن هذا الصعود والتقدم قد توفرت له عدة عوامل ومقومات استراتيجية متكاملة كان أبرزهــا:

     أ- قاعدة استراتيجية ثابتة ومتينة تجسدت في مصر عبد الناصر وفي التماسك الوطني للمجتمع المصري، فعلى تلك القاعدة كانت حركات النضال العربي تلتقي، وإليها تلجأ وبها تحتمي، ومنها تستمد الدعم، وبوجود هذه القاعدة والمستند، أمكن مد جسور بينها وبين مواقع عربية متحررة غيرها قويت على أن تكون هي أيضاً مرتكزاً لقوى النضال العربي والتحرر القومي والتقدم.

     ب- قيادة سياسية- أيديولوجية مُهيمنة، تجسدت في القيادة التاريخية للرئيس جمال عبد الناصر ومن حولهـا كانت تتمحور قيادات النضال العربي وتلتقي، وفيها كانت حركة الجماهير تجد رمزاً لتطلعاتها ووحدتها، كما كانت على نحوٍ ما تملأ تلك الثغرة الكبيرة في حركة الثورة العربية والنضال العربي الموحد، الثغـرة الناشئـة عن غياب قيادة سياسية شعبية عربية موحدة، وتنظيم قومي موحد يمسك بنظرية في التغيير الثوري العربي ويحمل برنامجاً استراتيجياً لهذا التغيير، يعمل على تثوير حركة الجماهير وتسييسها وتحديد الأهداف المرحلية والاستراتيجية أمامها، وبما يتفق مع حاجاتها وطموحاتهــا .

     ج- تحرك شعبي عربي عام وحركة جماهيرية متأججة تدفع للتغيير وتُقدم قاعدة عريضة للنضال والثورة وتندفع بعفوية نحو أهداف عامة مشتركـة .

      إن تلك المرتكزات الاستراتيجية للعمل القومي لم تعد موجودة، ولا بد من إيجاد بدائل لها أو إعادة ترميم وبناء، ولقد وقف حزبنا منذ غياب عبد الناصر يقول بأن البديل للقيادة التاريخية لشخصية عبد الناصر، لن تكون لفرد بعده، فقيادة عبد الناصر كانت فرصة تاريخية لها ظروفها ومرحلتها.. وقلنا بأن البديل هو قيادة جماعية تلتقي فيها وتتوحد طلائع حركة الثورة العربية، هذه القيادة التي نتحرى سبيلنا إليها اليوم عن طريق العمل الجبهوي، بعد التعثر الكبير وبعد البدائل الفاشلة التي طرحت نفسها لإملاء الفراغ الكبير الذي أحدثه غياب عبد الناصر ثم مصر عبد الناصر، فعملُنا القومي اليوم هدفه الأول الوصول إلى قيادة سياسية جماعية موحدة لجبهة شعبية قومية تجمع شتات قوى النضال العربي، لسد تلك الثغرة التي كان يملأها عبد الناصر على نحو ما بحضوره، والتي ظلت ثغرة أيضاً في إبان حضوره، وبرزت الحاجة الكبرى لإملائها في عهد عبد الناصر أمام كل أزمة من الأزمات الخطيرة التي واجهتها حركة النضال العربي، كأزمة الانفصال وهزيمة حزيران كما برزت الحاجة لهذا الإملاء أمام كل محاولة للتقدم نحو تحقيق هدف كبير من أهداف الأمة وبخاصة عند محاولة التقدم من جديد على طريق الوحدة عام ١٩٦٣.. إذن فالمهمة التي كانت مؤجلة و مُلقاة على عاتق مرحلة قادمة من مراحل النضال العربي (كما جاء في الميثاق الناصري حين قال: إن قيام اتحاد للحركات الشعبية الوطنية التقدمية في الوطن العربي أمر سوف يفرض نفسه على المراحل القادمة من النضال) هي المهمة الأولى التي يتوجب حملها اليوم والعمل على إنجازهـا.

      أما المراكز أو المرتكزات التي يمكن أن تستند إليها حركة النضال العربي في توثيق عراها فيما بينها وصياغة وحدتها التنظيمية القومية وتجد فيها الدعم والحماية ومجالات للتلاقي والحوار، فهذا ما لا تتوفر مقوماته اليوم لدى أي نظام من النظم العربية القائمة أو لدى أية كتلة من تكتلاتها.. فمثل هذا العمل القومي لن يستطيع المضي في طريقه الصحيح ما لم يستطع الصمود في وجه تسلط النظم وعمليات الاحتواء والتزوير التي تمارسها، فضلاً عن أنه لا يقوم أصلاً إلا في معارضتها.

      فالمرتكزات التي يمكن أن يستند إليها هذا العمل في المرحلة الراهنة هي المجتمعات الشعبية العربية وفي المواقع والأقطار التي يملك فيها المجتمع الشعبي قدراً كافياً من التماسك الوطني، وتملك فيها حركة المعارضة الوطنية الديمقراطية قواعد شعبية تعزز قدرتها على التحرك خارج أطر هيمنة النظم.. إن مصر الشعب، مصر المعارضة الوطنية الديمقراطية، رغم كل المتغيرات التي وقعت في مصر تبقى مُهيأة لأن تستعيد دورها كمرتكز أساسي للعمل القومي والنضال العربي، كما لا بد من التطلع إلى مواقع عربية غيرها مُهيأة لأن تكون مرتكزات مساندة، كما هو الأمر بالنسبة لحركة المعارضة الوطنية الديمقراطية في المغرب العربي.. وأياً ما كانت الأزمة الخانقة التي تتخبط بهـا اليوم حركة الثورة الفلسطينية، فإن القاعدة الشعبية الفلسطينية تظل قاعدة وطنية ثابتة للثورة القومية، هي سواءٌ من حيث أن قضيتها الوطنية هي أخطر قضية قومية ومُلزمة للجميع أو من حيث توزعها وانتشارها، يمكن الاعتماد عليها كمرتكز لتكون عامل ترابط ولتكون ناقلة لحركة الثورة القومية والعمل القومي.. كما لا بد من تحري السُبل للوصول إلى مُرتكزات أخرى..

   ٣- وانطلاقاً مما تقدم، وجه المؤتمر إلى ضرورة الخروج من حالة الانتظار والتردد وأسلوب العمل الشخصي في العمل القومي، والتوجه بشكل جاد ومدروس نحو القوى والمنظمات السياسية العربية على أساس من مواقعها الجماهيرية وموقفها السياسية من القضايا الراهنة، وإيجاد الوسائل الكفيلة لتطوير صيغة العلاقات معها إلى وضع يخدم قضايا النضال العربي وهدف العمل القومي الموحد.

   ٤- كما طالب المؤتمر بدراسة الأوضاع السائدة في القطر المصري وتوجهاته ودراسة طبيعة القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفاعلة فيه، وتنشيط العلاقة وتنظيمها مع القوى السياسية والجماهيرية المنسجمة مع توجهاتنا السياسية العامة نظراً لأهمية دور مصر في النضال العربي.

   ٥- وطالب المؤتمر بالقيام بتقصيات وتقديم عدة دراسات حول العمل الوطني والقومي في الأقطار العربية، وتدارس خبرات القوى الوطنية فيها، ودورها ومواقفها من مجمل القضايا العربية والدولية وتنشيط حركة الاتصال والحـوار معهـــا.

                *                    *                 *              *

يتبع.. «الموقف السياسي من القضايا العربية والدولية الراهنة»

التعليقات مغلقة.